التثقيف الجنسي من وجهة نظر العلم؛ لإصلاح المجتمع أم لإفساده؟
التوعية الجنسية >>>> الحياة والحقوق الجنسية والجندرية
لماذا نحتاج إلى التربية الجنسية؟ وما التجارب العالمية التي دعتنا إلى التفكير فيها؟
يعاني مراهقو أمريكا سنويًّا 850 ألف حمل و9.1 مليون شخص مصاب بالأمراض المنتقلة جنسيَّا، وفي عمر الـ 18 عامًا كان 72% من الإناث و62% من الذكور قد بدأوا ممارسة الجنس، ومع أنَّ حملات التوعية التي دعت إلى تأجيل الجنس إلى ما بعد الزواج كان لها تأثير إيجابي في تقليل إصابة هؤلاء الأفراد بالأمراض المنتقلة جنسيًّا؛ فإنَّ تأثيراتها على السلوك كانت قصيرة الأمد وكان لا بد من البدء بحملات تثقيف شاملة عن كل ما يخص الجنس؛ متضمّنةً تأجيلَه ووسائل منع الحمل وطرائق الوقاية من الإصابة بالأمراض الجنسية والإيدز.
مشكلة اليوم هي ارتفاع عدد الشباب النشطين جنسيًّا بطريقة ما في خلال العقد الماضي؛ إذ قدمت البحوث قضيتين مهمَّتَين:
- تدنّي مستوى استخدام الواقي الذكري.
- زيادة معدّلات ممارسة الجنس غير المرغوب فيه؛ وخاصةً فيما يتعلَّق بالكحوليين.
ولننظر إلى واقعنا؛ هناك العديد من الرسائل المتنافسة في الحياة الجنسية في العالم، لكنَّ كثيرًا منها خاطئة ومثيرة، وغالبًا ما تُقدَّمُ للشباب بطرائق التواصل الشائعة؛ مثل الإعلانات، وصفحات الإنترنت، والهواتف المحمولة، والأفلام، وبرامج تلفزيون الواقع، والمسلسلات التلفزيونية.. لكنَّ الغرض الرئيسَ من هذه الرسائل هو بيع المُنتجات وليس تزويد الشباب بما يحتاجون معرفته لأجل حياة صحيّة ومُرضِية للبالغين.
وبعد هذه المقدمة الواقعية عن حال الصحة الجنسية في العالم، والمشكلات والمخاطر المحدقة بنا؛ دعونا نبدأ بتعريف منهجي لهذه العملية بكل جوانبها ممَّا يمهد للعديد من الأمور المهمَّة على الصعيد الصحي والاجتماعي، ولنبدأ بمناقشتها مناقشةً علميّةً بما يضمن وضعًا أفضل لحياة الأفراد في كل المجتمعات، وفي مجتمعنا العربي خاصةً.
ما التربية الجنسية؟
التربية الجنسية -التي تُسمَّى أحيانًا الثقافة الجنسية أو ثقافة الجنس والعلاقات- هي عملية اكتساب المعلومات وتكوين المواقف والمعتقدات في الجنس، والهوية الجنسية، والعلاقات والعلاقات الحميمية. وتتعلق الثقافة الجنسية بتطوير مهارات الشباب أيضًا؛ كي يتمكنوا من اتخاذ قرارات مدروسة بشأن سلوكهم، وليشعروا بالثقةِ والكفاءة بناءً على هذه الخيارات.
