كيف ساهمت النمذجة الحاسوبية في الحد من انتشار الإيبولا -الجزء الثاني
المعلوماتية >>>> عام
إن نقص الدقة لايجب أن يُترجم على أن التنبّؤَ عديمَ الفائدة، وقد اختلف المنمذِجون حول ذلك. فحتى التنبؤات غيرَ الدقيقة ساعدت في قياسِ مدى تأثيرِ التدخلات على مسارِ الوباء سواء كانت هذه التدخلاتُ مفردةً أو مركبة، ومباشرةً أو مؤجّلة. كما أنها ساعدت صانعي القرار على تحديدِ الأولويات. وقد ذكرت «ريفيرز» في رسالتها المرسلة إلى Nature: "تأكيدكم على فشلِ نماذجِ وباء الإيبولا في تخطيطِ مسارها لا يمثّلُ هدف هذه النماذجِ بشكلٍ صحيح، فقد كانت هذه النماذجُ ملهِمةً وأعلنت قابلية إبطاء انتشار الوباء".
تسلل الوباء إلى ليبيريا في أول أسبوعٍ من شهر أيلول/سبتمبر من عام 2014، وذلك في الوقت نفسه الذي كانت فيه المنمذجات تهيّئ توقّعاتِها. وقد كان من الممكن التنبّؤُ بتلك الحادثة لو أن المنمذجات أدركت أهمية ماكان يجري في جزءٍ معيّن من البلاد. فقد دخل الإيبولا إلى ليبيريا عبر مقاطعةِ لوفا التي تحدّ كلّاً من غينيا وسيراليون، ولذلك كان هذا الانتشار الأكثرَ نضوجاً في البلاد.
أصبح منحني الوباء الخاص بمقاطعة لوفا مسطّحاً في شهر آب/أغسطس، وفي أوائل شهرِ أيلول/سبتمبر تناقص عددُ الحالات بشكلٍ بسيط لعدّةِ أسابيعَ متتالية. ولكن المحلّلين لم يستطيعوا التأكدَّ ما إذا كان هذا الهبوطُ نتيجةَ ومضةٍ خاطئة أم أنه مؤشرٌ فعلي على حصول تغيير ما. وفي حال كان التغيير صحيحاً، فهذا يعني أن الحملاتِ الصحيةَ العامةَ في مقاطعة لوفا قد نجحت في إقناع الناس بتغيير سلوكهم؛ كالذهاب إلى المشفى في حال ملاحظةِ أعراضٍ معينة، وعزلِ أفراد العائلة المصابين، وتسليمِ الموتى إلى فرق الدفن الآمن ليتولّوا القيام بالمهمة. وبعد وصول الوعي العام إلى درجةٍ عالية، كان من المتوقع أن جميع المقاطعات الليبيرية سوف تكرّر تجربةَ لوفا.
Data Source: Virginia Bioinformatics Institute، Virginia Tech
لاحظت إحدى المشاركات في صنعِ النماذج في جامعة فلوريدا من خلال النظر إلى المعطيات وجودَ انثناءٍ في المنحني، ولكن لم يهتمّ أحدٌ بذلك. كما لاحظ «لويس» من معهد فرجينيا التقني الأمرَ ذاتَه في معطيات لوفا. وفي الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر قام بالتحدث عن ذلك في عرضه أمام قسم الدفاع وذلك تحت عنوان «التعلّم من لوفا»، مُظهراً كيف سيبدو منحني وباء الإيبولا في حال تكرّرت تجربة لوفا. كان هذا التنبؤُ أقلَّ إثارةً للخوف من التنبؤات السابقة المقدمة إلى القسم، ولكنه لم يصل إلى الناس بشكلٍ جيد، فقد تمّ انتقاد «لويس» بقسوة لاعتقادهم أنها فكرةٌ غبية وأنه من غير الممكن معرفة ما إذا كانت ليبيريا ستكرّر تجربة لوفا.
لقد كان من السهل إدراكُ أن لوفا كانت كبشَ فداء، كما أنه من السهل معرفة أن الباحثين قد أخطؤوا بمعايرة نماذجِهم الخاصة بالإيبولا عندما كان تفشي المرض ينمو بشكلٍ أُسّي مع افتراض استمرار هذا النمو. لذلك كان على الأرجح أن هذه الإسقاطاتِ لن تُنتجَ تنبؤاتٍ دقيقةً، لأن انتشار الفيروس كان يعتمد بشكلٍ كبير على السلوك المتغير للإنسان.
أقسم الخبراء على أن نماذجهم ستعمل بشكلٍ أفضلَ في المرة القادمة، حيث يعمل فريق فيرجينيا التقني حالياً على تشكيل نموذجٍٍ للوباء سيمثّلُ العالم كلّه وكل قاطنيه من الناس. وسيكون لكل بلدٍ مجموعتُه من السكان الصناعيين التي ستكون مكانَ السكان الفعليين.
سيسعى هذا النموذجُ إلى تسجيل كلِّ مايقوم به الناس يومياً، كاحتمال مغادرة المنزل والذهاب إلى مزرعة والصعود إلى باصٍ أو طائرة. فالباحثون عادةً لا يملكون هذه المعلوماتِ عن الكثير من المناطق ممّا يضطرهم إلى استنتاجها. فعلى سبيل المثال، ومن أجل تخمينِ عددِ العمال الكادحين في مختلف أماكن العمل في ليبيريا، قام منمذجو مركز فيرجينيا التقني باستعمال معطياتٍ مصدرُها المكسيك، وفي حالاتٍ أخرى تُعطي البياناتُ الموجودة تقريباً جيداً من المعلومات غير الموجودة. كما أن تعقّب اتصالات الهواتف الجوالة على سبيل المثال يُعطي رؤيةً جيدةً عن انتقالات الناس ضمن منطقةٍ ما لحظةً بلحظة.
تُعطي هذه النماذج المعتمدةُ على العميل صورةً أكثر دقةً عن كيفية تأثير المسببات المرضية على الناس وكيفية إصابتهم بالمرض. ويصف نائب مدير مركز فيرجينيا التقني «ستيفين يوبانك» هذا بأنه «موجة المستقبل». كما عبّر عن ضرورة تظافر الجهود لجمع المعطيات والخبرات لمواجهة تفشياتٍ جديدة للإيبولا.
----------------------
المصدر: هنا