النسبة الذهبية.. هل هي حقاً سر الجمال؟
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
بدأت القصة بأحجية عن عدد الأرانب التي من الممكن أن تتوالد سنوياً بفرض أننا بدأنا العد بزوج من الأرانب.. وانتهت القصة برقم أسطوري بدأ يظهر في كل تفاصيل الكون!
0، 1، 1، 2، 3، 5، 8، 13، 21، 34، 55، 89، 144، 233، 377، 610، 987، 1597، ...
هذه المتتالية تعتمد على اختيار رقمين ابتدائيين، ومن ثم نكمل بقية أعداد المتتالية عن طريق جمع الرقمين السابقين له: الرقمان الابتدائيان هما 0 و 1، ثم 0+1=1،1+1=2 وهكذا..
نعم هذه المتتالية لها سماتٌ مميزة.. فمثلاً كلّ ثلاث أرقام متتالية منها يكون مربع العدد الذي في المنتصف، وجداء الأول والأخير بينهما عدد واحد.. مثلاً 3، 5، 8 فإن مربع 5 هو 25 وناتج 3*8=24.
وإذا أخذنا أربعة أرقام متتالية فجداء العددين على الأطراف سيكون أصغر بواحد أو أكبر بواحد من جداء العددين في المنتصف، مثلاً: 1، 2، 3، 5 نجد أن 1*5=5، 3*2=6.
كما أن مجموع أي 10 أرقام متتالية من هذه المتتالية يساوي 11 ضعف العدد الثامن منها.
هذه المتتالية هي مثال واحد من العديد من المتتاليات ذات الخواص التعاودية.
إذاً ما العلاقة بين هذه المتتالية والنسبة الذهبية المشهورة بالرقم السحري 1.618؟
إن تكرار قسمة أي عددين متتاليين من المتتالية سيبني لنا متتالية تتقارب من الرقم 1.618.
فلدينا 1/1=1،2/1=2 ، 3/2=1.5 ، 5/3=1.666000 ، 8/5=1.6 ، 13/8=1.625 ....وبتكرار هذه العملية سنجد أن الأرقام تتقارب من القيمة 1.6180339887.... وأطلق على هذه القيمة اسم العدد فاي "phi".. وأحيانا تلفظ نسبةً للأحرف الاغريقية "تاو".
لربما ينأسر بعضكم بسحر وتفرد هذه المتتالية، ولكن من المفترض أن يعرف العالم أنه من السهل جداً وضع متتاليات بخواص تعاودية وميزات فاتنة وساحرة، فمثلاً متتالية لوكاس"Lucas sequence" : 1، 3، 4، 7، 11، 18، 29، 47، 76، 123، 199 ... هي متتالية تبدأ باختيار الرقمين الابتدائيين 1 و 3 ومن ثم جمعهما وإكمال عناصر المتتالية كما في متتالية فيبوناتشي، وثمة الكثير من المتتاليات المشابهة كـ"Mersenne numbers"و"Pell numbers"و"Jacobsthal numbers"و"Fermat numbers" مما يدعونا أن نتسائل ولو للحظة بعقل متنور: لم فقط أرقام فيبوناتشي هي التي تنال القسط الأكبر من الشهرة؟
ليحاول كل منا أن يخترع متتاليته الذهبية ذات الخواص المميزة وسينجح..
لنبني واحدة سوياً:
لنأخذ العلاقة التعاودية P(n) = P(n-2) + P(n-3) ولنختار ثلاثة أرقام لنبدأ المتتالية وهي 0، 1، 1 فنحصل على متتالية من الأرقام 0، 1، 1، 1، 2، 2، 3، 4، 5، 7، 9... وأيضاً سنأخد نسبة كل عددين متتاليين من هذه المتتالية وسنجد أن القيم تتقارب من القيمة 1.3247295.... أليس هذا الرقم ذهبياً وسحرياً وخارقاً! إن النسب تتقارب من رقم ثابت وهو 2(وللفضوليين، هو 2.8)، لم لا يعتبر أحد أن هذه النسبة ذهبية؟
أعلم لماذا..سيأتيني الجواب مباشرةً:
لأن الرقم الذهبي 1.618 موجود حولنا في كل مكان، في الطبيعة وفي الكون وفي جسم الانسان، وهو العدد الذي يحقق هندسياً "أجمل" الأشكال والتصاميم بالكون والفن والعمارة.
