التمكن من ضغط البت الكمي للمرة الأولى
المعلوماتية >>>> الحوسبة الكمومية
لعله من المعروف لنا جميعاً أنه لولا الخوارزميات المعقدة المستخدمة في ضغط وتشفير البيانات لكانت الأقراص الصلبة
والإنترنت أبطأ بكثير.
اليوم! تمكن عدة فيزيائيين في كندا للمرة الأولى من إثبات إمكانية ضغط البيانات التي قد تكون أساس الكومبيوترات
المستقبلية والمكونة من البتات الكمية “qubits”.
تَعِد الكومبيوترات الكمية بإنجاز بعض المهام المحددة، كـفـكّ مفاتيح التشفير أو إنجاز بحث عن سجل في قاعدة بيانات ما بسرعة أعلى بكثير من الكومبيوترات المعروفة اليوم. سرعة كهذه ممكنة من حيث المبدأ، حيث أن البت التقليدي يمكن أن يكون إما 0 أو 1، بينما يكون الكومبيوتر الكمي قادراً على حفظ المعلومة كصفر وواحد في الوقت نفسه مستفيدين مما يعرف بظاهرة الموضع الخارق “superposition”.
ما زالت التقنية الكمية في بداياتها، حيث أن العديد من التقنيات والعمليات المعروفة في الكومبيوترات التقليدية مازالت قيد التطوير في الكومبيوترات الكمية، كما هو الحال بالنسبة لضغط البيانات.
قام «إيبهريم ستاينبيرغ»، وهو عالم فيزياء كمومية، وزملاؤه من جامعة «تورنتو» بالاستعداد للقيام بمهمة قد تبدو أنها بسيطة، حيث أن الهدف منها هو ضغط المعلومات المحتواة ضمن عدد من البتات الكمية المتطابقة.
بالنسبة للحوسبة التقليدية فإن عملية مثل هذه تعتبرعملية تافهة، حيث أن سلسلة من البتات المتطابقة ستقوم بتشفير المعلومات نفسها المحتواة ضمن بت واحد. ولكن هذا الحال لا ينطبق على الحوسبة الكمية، فالطبيعة الاحتمالية لميكانيك الكم تعني بالضرورة أن قياس بتات كمية متطابقة سينتج عنه قيم متفواتة، ولهذا السبب فإن مراقبة وتسجيل الحالة الكمية بدقة لبت كمي واحد تتطلب أخذ قياسات لعدة نسخ متطابقة من البت الكمي نفسه ثم حساب متوسط النتائج.
:أهمية الترتيب
أظهر «ستايبرغ» وزملاؤه كيفية تخفيض سرعة تولد البتات الكمية وذلك بالإستفادة من حقيقة أن معظم المعلومات المشفرة كمياً تعتمد بشكل أساسي على الترتيب بدلاً من اعتمادها على الحالة الكمية.
على سبيل المثال: إذا كان لدينا ثلاثة بتات كمية في مواقعهم الخارقة بالنسبة للقيمة 1 و0، فسيكون لدينا ثمان نتائج محتملة وهي: 000، 001، 010، 011، 100، 101، 110، 111. لكن في القياسات الوسطية (أي مع إهمال الترتيب) فسنحصل على أربعة احتمالات فقط وهي: 0 أو 1/3 أو 2/3 أو 1. وذلك نسبة لعدد الواحدات فهو إما صفر أو واحد أو اثنين أو ثلاث، وهذا المثال يظهر لنا بوضوح أهمية الترتيب.
وفقاً للباحثين فإنه يمكننا إهمال المعلومات الزائدة الناتجة عن الترتيب بما أن البتات الكمية متطابقة. حيث يوضح «ستايبيرغ» ذلك بقوله أن الاحتفاظ بكل المعلومات الناتجة هو أشبه بالاحتفاظ بالأعمال الكاملة لشيكسبير لغرض حساب متوسط معدلات استخدام الأحرف الإنكليزية.
يُعَد هذا البحث تتمة لعملِ مجموعة من الفيزيائيين النظريين في معهد «ماساشوستس» في منطقة كامبريدج في ولاية بوستن الأميركية بقيادة «إسحق تشونغ»، والذي أظهر رياضياً أنه من الممكن بناء دارة قادرة على تفريق تبدلات وحالات البتات الكمية إلى عدة سجلات مستقلة.
وقد تمكن «ستاينبيرغ» وزملاؤه من إثبات ذلك تجريبياً عبر تجربة البتات الكمية الثلاثة مستخدمين العديد من الأدوات الضوئية والبصرية منها الليزر. عادةً يحتاجُ كل بت كمي إلى فوتون وحيد لكي يتم تشفيره، لكن في هذا السبق العلمي فقد تمكن الباحثون من تشفير ثلاثة بتات كمية باستخدام فوتونين فقط. حيث تم تشفير أول بتين كميين عبر قطبية الفوتون الأول ومعلومات مساره، والبت الكمي الثالث تم تشفيره بقطبية الفوتون الثاني.
:صعوبات وتحديات ومستقبل واعد
قد تبدو هذه العملية بسيطة الآن، لكن فريق العلماء يقول أن النسبة سوف تتضاعف تضاغفاً أسيـّاً مع ارتفاع عدد البتات الكمية المضغوطة، حيث سكون من الممكن ضغط 1000 بت كمي بـ10 فوتونات، ويمكن ضغط مليون بت كمي بـ20 فوتون فقط.
لكن يشيرُ عالم الفيزياء الكمومية من جامعة كاليفورنيا «أليكسندر كوروتكوف»، والذي لم يكن له دور في هذا البحث، إلى أن آلية الضغط هذه غير ملائمة للكومبيوترات الكمية التي تعتمد على بتات كمية متشابكة كمياً بشكل شديد. على سبيل المثال فإن بتين كميين يمكن أن يكونا في موضعين خارقين 1 و0 على التوالي، لكن عند قياسهما فمن المكن أن تكون حالتهم قد تغيرت.
وعلى صعيد آخر، يقول عالم الفيزياء النظرية «مارتن بليستش» من أكاديمية «سلوفاك» للعلوم في براتيسلافا أن مضاعفة عدد الفوتونات المستخدمة لضغط وتشفير البتات الكمية لن يكون أمراً سهلاً.
يعّبـُر «ستاينبرغ» عن وعيه بهذه الصعوبات، حيث يعتقد بأنه من الممكن استخدام الأيونات المحصورة أو النواقل الفائقة عوضاً عن الفوتونات، ويضيف قائلاً:" الصعوبات التي تواجهنا هي ذاتها الصعوبات التي نعرفها جميعاً الآن والمتمثلة بكيفية بناء كومبيوترات كمية أضخم وأعقد".
المصدر: هنا