الغابات بعد انقراض الديناصورات
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
كشفت دراسة جديدة نشرت في أيول 2014 بقيادة باحثين من جامعة أريزونا أن الأثر المشؤوم الذي جلب الموت للديناصورات قد أهلك أيضا النباتات المزهرة دائمة الخضرة إلى حد أكبر بكثير من أقرانها متساقطة الأوراق. وقد افترض أن خصائص النباتات المتساقطة جعلتها أكثر قدرة على الاستجابة السريعة لاختلاف الظروف المناخية المضطرب ما بعد الكارثة.
بتطبيق صيغ النشاط الحيوي على كنز من آلاف الأوراق المتحجرة التي تعود إلى كاسيات البذور*، كان الفريق قادراً على إعادة بناء البيئة الطبيعية للمجتمع النباتي المتنوع الذي كان مزدهراً خلال 2.2 مليون عام في فترة الكارثة . يعتقد أن الكارثة مسحت أكثر من نصف أنواع النباتات التي كانت تعيش في ذلك الوقت. تعود العينات الورقية المتحجرة إلى السنوات المليون و400 ألف الأخيرة من العصر الطباشيري، والسنوات الـ 800 ألف الأولى من العصر الباليوجيني Paleogene.
وجد الباحثون دليلاً على أن كاسيات البذور متساقطة الأوراق قد حلت محل دائمة الخضرة بطيئة النمو إلى حد كبير. كما يدعم ذلك أن الأمثلة الحية على النباتات دائمة الخضرة، مثل البهشية Ilex aquifolium واللبلاب، والتي تميل إلى تفضيل الظل، لا تنمو بسرعة كافية.
إذا نظرنا في الغابات حول العالم اليوم، لا نشاهد العديد من الغابات التي تهيمن عليها النباتات المزهرة دائمة الخضرة، وبدلاً من ذلك، يغلب عليها الأنواع المتساقطة وهي النباتات التي تفقد أوراقها في مرحلة ما خلال العام.
أجريت الدراسة على ما مجموعه الـ 1000 ورقة نباتية متحجرة جمعت من جنوب ولاية داكوتا الشمالية. كانت الأوراق متضمنة في طبقات من الصخور المعروفة بـ "تشكيلات الجحيم" والتي استقرت في نهاية العصر الطباشيري ضمن مجاري السيول المنخفضة التي جرت فيها روافد الأنهار. بينما تتألف المجموعة الكاملة من أكثر من 10000 مستحاثة نباتية تم التعرف عليها.
إذا كنت تفكر في الانقراض الجماعي الناجم عن كارثة مثل النيزك الذي ضرب الأرض، فقد تتصور من المرجح أن تتعرض جميع الأنواع بنفس الدرجة من احتمالية الموت إذ لا ينطبق هنا مبدأ "البقاء للأصلح"، على أية حال فإن الفرضية البديلة، هي أن بعض الأنواع تمكنت بفضل خصائصها من البقاء على قيد الحياة.
تقدم هذه الدراسة دليلاً على وجود تحول جذري من سيطرة النباتات بطيئة النمو إلى سيطرة سريعة النمو، فالانقراض لم يكن عشوائياً، والطريقة التي يكتسب بها النبات موارده تتنبأ بكيفية استجابته للاضطراب الكبير. وربما هذا يخبرنا أيضا لماذا نجد أن الغابات الحديثة هي متساقطة الأوراق وليست دائمة الخضرة عموماً.
وجد علماء آخرون دليلاً في السابق على حصول انخفاض كبير في درجة الحرارة بفعل تأثير الغبار. وقد قدم الشتاء تأثيراً متغيراً. من هنا كانت الأفضلية للنباتات التي نمت بسرعة وأمكنها الاستفادة من الظروف المتغيرة، مثل النباتات متساقطة الأوراق.
تم قياس كتلة ورقة معينة نسبةً إلى مساحتها، الأمر الذي يحدد سماكتها فكلما كانت الورقة أسمك صـَـعـُـبَ على النبات تشكيلها، أما إذا كان واهية رقيقة فيكون من السهل بنائها، بعبارة أخرى، ما هو كم الكربون المصنع الذي استثمر في الورقة. قيست أيضاً كثافة شبكات الأوعية الناقلة في الأوراق والذي يعتبر مقياساً لكمية المياه التي يمكن للنبات أن ينتحها ولمعدل الكربون الذي يمكنه الحصول عليه **.
خلاصة النتيجة أن هنالك أنواعاً تطبق استراتيجية العيش بسرعة والموت في مرحلة الشباب بينما تعتمد أخرى على استراتيجية النمو ببطء ولكن بثبات مع عدم إهمال وجود طيف من الأنواع بين هذين الصنفين. يمكنكم مقارنة ذلك بالاستراتيجيات المالية كالاستثمار في الأسهم مقابل الاستثمار في السندات. كشفت التحليلات أن النباتات دائمة الخضرة وبطيئة النمو سيطرت على التجمعات النباتية قبل حدوث الانقراض، بينما أخذت الأخرى سريعة النمو والإزهار أماكنها فيما بعد.
أخيراً تقدم هذه الدراسة التأثير الواضح الذي قد يؤثر فيه التغير البيئي الكارثي والسريع على التنوع البيولوجي.
(*) كاسيات البذور: النباتات المزهرة باستثناء الصنوبريات، وهي صف نباتي يتبع شعيبة البذريات من شعبة حقيقيات الأوراق. تؤلف هذه المجموعة واحدة من مجموعتين موجودتين في البذريات. تقوم النباتات البذرية بتغطية بذورها ضمن ثمرة حقيقية. بالتالي فهي تحمل الأعضاء التكاثرية ضمن بنية تدعى بالزهرة ولهذا تدعى مغطيات أو كاسيات البذور.
(**) توجد على سطح أوراق النبات ثغور تدعى مسامات يخرج منها الماء الذي تمتصه الجذور فيما يعرف بالنتح ويدخل من هذه المسامات أيضاً ثاني أكسيد الكربون الجوي ليستخدمه النبات كمصدر للكربون في بناء سكرياته فيما يعرف بالتركيب الضوئي، من هنا فإن نباتاً ذو أوعية ناقلة "أعصاب" أكثر في ورقته يعني وصول ماء أكثر لأوراقه ونتحاً أكبر ونشاطاً وبناء سكريات أكثر.
مصدر المقال:
هنا
مصدر الصورة:
هنا