لماذا تزداد الحكة كلما حككنا أكثر؟!
الطب >>>> مقالات طبية
يبدو أنّ أجدادنا كانو محقّين عندما قالوا: "ولك لا بقى تحكها
بتزيد عليك الحكة" !!
فمن المعروف أن الحكة تولّد ألماً خفيفاً في الجلد، هذا الألم قد يحجب إشارات الحكة من الوصول للدماغ ولو لمدة قصيرة ولكن سبب عودة الشعور بالحكة بشدة أعلى بقي مجهولاً حتى وجد الباحثون أنّ هذه الدورة (حكة-ألم) تحدث عند الفئران كما عند البشر؛ مما سمح لهم بإجراء اختبارات عليها والعثور على مفاتيح من أهمها دور السيروتونين* في دورة الحكة والألم.
إذ اكتشفوا أنّ ذلك الألم الخفيف يحرض الدماغ على إنتاج السيروتونين الّذي يعود ليؤثر على المستقبلات في مكان الحكّة مسببا زيادة الشعور بها، ما يسميّه الفيزيولوجيون (التلقيم الراجع الإيجابي).
الصورة توضح هذه الدارة ...
(ألم – التهاب – سيروتونين – حكة) (جلد متضرر) (تخريش أو حكّ)
قام الباحثون بالاختبارات على سلالة خاصة من الفئران تم تعديلها وراثياً بحيث لا تملك المورثة التي تسيطر على إنتاج السيروتونين في الجسم ثم حقنوها بمادة تسبب الحكة، ووجدوا أن الفئران المعدّلة وراثيّاً لم تحكّ بنفس شدة مثيلاتها التي تملك السيروتونين طبيعياً، ولتأكيد دور الناقل العصبي (السيروتونين) تم حقن الفئران المُعدلة به فقامت بالحكّ بنفس الشدة المتوقعة من مثيلاتها الطبيعية.
هذا التأثير للسيروتونين على الحكة لم يكن معروفاً سابقاً، حيث يمكننا القول مجازاً أن السيروتونين قام بالانتقال من المسار العصبي الخاص بالألم الى المسار الخاص بالحكة؛ ورغم أن هذا التداخل على عمل السيروتونين أدّى الى تأثير مخفف للحكة، إلّا أن العلماء لا ينصحون بالقيام بذلك للمعالجة منها لأن إيقاف عمل السيروتونين له تأثيرات سلبية تشمل العديد من وظائف الجسم الجسدية و النفسية.
ولكنهم يعتقدون أنّه من الممكن التدخل بتأثيره على المسار الخاص بالحكة في النخاع الشوكي، إذ يتضمن هذا المسار خلايا عصبية خاصة تُعرف بعصبونات الـ GRPR وهي التي تنقل إشارات الحكة من الجلد الى الدماغ،
ولهذا عمل الفريق على عزل المستقبلات التي يُفعّلها السيروتونين في تلك الخلايا عن طريق حقن الفئران بمركبات تفعل مختلف المستقبلات الخلوية بالإضافة الى المادة التي تسبب الحكّة فوجدوا المُستقبِل المنشود المُسمّى بـ (5HT1A) الذي يؤدي تفعيله إلى استجابة خلايا الـ GRPR للسيروتونين.
ثم قاموا بمعالجة هذا المُستقبِل بمركب خاص فكانت النتيجة أن حكّ الفئران لجلدها انخفض بشكل كبير..
قد يبدو هذا الاكتشاف واعداً في سبيل معالجة وإيقاف الشعور بالحكة ولا سيّما لدى المصابين بالحكّة المزمنة، ولكن حتى اكتمال فهم العلماء للآليات الخلوية والجزيئية لدورة الألم والحكة فإنهم ينصحون بالاستماع لنصائح الأمهات بعدم حك الجلد وإلا فإن الشعور بالحكّة سيتفاقم..
*السيروتونين: مركب كيميائي يصنعه الجسم ويعمل كناقل عصبي، يؤثّر بشكل مباشر و غير مباشر على أغلب الخلايا العصبية في الدماغ.
وبالتالي فإنه يلعب دوراً في التحكم بالمشاعر والمزاج والرغبة الجنسية والشهية والنوم والتعلم والذاكرة وحرارة الجسم بالإضافة إلى العديد من الوظائف الجسمية، فهو يلعب دوراً في الجهاز الوعائي والعضلات والغدد الصمّ؛ كما يجدر بالذكر أن أدوية الاكتئاب المعروفة بالـ SSRIs ترفع مستوى السيروتونين في الدم لمكافحة الاكتئاب.
المصادر:
هنا
هنا
هنا