ما أهداف التربية الجنسية؟
تهدف التربية الجنسية إلى تقليل الأخطار السلبية المُحتمَلة الناتجة عن السلوك الجنسي، وهي وسيلة لمساعدةِ الأفراد على حماية أنفسهم من الاغتصاب، والاستغلال، والحمل غير المقصود، والأمراض المنقولة جنسيًّا، وفيروس عوز المناعة البشري والإيدز(الـ AIDS هو المرحلة الأخيرة من الـ HIV)، وتهدف إلى الإسهام في التجربة الإيجابية الجنسية للشباب بتحسين نوعية علاقاتهم وقدراتهم على اتخاذ قرارات مدروسة في خلال حياتهم. فعلى التربية الجنسية أن تكون أكثرَ من مجرد معرفةِ البلوغ وبيولوجيا الإخصاب، ويجب أن تساعدَ الشباب ليكونوا آمنين وسعيدين في حياتِهم الجنسية.
ما المهارات التي يجب على التربية الجنسية أن تطوّرها؟
إذا أرادت التربية الجنسية أن تكونَ فعَّالة فيجب أن تشمل فرصًا لتطوير مهارات الشباب، إذ سيكون من الصعب عليهم العملُ على أساس المعلومات فقط، بل يجب أن ترتبط بأكثر المهارات العامة في الحياة كجعلهم قادرين على التواصل، والاستماع، والتفاوض مع الآخرين، وطلب المساعدة والنصح وتحديد مصادرها، ثمَّ إنَّ التربية الجنسية الفعالة تُطوِّرُ مهارات الشباب في صنع القرار والإصرار، إضافةً إلى مهارات مهمة أخرى تتضمّن القدرة على استيعاب الضغوط من الآخرين ومقاومتهم، والتعاملَ مع التحيّز ومواجهته والقدرة على طلب المساعدة من الكبار. وتعمل التربية الجنسية على تزويد الشباب بالمهارات اللازمة لتمكينهم من التفريق بين المعلومات الدقيقة وغير الدقيقة أيضًا، وعلى مناقشة مجموعة من القضايا الأخلاقية والاجتماعية ووجهات النظر في الجنس والحياة الجنسية؛ متضمّنةً المواقفَ الثقافية المختلفة والقضايا الحساسة مثل النشاط الجنسي والإجهاض ومنع الحمل.
تكوين المواقف والمعتقدات:
يوميًّا تصلُ إلى شبابنا مجموعة واسعة من المواقف والمعتقدات المتعلقة بالجنس والحياة الجنسية، فعلى سبيل المثال؛ تؤكد بعضُ الرسائلِ الصحيةِ المخاطرَ والمحاذير المرتبطة بالنشاط الجنسي، في حين تروّج التغطيات الإعلامية لفكرة أنَّ الشخص النشط جنسيًّا هو الشخص الأكثر جاذبيةً ونضجًا. ولمّا كان كلٌّ من الجنس والحياة الجنسية مواضيعَ حسّاسة؛ فالشّباب والمختصّون بالتّربية الجنسيّة يمكن أن يكون لديهم وجهاتُ نظر قوية في المواقف التي يجب أن يحملوها، وفي الإطار الأخلاقي الذي يجب أن يحكم سلوك الناس، وهم يهتمون بالقضايا الحساسة مثل الإجهاض، والجنس قبل الزواج، والمثلية الجنسية، ووسائل منع الحمل، وتنظيم النسل.
وفي هذا السياق؛ لا بدّ من أن نتذكّر أن نتحدث بطريقة متوازنة عن الاختلافات في وجهات النظر بألَّا نشجع على مجموعة واحدة من وجهات النظر على حساب الأُخرى؛ فإنَّ جزءًا من اكتشاف وجهات النظر الثقافية والدينية والأخلاقية وفهمها هو معرفة أنَّه يمكننا أن نتفق على أننا يمكن أن نختلف.
وعلى صعيدٍ آخر؛ يتيح التثقيف الجنسي فرصةً للشباب لاستكشاف الأسباب التي تجعل الناس يمارسون الجنس، وكيفيّة احتوائه على العواطف، واحترام الذات وذوات الآخرين ومشاعرهم وقراراتهم وأجسادهم. ويجب أن يملك الشباب الفرصة لاستكشاف الفوارق بين الجنسين وكيف يمكن للعرق والجنس أن يؤثّرا في مشاعر الناس وخياراتهم، ويجب أن يكونوا قادرين على أن يقرروا بأنفسهم ماهية الصفات الإيجابية للعلاقات. ومن المهم أن يفهموا كيف أنَّ الترهيب والنمطية والإساءة والاستغلال يمكن أن تؤثر سلبًا في العلاقات.