حسناً.. هل اختبرت ذلك بيديك -يديك انت-؟ أم أنك استمعت لهذه البراهين واستكنت لها فقط لأننا نحن البشر نعشق ما هو غامض وسحري ومنمق ونقبل بوجوده دون برهان؟!
لننسى الكلام المنمق الكثير الذي سمعناه عن هذا الرقم من قبل الجمهور المتعصب لفيبوناتشي ولنتجرأ على طرح بعض التساؤلات:
"يقولون" أن المستطيل الذهبي -الذي اُخذت قياسات أضلاعه مع مراعاة النسبة الذهبية- هو "أجمل" مستطيل على الإطلاق، وكان الفنانون يستخدمونه في ترتيب عناصر الصورة في لوحاتهم.. أولاً: ماذا تعني كلمة "أجمل"؟ ما هي التجارب والقياسات التي تمت لاختيار معايير الجمال تلك؟ أليس من المفترض أن الجمال شيء نسبي؟ كيف يصبح مطلقاً وخصوصاً فيما يتعلق بالفن!.. سأجاري من يدعي هذا الادعاء وأقول له: بما أنه المستطيل "الأجمل" فلم لا يستخدمه الفنانون في كل لوحاتهم؟ أي فنان لا يرغب في أن تكون لوحته دائماً موافقة لـ"معايير الجمال المطلق"؟
وبالمناسبة، دعونا نختبر احساسكم بالجمال المطلق وجربوا أن تنظروا ملياً إلى هذه المستطيلات، ثمّ اخبرونا على أيّ مستطيلٍ "ارتاحت" عيناكم أكثر، وشعرتم بالجمالية أكثر؟ أيّ مستطيل هو الأجمل والذي يحقق النسبة "المثالية"؟
"يقولون" أن موتسارت استخدم هذه النسبة في تأليف مقطوعاته، أين الدليل الرقمي لهذا الكلام؟ أي مقطوعة التي يتحدثون عنها؟ ومن بإمكانه القول أنّ مقطوعة معينة هي أجمل ما ألفه موتسارت بسبب احتوائها على هذه النسبة؟ وأيضاً إن كان فعلاً قد استعملها لزيادة جمالية مقطوعته وبفرض أنه نجح في ذلك، فلماذا لم يستعملها في جميع مقطوعاته؟
"يقولون" أن النسبة الذهبية موجودة في الطبيعة..
نعم وأيضاً نسب أخرى موجودة في الطبيعة، ومن البديهي أن الكون يُبنى من خلال أرقام سواء كنت عشوائية أم تتبع أنماطاً معينة.. ولكنك إن اقتنعت أن ثمة رقم سحري في الكون فسوف تجده في كل تفصيل من تفاصيل هذا العالم.
فلدينا اللولب الذهبي، وهو الشكل الحلزوني الشهير الذي يُرسم على بعض اللوحات والأشكال اللولبية ليثبت أنها تطابق النسبة الذهبية وأن الكون مبني على هذه النسبة، ولكن فلنوسع نظرتنا أكثر.. ثمة الكثير من الأشكال اللولبية في الكون التي لا تعتبر لوالب ذهبية ولا تحقق نسبة فيبوناتشي كالمجرات الحلزونية، الدوامات الناتجة من حركة الطائرات وصدفة قسمناها من المنتصف، قم بحساب نسب الأبعاد في هذه الأشكال، لن تجد أنها تحقق النسبة الذهبية.. ولن تقترب منها!
دعونا نجرب مرة أخرى، أيّ من هذه اللوالب تتبع للنسبة الذهبية وأيها لا تتبع؟ هل بإمكانكم التمييز؟ وإن كانت أغلبها لا تتبع لأيّ نسبةٍ ثابتة، فلماذا يتمّ انتقاء الصور التي تقترب نوعاً ما من تلك النسبة ويتمّ تقديمها على أنها هي الثابت الكوني الموجود في كل مكان وكأنه القاعدة وغيره هو الاستثناء؟
اذاً لم لا نشاهد سوى مايحقق هذه النسبة ونتجاهل ما لا يحققها؟ لأننا نريد أن نراها فعلاً، ولمن يرغب أن يتأكد بنفسه ما عليه إلا أن يطابق بين حلزون النسبة الذهبية وبين أيّ من صور المجرات أعلاه وللمفاجأة.. لن تجد أياً منها مطابقة للنسبة.
