الحوسبة الافتراضية: مقدمة تعريفية ولمحة تاريخية
المعلوماتية >>>> عام
من أهم هذا التقنيات تقنية الحوسبة الافتراضية Virtualization، حيثُ برزت الحوسبة الافتراضية على أنّـها التّـقنية الأساسيـّة التي قامت بتحفيزِ وتمكينِ مراكز البيانات من تقديم الخدمات السحابيـّة بشكلها الذي نراه اليوم.
تشكِّل الحوسبة (المعالجة)، والشبكات، والتخزين، الأركانَ الثلاثة للبُـنية التحتيـّة في أيّ مركز بيانات اليوم. لذلك فإنّـنا سنستعرضُ في هذه السّلسلة هذه الموارد الحيويـّة بشكل مجرّد، مع التّـعـمّق في توفير المخدّم والشّبكة والتخزين بشكل افتراضي. إنّ المرونة في البنية التحتيـّة التي تُحققها الحوسبة الافتراضية لهذه المكوّنات في مركز البيانات أمرٌ أساسيٌّ لتوفير السحابة.
فكرة الحوسبة الافتراضية ليست بالجديدة، فقد كانت موجودة منذُ أيام أجهزة الحواسب المركزية Mainframes. لكن مصطلح الحوسبة الافتراضية (Virtualization) اكتسب مؤخراً دلالةً أكثر اتساعًا وشمولًا من ذلك المرتبط بالمخدّمات الافتراضية.
لنبتدئ أولًا بالبحث في التعريف العام لتقنية الحوسبة الافتراضية، ودراسة تاريخها والمفاهيم الأساسية المرتبطة بها.
أساسيـّات الحوسبة الافتراضية:
يمكن تعريف الحوسبة الافتراضية على أنّـها فكرة الانتقال من الموارد الفيزيائيـّة الفعليـّة إلى وحداتٍ منطقيـّة مُجرّدة، بحيثُ يمكن لموردٍ فيزيائيٍّ واحدٍ أن يظهرَ كوحدات منطقية متعـدّدة، كما يمكن لعدّة موارد فيزيائية أن تظهرَ كوحدة منطقيـّة واحدة. بكل الأحوال، فإنّ الدّافع الرئيسيّ وراء تقنية الحوسبة الافتراضية هو إخفاءُ الخصائصِ الفيزيائيـّة والتّـفاصيل المعقّـدة لهذه الموارد عن المستخدمين، وبالتّـالي يتوهمُ المستخدمُ بأنّـه المستخدمُ الوحيد لهذه المصادر الفيزيائية رغم وجود مستخدمين آخرين ( وذلك عندما يتمّ تقديمُ الموردِ الفيزيائيّ الواحد على شكل وحداتٍ منطقيـّة مُتعـدّدة One-to-Many). أو أن تظهرَ للمستخدم عـدّةُ مواردٍ فيزيائيـّة باعتبارها موردًا افتراضيًّا واحدًا( حالة تقديم الموارد الفيزيائية المتعـدّدة كمورد منطقي واحد Many-to-One).
حالة الواحد إلى متعدد One-to-Many:
بالنّـظرِ إلى مثال مألوف يتمّ فيه محاكاة خادم ذو بنية X86، يسمح برنامج يُـدعى بالـhypervisor أو مراقب الأجهزة الافتراضية (VMM) بتشغيلِ عـدّة أجهزةٍ افتراضية (VM) على نفس الخادم الفيزيائي، كما هو موضح في الشكل. يقومُ كـلّ جهاز افتراضي بمحاكاةِ جهاز حاسوبيّ فعليـّا، وذلك من خلالِ إنشاءِ بيئةٍ منفصلةٍ لنظامِ تشغيلٍ مستـقـلّ. تعني إمكانيـّةُ تشغيلِ عـدّة أجهزةٍ افتراضيةٍ أَّنه يُـمكننا في الوقت نفسه تشغيلُ عـدّة أنظمةِ تشغيلٍ على الجهازِ الفيزيائيِّ الأساسيِّ نفسه. هنا سيتوهّم كلّ نظامِ تشغيل بأنّـه النظام الوحيد الذي يعمل على الخادم المضيف. وبذلك يتمّ تقسيمُ جهاز فيزيائيّ واحد إلى عـدّة أجهزة منطقية أو افتراضية بفعالية.