هل يجب أن تقتصر التوعية الجنسية على التحذير من مخاطر العملية الجنسية؟
بعد أن مرّت عملية التثقيف الجنسي بتطوّرات عديدة ومراحل تاريخية مهمَّة؛ وصلنا اليوم إلى نقطة تحوّل كليّة، إذ بدأت الحملات تتجّه صوب التثقيف في كل من الإيجابيات والسلبيات المتعلّقة بالجنس، فقد أظهرت الدراسات بأنَّ حملات التوعية الجنسية تتناول مكافحة الاغتصاب والأمراض المنتقلة جنسيًّا ممَّا قد يؤثر في علاقات الأفراد مستقبلًا؛ فيشعر بعضُهم بفقدان الترابط مع الجنس الآخر، في حين يشعر بعضهم الآخر بالخطر الدائم وعدم الأمان، وبذلك يفشل الشبان والشابّات في الإدراك الحقيقي لطبيعة حياتهم، فلا بدَّ إذًا من البدء بإظهار الجوانب الإيجابية بالتزامن مع التوعية بالمخاطر التي يخلقها الجنس على الرغم من أنّ ذلك يُعَدُّ من الأمور المعقدة منطقيًّا؛ فالفرد يشعر بالجوانب الإيجابية في الحاضر، في حين تظهر المخاطر لاحقًا، ولا يُعدُّ الدمج بين الفكرتين بالأمر السهل.
لذلك ولحل هذه التناقضات جميعًا؛ على حملات التوعية أن تطرح الأمور بتنوعها وتعزّز الفكرة الإيجابية عن العملية الجنسية عندما تحصل في ظروفها الآمنة والصحيحة، ثمَّ إنَّ المعلوماتِ عن المتعة المرتبطة بالعملية الجنسية عزَّزت قيم التفاوض والرفض لدى الناس ليتمكَّنوا من رفض العمليات الجنسية غير الملائمة لهم واختيار الظروف المناسبة لعيش أفضل تجربة.
صفات برامج التثقيف الجنسي والوقاية من الأمراض المنتقلة بالجنس المثالية:
حدَّدَ الخبراء صفاتٍ مُحدَّدة لأكثر برامج التثقيف الجنسي والوقاية من الأمراض المنتقلة بالجنس فعاليَّةً. وهذه البرامج:
1- تقدّم معلومات عن الصحة الجنسية بحيث تكون متلائمة مع العمر والحالة الثقافية للأفراد.
2- تُصمَّمُ بالاستعانة بأفراد المجتمع المُستهدَف، وخاصةً اليافعين والمراهقين منهم.
3- تساعد اليافعين على الفهم الصحيح لقيم المجتمع والعائلة والقيم الشخصية.
4- تساعد اليافعين على تطوير مهاراتهم في التواصل والتفاوض والرفض.
5- تقدّمُ معلوماتٍ دقيقةً طبيًّا عن العفّة؛ إضافة إلى مانعات الحمل متضمّنةً الواقيات الذكرية.
6- تهدف بوضوح إلى منع الأمراض المنتقلة بالجنس والإيدز وحمل المراهقات.
7- تركز على السلوكيات الصحية التي توصل إلى هذه الأهداف وتدعو إليها.
8- تعمل على إزالة عوامل الخطورة النفسية الاجتماعية، وبالمقابل فهي تحرّضُ على تفعيل العوامل الوقائية المتعلقة بالجنس عند اليافعين.
9- تحترم قيم المجتمع وتستجيب لحاجاتِه.