إذاً ماذا حدث؟ كيف أصبحنا نرى أيّ شيء لولبي على أنه يحقق النسبة الذهبية؟ نلتقط للحرباء صورة ونرسم فوق ذيلها -الذي قد طوته منذ ثوانٍ- شكلاً لولبيا "يحقق النسبة الذهبية" دون أي توضيح لأي علاقة رياضية تربط نقاط هذا اللولب أو تطابق تماما طريقة التفاف ذيل الحرباء.. ونتجاهل أية نسب ممكن أن تتواجد في ذيل الحرباء قبل أو بعد أن تطويه، ولا أحد يكلّف نفسه لالتقاط صورةٍ لأختها الواقفة قربها بذيلٍ لا يحقق النسبة!
يأتي أحدهم ليقول: حسناً ماذا عن وجود النسبة الذهبية في جسم الانسان؟ ألا تعرفون أنّها موجودة في أجسامكم؟
"يقولون" أن النسبة الذهبية تتحقق بقسمة ارتفاعك عن الأرض، على ارتفاع سرتك عن الأرض.
عزيزي القارئ، أنت تملك متراً للقياس وتملك مرآة.. فلتجرب بنفسك.. ستقول لي أن هذه النسبة جمالية وتتحقق لدى الأجساد الجميلة المثالية فقط، حسناً أُجريت قياسات دقيقة لبزات السباحة الأكثر شعبية فكان متوسط النسب 0.58±0.01، لا يمت لرقمنا الاسطوري بأية صلة! هذا بغض النظر عن مفهوم نسبية الجمال من شخص لآخر ومجتمع لآخر، ولنقم بهذه التجربة الصغيرة أيضاً، فأيّ من الأجسام الرياضية في الصورة التالية برأيك هو "الأجمل"؟
جرّب أن تطابق قياسات الجسم الذي اخترته مع النسبة الذهبية وأخبرنا بالنتيجة! بالحقيقة، جرب أن تطابقهم جميعاً مع النسبة وأخبرنا ماذا وجدت؟ هل يحقق أي قياسٍ منهم النسبة الذهبية؟ أم أنّ كل هؤلاء الأشخاص "قبيحون" ولا يملكون أجساماً "مثالية"؟ إذاَ فمن يملك الجسم المثالي؟ ومرة أخرى من قرّر أن ذلك الجسم هو المثالي ولماذا يكون هو القاعدة رغم ندرته ونحن جميعاً استثناء؟
حسناً، دعونا نبحث عن النسبة الذهبية في مكانٍ آخر: "يقولون" أنّ نسبة عرض الاكتاف على ارتفاع الرأس تحقق النسبة الذهبية، كذلك بعض النسب في وجه الإنسان تحققها، ولكن أيّ نسب؟
طول الجبين إلى طول الوجه؟ أم عرض العين إلى عرض ما بين الأذنين؟ أم عرض الفم إلى ارتفاعه؟ أيّ نقطٍ هي التي "يقولون" أنّها تطابق النسبة الذهبية وهل تساءلتم لماذا وقع الاختيار على هذه النقط بالذات؟ هل يمكن أن تحقّق مثلاً المسافة بين طرفي الحاجبين إلى المسافة بين طرفي العينين نسبةً قريبة من النسبة الذهبية؟ أم أنهم اختبروها ولم تحقق النسبة الأسطورية فتجاهلوا النتيجة وبحثوا عن عضو آخر من الجسم يحقق النسبة المطلوبة؟
ودعونا نأخذ أيّ رقمٍ آخر ونبحث عن قياسات مختلفة بين نقط من الجسم تشابهه قليلاً، فهل يصبح لدينا بهذه الطريقة نسبة عظيمة وساحرة؟
سيقولون لي: حسناً، كلامك منطقي ولكن لمَ كان ليوناردو دافنشي يستخدم هذه النسبة في رسومه وبالأخص رسمته "Vitruvian Man"الشهيرة عن تشريح جسد الانسان! عزيزي لقد استمعتَ أكثر من اللازم لكلام الناس ولم تجرب ولا مرة واحدة أن تقيس أبعاد الصورة بنفسك.. إن نسبة ارتفاع الجسد على ارتفاع السرة هي تقريبا 1.634 وهو رقم قريب قليلاً من 1.618 ولكنه أيضاً قريب من 1.635 وقريب من 1.641 وقريب من عددٍ لا نهائيّ من الأرقام! كما أنّ دافنشي لم يكن له يد بهذه الادعاءات فهو لم يلمح ولا مرة بأن ثمة نسبة ما في رسومه، كان بإمكانه رفع سرة هذا الرجل قليلاً ليثبت هذه الأسطورة ولكنه لم يكن ينوي ذلك! بل نحن من نريد أن نرى ذلك.
