المعاصر والحديث، تشابهٌ باللغة واختلافٌ بالفن.
الفنون البصرية >>>> فن وتراث
يستخدمُ بعضُ النَّاس هاتين الصِّفتين بشكلٍ متكرّرٍ أثناءَ تبادلِهم أطرافَ الحديث، وبدون التفريق بينهما دائماً، سواء كان حول المناسبات، الأثاث، الأزياء أو حتّى تصفيف الشّعر!
ولكنْ هناك فرقٌ هامّ لا يمكنُ تجاهلُهُ بين هاتين الصفتين في عالمِ الفنِّ.
لذلك تجنّبْ أن تخلطَ بينهما خاصةً إذا كنت تتكلم مع وكيل مبيعات متعجرف في أحد المعارضِ الفنيَّةِ.
ورغم أنَّ الأمرَ معقدٌ قليلاً، إلا أن إدراكَكَ لوجود فرقٍ بينَ "الفن المعاصر" و "الفن الحديث" هو ما يهمّ بالدَّرجة الأولى.
ولا يجوزُ الاستهزاء من ذاك الذي لا يعلمُ بأنَّ عالَمَ الفنِّ يملك تعاريفه ومفاهيمه الخاصة للأزمنة المعاصرة والحديثة. خاصة أن اللغة الإنكليزية تسهِّل الخلطَ بين هذين المفهومين باعتبار أن كلمة "حديث" (Modern) ،وبشكل عام، تمتلك معنىً قريب من كلمة "معاصر" (Contemporary).
ولتوضيح الفرق، فنيّاً، فإنَّ الفنَّ الحديثَ هو ذاك الذي أُخِذَ عن الانطباعيين (منذ حوالي عام 1880) حتى سبعينات القرن العشرين. بينما الفن المعاصر هو الفنُّ الذي امتدَّ من سبعينات القرن العشرين حتى يومنا هذا.
وإنَّ معظم دورات تاريخ الفنّ تؤكّد على أنّ بدايةَ الفنِّ الحديثِ كانَت حين أخذ نجم الانطباعيين يفقد بريقه، فقد اتحدَّت حفنةٌ من الفنّانين، بعد تجربةِ الانطباعيَّة، لتخلقَ أثَراً دائماً، وغدا عالمُ الفنِّ مشغولاً بترسيخ هذا الأثرِ مراراً وتكراراً. ولم يكن أحدٌ ليتوقّع حدوث كلّ ذلك التطوّر في عالم الفنّ خلال فترة لم تتجاوز 90 عاماً.
وبغضِّ النَّظر عن النّقطة التاريخيّة التي بدأ عندها الفنُّ الحديث، فإن العامل الحاسم في استمراره هو أنه منح الفنانين حريّةً جعلتهم يَثِقون بِرُؤاهم الدَّاخليّة، مما دفعهم للتَّعبير عنها من خلال أعمالِهم الفنية مكرّسين الحياةَ الواقعيَّة (القضايا الاجتماعية وصور من الحياة الحديثة) لتكون مصدراً لتلك الأعمال، ولم يكتفوا بذلك فقط وإنما جرّبوا واختبروا الإبداع بموضوعات مختلفة والتَّعبيرَ بوسائل متعددة قدر الإمكان.
إنَّ مصطلح "الفنّ المعاصر" يشيرُ إلى الفنِّ الذي كان ولا يزال وجودُه مستمرّاً خلال حياتنا، أي بعبارة أخرى هو "معاصرٌ لنا".
وكان عام 1970 نقطة البداية للفن المعاصر وذلك لسببين:
أولهما هو انبثاق مصطلحات "ما بعد الحداثة" (Postmodernism ) في ذلك الوقت، وفيها إشارة إلى أنّ عالَم الفنّ قد بدأ ينالُ كفايتَه من "الفنِّ الحديث" وحان دور حقبة أخرى تُغني ذلك العالم بأنماط فنية جديدة.
والسّبب الثاني هو أن ذلك العام كان آخرَ معقلٍ للحركاتِ الفنيَّة المصنَّفة بسهولة.
فإذا نظرتَ للخطوط العريضة التي تختصر الفن الحديث، وقارنتَها مع تلك التي تميّز الفن المعاصر، فإنك ستلاحظ سريعاً وجود اختلافاتٍ كإضافات جديدةٍ وتبويباتٍ أكثرَ في الفنّ المعاصر عمّا كان الوضع عليه في الحديث. كما أن الفنّانين المعاصرين يعملون على خلق الفنِّ وإبداعهِ بصور متجدّدة باستمرار مما يجعلهُ أكثر إمتاعاً. لكنّهم غالباً ما ينجزون أعمالهم من خلال "حركات فنيّة" لا يمكن تصنيفها.
ورغم صعوبة تصنيف الحركات الفنية النّاشئة إلا أن الفنّ المعاصر يعبّر عن وعي اجتماعي، اقتصادي وسياسي أكثرَ مما فعلته أي حقبة سابقة من تاريخ الفنّ.
وعبر السنواتِ الثلاثين الأخيرة، ارتبطَت مجموعةٌ كبيرةٌ من الأعمالِ الفنيَّة بقضيَّةٍ واحدةٍ أو أخرى كالمساواة بين المرأة والرّجل، التعدديّة الثقافيّة، العَولمة، الهندسة البيولوجية، العنصرية، الإتجار بالبشر والتوعية فيما يتعلق بمتلازمة عوز المناعة المكتسب (الإيدز). كلّ تلك الأعمال تقدّم إلى الأذهان مواضيع تستحق التفكير والتعبير.
وقد تزايد القلق العام منذ بدايات القرن العشرين حول الجدل الذي يطرح تساؤلاً هو: "ما الذي يؤلِّفُ الفنَّ فعلياً؟".
إن مفهوم "الطليعة" أو "avant-grade"* في زمننا المعاصر يلعبُ دورَه في تحديدِ الدّافع الذي يجعل المعارض، المتاحف، وهواة جمع الأعمال الفنية رفيعي الثقافة يهتمون بهذا الفن.
حتى أنه وفي بعض المناسبات اعتُبرت وسائل التسلية (Entertainment) والبروباغاندا (Propaganda) أحد أنماط الفن المعاصر من قبل نفس أولئك الجماهير في عالم الفن.
Avant-grade* مصطلح يستخدم في اللغة الإنكليزية والفرنسية والألمانية ليشير إلى الأشخاص المبدعين أو الأعمال المبتكرة البعيدة عن النموذج التقليدي وخاصة في مجال الفن والثقافة.
المصدر:
هنا