10- تعتمد على مشاركة أفراد مُدرَّبين من المجتمع في هذه البرامج، إضافةً إلى تطبيق جميع النشاطات كما هي موصوفة في البرامج.
11- لا يقتصر ذلك على الجانب الملموس من العلاقات، بل يشملَ أنواع العلاقات، والحب والالتزام والزواج والشراكة، والقانون المتعلق بالسلوك والعلاقات الجنسية، وكذلك مجموعة وجهات النظر الدينية والثقافية في الجنس والنشاط الجنسي والتنوع الجنسي دون إهمال فكرة وجود أشخاص مثليين جنسيًّا.
متى يجب أن يبدأ التثقيف الجنسي؟
يجب أن يبدأ التثقيف الجنسي مبكّرًا -قبل وصول الشباب إلى سن البلوغ- فالعمر الدقيق الذي يجب توفير معلومات فيه يعتمد على نمو الشباب الجسدي والعاطفي والفكري، وكذلك على مستوى فهمهم، ومن المهم في التثقيف الجنسي أن يبدأ في سن مبكرة وأن يكون مُستدامًا.
وإنَّ إعطاء الشباب المعلومات الأساسية في سن مبكرة يوفّر لهم القاعدة التي تُبنى عليها معرفةٌ أكثرُ تعقيدًا مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال؛ عندما يكونون صغارًا جدًّا، يمكن تعليم الأطفال كيف ينمو الناس ويتغيرون مع مرور الوقت، وهذا ما يوفر الأساس لفهم المزيد من المعلومات الأكثر تفصيلًا عن مرحلة البلوغ التي ستُقدَّم لهم في سنوات ما قبل المراهقة. وإضافةً إلى ذلك؛ يمكن تزويدهم بالمعلومات المتعلّقة بالفيروسات والجراثيم التي تهاجم الجسم، وهذا يوفر الأساس للحديث معهم لاحقًا عن العدوى التي يمكن أن تنتقل عبر الاتصال الجنسي.
هل تشجع التربيةُ الجنسيةُ في سن مبكرة الشبابَ على ممارسة الجنس؟
يشعر بعض الناس بالقلق من أنَّ توفير معلومات عن الجنس والحياة الجنسية يثير رغبةَ حبّ الاستطلاع، ويمكن أن يؤدّي إلى تجارب جنسية، لكنَّ التعليم الجنسي لا يركز على نحوٍ ضيّق على كيفية ممارسة الجنس، بل يتضمن التركيز على القيم، وصناعة القرارات، والبيولوجيا، والعواطف، والهوية الجنسية، والمشاعر الجنسية، ثمَّ إنّه يشجّع على العفة، وتأخير العلاقة الأولى، وتحديد عدد الشركاء والجنس الآمن. وقد أظهرت مراجعة 48 دراسة عن الجنس الشامل وبرامج التّعليم عن الأمراض المنقولة جنسياً وفيروس نقص المناعة البشرية في المدارس الأميركية وجودَ أدلةٍ قويّة على أنَّ مثل هذه البرامج لا تزيد من النشاط الجنسي، إذ إنَّ بعض الأفراد انخفض نشاطهم الجنسي، أو زاد معدّل استخدامهم للواقي الذكري أو وسائل منع الحمل الأخرى، أو كليهما.
أنا لم أتلقَّ الثقافة الجنسية عندما كنت شابّة ولم يؤثر هذا فيَّ، أليس من الأفضل أن ندعَ الأطفال يلتقطون ما يحتاجون معرفته من تجاربهم الخاصة؟
يلتقط الشباب باستمرار رسائلَ جنسية، ولا تشجعّهم العديد منها على الحياة الجنسية الصحية، متضمنةً الرسائل التجارية التي هي من مصلحة المُعلنين والمُضلِّلين، لذلك؛ فتجنب التحدث في الجنس يعلّم الشباب عدم الارتياح حيال الحياة الجنسية فقط.