أعزاءنا المهندسين والمعماريين، "يقولون" أن النسبة الذهبية تتواجد في المبنى اليوناني الشهير "البارثينون"، لمَ قام فيداس الذي بنى هذا المعبد ببنائه على مستطيل نسب أطواله 7/16 = 0.4375 ؟ ولا ننسى أن الصور التي التقطت لهذا المعبد مختلفة ومتباينة بحسب الزاوية التي تقع فيه الكاميرا.. كما أنه يجب ألا ننسى أن هذا المعبد بُني قبل 1200 عام من ولادة فيبوناتشي وظهور أسطورة النسبة الذهبية. كثيرة هي الأمثلة والإثباتات على أن النسبة الذهبية ليست بأسطورة أو معجزةٍ كونية أو ثابتٍ جمالي أساسيّ، وأن يحاول أحدهم أن يقنعنا بأنها أسطورية ونتجاهل نسب أخرى فهو ببساطة يريدنا أن نرى بذلك ما يريد أن نراه فقط.
سؤال مهم: لم اختلقوا كل هذا؟ وسؤال آخر أهم: لم نحن ننقاد خلف كل ما يقال عنه "ذهبي أو أسطوري" دون تفكير أو اختبار؟ لأننا نحب الغموض ربما ونحب أن نضع القوانين فننبهر حين نجد الكون مبني على نسبة ما فنقدسها وننكر أي مظهر يخالفها.
ستقولون أنه لاضير إن آمنا بوجود كهذه النسبة واقتنعنا بقدسيتها، ولكن حين يقوم الناس بتلفيق أمور خرافية تضر بالبشر وبعقولهم باستخدام رقم كهذا فحينها يجب أن نراجع أنفسنا.
سمعت مرة من أحد الاختصاصيين بمجال التغذية أن مزج المحاليل بما يتوافق مع النسبة الذهبية يجعل الخليط فعالاً! هل هذا الكلام ينطبق على كل المحاليل؟ العلم لم يثبت أي شيء من هذا القبيل، يُرهق المخبريون في إيجاد النسب الفعالة لتراكيب الأدوية ثم يأتي أحدهم ليقحم رقماً لا علاقة له بشيء بشكل عشوائي في المركبات الطبية! ماذا ستفعل بالأناس البسطاء الذين يستمعون الى كلامك باسم "اختصاصي" وسيتضررون من تطبيق خلطاتك هذه بنسبتك هذه! وقيل أيضاً أن الهرم في ارتفاعه الذي يحقق النسبة الذهبية يكون ذو مستوى طاقي عالي، فإن وضعت شفرة حلاقة مستعملة في مجسم صغير للهرم عند الارتفاع المطلوب فسوف تعود الشفرة حادة، وهنا نلاحظ التداخل بين العلوم الزائفة فهي بسبب عدم قدرتها على الإعتماد على مرجعية علمية تنتهي بأن تعتمد على بعضها البعض، وبإمكانك مراجعة مقالنا عن طاقة الهرم كعلم زائف من هنا هنا
من المشين أن نتعرض لهكذا مواقف بسبب أكاذيب لا صلة لها بالعلم.. فلنفكر قبل أن ننقاد.
مجرد إيماننا بأي شيء يقال لنا دون إثبات علمي هو بحد ذاته كارثة بغض النظر عن أثره السلبي مادياً وفكرياً.
المصادر
هنا
هنا