تُـعتَـبـرُ الشبكات المحلية الافتراضية (VLANs) مثالًا آخـرًا على علاقةِ الواحد إلى متعدد (one-to-many). حيث يتمّ تقسيم شبكة فيزيائية واحدة إلى عدة شبكات منطقية. وبدلًا من إنشاء شبكة فيزيائيـّة منفصلة لكل مجموعة من المستخدمين يمكن أن تكونَ البنيةُ التحتيـّة لشبكة فيزيائيـّة واحدة كافية، وذلك بأن يتمّ تعيين شبكة افتراضية منفصلة (VLANs) لكل مجموعة مستخدمين.
علاقة المتعدد إلى واحد Many-to-One:
المثالُ التقليديّ في علاقة المتعدد إلى واحد في الحوسبة الافتراضية هو المتعلق بـموازِن الحِـمل (Load Balancer) الذي يُـقدّم واجهةً لمجموعةٍ من الخوادِم الفيزيائية. كما هو موضح في الشكل. يُخفي موازِن الحـِمل التفاصيل المتعلقة بوجود خوادم الويب الفيزيائية المتعددة، ويقدّمُ ببساطة عنوان إنترنت (IP) وحيد ندعوه العنوان الافتراضي (VIP).
يتوهّمُ المستخدمون الذين يتصلون بالـعنوان الافتراضي VIP للحصول على خدمة الويب يوجودِ خادم ويب واحد فقط يعمل على تقديم الخدمة، بينما في الواقع هناك العديد من المخدمات الفيزيائيـّة التي تقوم على تنفيذ طلبات المستخدمين.
لمحة تاريخية عن تقنية الحوسبة الافتراضية:
ظهر مفهومُ الحوسبةِ الافتراضيةِ مُنذ ستّـيـنات القرن الماضي، عندما كانت الأنظمة الحاسوبيـّة كبيرة الحجم وباهظة التكلفة. عندما قامت شركةُ IBM بتوظيف هذا المفهوم لتجزئة أجهزة الحواسب المركزيـّة إلى أجهزةٍ افتراضيـّة متعددة.
مـكّـن هذا التقسيم أجهزةَ الحواسب المركزيـّة من تشغيلِ عـدّة تطبيقاتٍ وعمليـّاتٍ في الوقتِ نفسِه، مِمّا أدّى إلى زيادةٍ في استغلالِ قُدرة هذه الحواسب، وبالتّـالي سمح تعـدّد المهام هذا بالاستفادة بشكل أفضل من تلك التّــكلفة الباهظة للحواسب المركزية.
ِانخفضتِ الحاجةُ إلى الحوسبة الافتراضية خلالَ العقدين أو الثّـلاثة التي تلت ذلك، وذلك مع توفّـر أجهزة حاسوبيـّة وخوادم ويب منخفضة التكلفة، إضافةً إلى انتشار تطبيقات العميل/ الخادم (Client/Server)، والتّـحول باتجاه الأنظمة الموزعة.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد أدّى انتشارُ الاعتمادِ على نظامي التشغيل Windows و Linux إلى ظهورِ الخوادم ذات البنية x86، والتي هَـيمَـنَـت مع الوقت على أغلب الـمِنصّات الحاسوبية. على عكس أجهزة الحواسب المركزيـّة، لم تكن هذه البُـنية مصمّمة للحوسبة الافتراضية، لذلك أصبح هناك حاجةً لتوفير برمجيّـات متخصصة لتمكين تحقيق تقنية الحوسبة الافتراضية على خوادم البنيةx86 حيث سميت هذه البرمجيات Hypervisor و طُوّرت من قبل العديد من الشركات مثل Microsoft و Citrix و VMware وغيرها.
بعد هذه اللمحة السريعة عن معنى الحوسبة الافتراضية، سنتعمّق في فهم هذه التقنية من حيث فوائدها الـمُتعدّدة ومجالات تطبيقها. فانتظرونا في مقالتنا القادمة ضمن هذه السلسلة.
المصدر هنا