من الذي يجب أن يقدمه التثقيف الجنسي؟
يمكن للتثقيف الجنسي أن يحدُثَ في مجموعة متنوعة من المواضع؛ في المدرسة وخارجها على حد سواء. وفي هذه السياقات المختلفة؛ فمختلف الناس لديهم الفرصة والمسؤولية لتقديم التثقيف الجنسي للشباب.
الآباء الأولياء:
في المنزل؛ يستطيع الشباب بسهولة إجراءَ مناقشات انفرادية من الأهل أو الأولياء بتركيزٍ على قضايا معينة، وأسئلة أو استفسارات. ويمكن لهم أن يقيموا حوارًا عن مواقفهم وآرائهم، ويميل التثقيف الجنسي في المنزل إلى أن يحدث على مدى فترة زمنية طويلة، وينطوي على كثيرٍ من التفاعل القصير بين الآباء والأبناء.
الشباب:
في بعض البلدان؛ ازداد اشتراك الشباب في تطوير التثقيف الجنسي وتقديمه وسيلةً لضمان جدواه وإمكانية تقديمه، وساعد التشاور معهم عند تصميم البرنامج على ضمان ارتباطهم به، وعزّز رسائله بوصفه أنموذجًا في المواقف والسلوك لأقرانهم. وقد عملت البرامج التعليمية لمنظمة "Apause" في المملكة المتحدة -لكونها جزءًا من برنامجهم التعليمي المدرسي عن الجنس والعلاقات- على تحقيق تغيير إيجابي في السلوك بين الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13-14 سنة، بهدف خفض معدلات الجماع الأولى قبل سن الـ16، وذلك بالتعاون مع الشباب لتعليم أقرانهم.
المعلمون:
يأخذُ التفاعل في المدرسة بين المعلم والشباب شكلًا مختلفًا، وغالبًا تُقدَّم الدروس في مجموعات منظمة، وهي غير مناسبة تمامًا؛ كتقديم النصيحة الفردية لتقديم المعلومات من وجهة نظر محايدة. ويدعم بدء هذه العملية في المنزل.
هل يبعدُ التعليم عن الجنس في المدارس هذه المهمةَ عن المنزل؟
وجدت الدراسات أن العكس هو الصحيح؛ فبرامجُ التربية الجنسية تؤدي إلى زيادة التواصل بين الوالدين والطفل فيما يخصُّ الحياة الجنسية**. (ألفورد، تواصل الأهل والأطفال، تعزيز صحة الشباب، دعاة للشباب، أيلول 1995).
إذا لم أشعر بالارتياح للتحدث مع طلابي عن الجنس، أليس من الأفضل ألَّا أقولَ شيئًا؟
من الشائع جدًّا عدم الشعور بالارتياح في أثناء التحدث عن الجنس، ولكن يجب ألّا ندعَ هذا يوقفنا عن تثقيف طلابنا، فالتكلم في الحقائق هو طريقة فعالة لمواجهة الخوف.
الفوائد الاجتماعية والاقتصادية:
أوضحت بعض الدراسات نتائج اقتصادية مهمَّة لعملية التثقيف الجنسي، إذ قامت بعض الدراسات على أساس اقتصادي تقارن بين الكلفة المادية لعملية التثقيف الجنسي والكلفة التي تترتب على معالجة بعض النتائج الضارة الناتجة عن السلوك الجنسي الخاطئ؛ كمعالجة الأمراض المنتقلة جنسيًّا ووسائل منع الحمل. وعلى سبيل المثال؛ أوضحت دراسة لعام 2000 أنَّ الكلفة المادية لحمل المراهقات كانت مرتفعة جدًّا سواء على المجتمع أم العائلة أم حتى الفتاة نفسها، في حين أوضحت دراسة سابقة لعام 1997 أنَّ التثقيف الجنسي الشامل ونشر وسائل منع الحمل الصحية انعكست إيجابًا بالتوفير في تكاليف الرعاية الصحية. ويُعدُّ الكلاميديا أكثر الأمراض شيوعًا بين الأمراض المنتقلة جنسيًّا في كندا وخصوصًا لدى الشباب بين 15 – 19 سنة، ويبدي المرضى أعراضًا خفيّة وخطيرة على المدى البعيد، ممَّا يؤدي إلى تكاليف باهظة في معالجة المرضى، إضافةً إلى الأمراض الأخرى المنتقلة جنسيًّا، ومنها الإيدز وغيرها من الأمراض التي تعود على المجتمع وعلى نظام الرعاية الصحية بكُلَفٍ باهظة وفقاً لدراسة عام 2003. وبذلك نجد أن التثقيف الجنسي يعود بنتائج إيجابية عالية حتى على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
العوائق التي تعترض تزويد الأطفال بالتوعية الجنسية:
لا تتضمّنُ بعض المدارس في منهاجها مقرَّرًا للتثقيف الجنسي، وقد يكون سببُ ذلك هو المناخ السياسي والتشريعات المُطبَّقة في هذا البلد، وإضافةً إلى ذلك؛ تعارض العديد من المدارس ذاتِ الطابع الديني التثقيفَ الجنسيَّ فيها، وهذا الأمر يحدُّ من مستوى ثقافة الطالب الجنسية جدًّا، الذي لا يتلقّى مثل هذه المعلومات إلّا في مادة علم الأحياء في دروس (التناسل والتكاثر)، وعادةً ما تترك هذه الدروس صغارَ السن متخبطين وجهلةً في هذه المواضيع وخجولين من مناقشة الأمور الجنسية.
يُعدُّ تعليم الثقافة الجنسية وثقافة العلاقات إلزاميًّا في المراحل الدراسية الابتدائية والثانوية حسب القوانين المُتَّبعة في المملكة المتحدة، وتمنع هذه القوانين الآباءَ من أن يحرموا أطفالهم هذه الدروس حتَّى يبلغوا سن الخامسة عشرة. لكن هنا يجب التأكيد على تحلّي مُدرِّسي التوعية الجنسية ببعضِ القدرات واتخاذهم مواقفَ إيجابية تجاه عملية التوعية الجنسية، فهم يجب ألَّا يكونوا خجولين أو غير مرتاحين من تناول هذه المواضيع مع طلابهم، والأهمُّ من ذلك؛ ألَّا يكونوا متحيزين في مواقفهم ضد الذكور أو الإناث المثليين جنسيًّا. ومن العوائق أيضًا أنَّ الآباء غالبًا ما يكونون خجولين ومتضايقين من الكلام مع أولادهم عن الجنس، وهم أسعد نوعًا ما عندما يعرفون أنَّ المُدرِّسين يوفرون المعلومات الجنسية الضرورية لأطفالهم، لذلك من الواجب تعريفُ الآباء بالتثقيفِ الجنسيَّ لأولادهم وطمأنتهم من أنّه آمنٌ ولن يحرَّض أيَّ سلوك غير أخلاقي لديهم، سواء أسلوكًا طبيعيًّا كان أم مثليًّا.
التقدم في التثقيف الجنسي:
يُعدُّ التزويد بالتثقيف الجنسي الفعَّال مهمة صعبة، لأنَّها تمس العديد من القضايا الحساسة في المجتمع وتتضمن العديد من الأشخاص (الآباء – المدرسة – المجتمع – مزودي الخدمات الصحية). لكنْ هناك فرصةٌ لشرائح متعددة من الأشخاص للمشاركة في عملية التثقيف الجنسي، وذلك لأنَّ التثقيف الجنسي يشمل العديد من النشاطات الفردية التي تحدث في مدى واسع من الظروف وفي فترة زمنية طويلة.
ولكل نمط من أنماط التثقيف الجنسي التي ذكرناها فوائدُه الخاصة، فأفضل الناس علاقةً مع الأطفال هم آباؤهم ويعتمد دورهم على تزويد أطفالهم بالدعم والتثقيف الجنسي في مرحلة مبكرة من حياتهم. في حين أنَّ برامج التثقيف الجنسي في المدرسة جيدةٌ في تزويد الأطفال بالمعلومات والمهارات والسلوك السليم بطرائق أكثر رسمية بواسطة الدروس المعطاة ضمن المنهاج المدرسي. أمَّا برامج التثقيف المُعتمِدة على المجتمع فهي تقدّم فرصًا لصغار السن للحصول على النصائح والمعلومات بطرائق أقلَّ رسميةً من المدارس. ويعدُّ التثقيف الجنسي عبر وسائل الإعلام -الذي تدعمه المنظمات الحكومية وغير الحكومية غالبًا- وسيلةً مساعدة على رفع وعي الناس تجاه قضايا الصحة الجنسية.
هناك حاجة إلى بذل مزيدٍ من الاهتمام ببعض مجموعاتِ صغار السن مثل الآباء الصغار، والفتيان والفتيات المثليين جنسيًّا، وذوي الميول للجنس الآخر، وأولئك غير الملتحقين بالمدارس وبعض الأشخاص المستضعفين اجتماعيًّا؛ مثل اللاجئين صغار السن وأولئك الباحثين عن ملجأ والسجناء الصغارِ السن ومَن يعيشون في الشوارع.
إنَّ الظروف المتاحة للآباء وذوي التوعية الجنسية الآخرين تختلف من بلد إلى بلد، فالواقع الاجتماعي والسياسي في بلد معين قد يحدُّ من قدرتهم على تزويد صغار السن بالتثقيف الجنسي الشامل اللازم.
نتائج هذه العملية المنظمة كانت:
وفقاً لدراسة أُعِدّت في منظمة الصحة المدرسية الأمريكية؛ انخفضت نسبة الشبان الذين مارسوا الجنس أوّلَ مرةٍ قبل أن يصلوا إلى الصف الثامن بنسبة 16% للصِبية و15% للفتيات ونتجَ ذلك من عملية التثقيف الجنسي الشامل الذي تعاونت عليه كلٌّ من المدرسة والوالدين.
وأوضحت دراسة إيرانية أنَّ التثقيف الجنسي للنساء ذواتِ الرغبة الجنسية المنخفضة أعطى تأثيرات إيجابية على علاقاتهنَّ الجنسية وحسَّنَ رغباتهنَّ الجنسية، وفُسِّرَ ذلك بأنَّ العوامل المتعلقة برغبة المرأة الجنسية مُعقَّدةٌ جدًّا وأحياناً يتعذّر إيجاد سبب صريح لسوء العلاقة الجنسية بين الزوجين التي تُعدُّ أمرًا مهمًّا جدًّا، في حين أوضحت الدراسة بأنَّ العامل النفسي الذي حسَّنته عملية التثقيف في العلاقة الجنسية كان ذا تأثير إيجابي لدى النساء الناقصاتِ الرغبة وجعلهنّ أكثرَ مرونة في التعامل مع احتياجاتهم، هذا وقد حسَّنَ الصحة الجنسية والرغبة إضافةً إلى المتعة في العلاقة.
نهايةً؛ نحن -الباحثون السوريون- نختمُ بأن نؤكّد أنَّ "المعرفة قوة" ومعرفتك أيَّ أمرٍ تُساعدك على تحسينه ومراقبته وتقويمه دائمًا، فكيف إذا كان الموضوع متعلقًا بإحدى أهمّ الاحتياجات الحيوية عند الإنسان، التي فقدت كثيرًا من قدسيتها وأمانِها ومتعتها بسبب استسلامنا لوسائلِ التوعية غير الصحيحة وابتعادِنا عن أسس التربية العلمية.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا