جرذ الخلد العاري
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
(*) نعلم أن الأضواء القوية في الاستديو لا تناسبك فما السبب؟
(-) بصراحة كنت أعيش قبل شهرتي كما أبناء جنسي معشر جرذان الخلد العارية في جحور طويلة ممتدة على عمق مترين شرق القارة الإفريقية في أثيوبيا وكينيا والصومال حيث لا أخرج أبداً، فألفت الظلام، لهذا السبب ترى عيوني صغيرة ... لكن للشهرة ضريبتها (2).
(*) يكاد الكثيرون لا يصدقون أنك من الثدييات مثلنا، لماذا برأيك؟
(-) (ضاحكاً) لا أعلم من أين أبدأ الإجابة ... حسناً لنقل أولاً أنني أعيش في مملكة تعداد أفرادها 20 – 300 فرد مع ملكة واحدة تتزوج من ذكر واحد أو اثنين أو ثلاثة وتتولى مسؤولية الإنجاب في المملكة حارمةً البقية الذين يعملون في الحراسة أو كعمال للعناية بالأطفال والحفر ونحوه. نشابه في ذلك مستعمرات الحشرات كالنحل والنمل وربما كان هذا ما يلفت الانتباه في حياتنا (2).
(*) لكن هل هي ملكة فعلاً ... كيف تحكم وكيف تعاملكم؟
(-) تتربع الملكة على العرش يليها من حيث الأهمية أزواجها من الذكور (وهم الأكبر حجماً وسناً في الغالب) ثم الإناث والذكور العقيمون كبيرو السن فاليافعون وأخيراً الجراء. كلما أتذكر الملكة تراودني صورة العراك حتى الموت بين الإناث الكبيرة السن والذي حصل عندما ماتت ملكتنا
خلال موسم التزاوج تزداد الأعمال العدوانية كالتدافع والعض حيث تصبح الذكور والإناث شرسة وتكون الملكة الأشد عدوانية طول الوقت وعادة ما تجلب الملكة الجديدة ذكوراً جدد وهذا لا يحدث إلا بموت الملكة السابقة أو اذا سيطرت جديدة على الحكم. هل لديك فكرة عما يؤدي إليه ذلك (3)!
(*) ماذا؟
(-) مستعمرتي متماثلة جينياً بسبب هذا النظام ومن غير المألوف انفصال الأفراد عن مستعمراتها ولذلك فالتزاوج الخلطي نادر الحدوث. هل لك أن تتخيل كم لدي من أخوة؟
ملكتنا تلد على مدار العام منتجةً ما يملئ وعاءً بحجم 5 ليترات من الجراء سنوياً وكل جرو لا يتجاوز وزنه 2 غ. تحمل الملكة وتلد كل 70 – 80 يوماً وتضع 10 – 27 جرواً في الولادة. لا عجب أن فقراتها تمددت عندما أصبحت ملكة لتقوى على الحمل (3).
(*) ربما يكون سؤالاً تقليدياً لكنني لا أرى في حياتك ما هو تقليدي .... هلا حدثتني عن طفولتك ونشأتك
(-) اعتنت بي أمي –الملكة– لمدة 36 يوماً بعد الولادة حيث فطمت بعدها لتتولى العاملات رعايتي وإطعامي كما تولى الأفراد الآخرون الأكبر سناً والأقوى حمايتي من هجمات عدوتنا اللدود؛ الأفعى.
لم أبذل الكثير من الجهد لتعلم التواصل فلدينا 18 لفظاً خافتاً للتواصل فقط. بعد 228 يوماً بلغت شقيقاتي جنسياً أما أنا فبلغت بعمر السنة ولا فرق بيننا في الشكل أو الحجم. ليس في حياتنا الكثير من الإثارة ... نقضي حياتنا في الظلام لذلك لا نتبع ساعةً بيولوجية .... كانت حياتي جميلة، استمتعت بتناول جذور ودرنات النباتات.
عندما كبرت صرت أساعد في جمع الطعام وتخزينه والاعتناء بالصغار، وعن حفر الجحور فحدث ولا حرج. لقد استلمت أكثر من مرة مهمة القيادة في ذلك، فقد جرت العادة أن نشكل سلسلة يقوم أول فرد فيها باستخدام سنيه في الحفر بينما يدفع البقية التراب بالتتابع حتى يصل للخارج.
لم يسبق أن ترك أحدنا مستعمرته أو اختلط بأحد من خارج المستعمرة فهذا نادر جداً، ولمستعمرتي رائحتها الخاصة التي تزول عن كل منــّـا بعد بضعة أيام من تركنا لها. .... هذه حياتي باختصار قبل الشهرة (3).
(*) حسناً بالحديث عن الشهرة ... أخبرني أصدقاء أنك نلت قسطاً وافراً من الشهرة لأسباب "بحثية" ... حدثنا عن ذلك!
(-) نعم عندما وصلت مجموعة من أقاربي منذ فترة من إفريقيا علمت أنهم يعملون في أحد المخابر. قالوا لي أنكم معشر البشر مهووسون بالتخلص من الشيخوخة والعيش طويلاً –مع أني لا أرى ميزةً في ذلك– كما أنكم تشكون السرطان الذي لم أسمع به يوماً.
على عكس الفئران نعيش إلى عمر قد يصل إلى الـ 30 عاماً دون أن تظهر علينا أعراض الشيخوخة كما لا يوجد ارتباط بين معدل الوفيات وعدد سنوات العمر بمعنى أننا لا نموت بداعي التقدم في السن.
ولدينا مقاومةٌ تلقائية للسرطان والأورام المحدثة مخبرياً ... يقولون أننا تحدينا علاقة التوازن بين نظريات الشيخوخة والأكسدة والسرطان ولو أنني لم أفهم معنى ذلك حقاً
يعتقد البشر أن أهم اكتشاف توصلوا إليه هو معرفة التعديلات الجزيئية المقاومة للسرطان في تسلسل الجينوم الخاص بنا، لكن بيني وبينك أعتقد أن لدي ميزةً أهم من ذلك كله وهي التي أفخر بها (1)
(*) مستغرباً سألت .... ما الذي قد يكون أهم من علاج واعد للسرطان؟
(-) لدي خصوبةٌ عالية طوال فترة حياتي ... هكذا يكون الرجال .... ههههههه (1)
(*) قلت في نفسي هذا بسبب حياة الليل التي تعيشون وسألته سؤالاً قطع عليه ضحكته: ما ردك على الذين يقبحون شكلك ويذمون هيئتك؟
(-) إذا كان قصدك عن عدم وجود آذان خارجية لي فلا حاجة لي بها فلست مضطراً في جحري إلى التقاط الأصوات البعيدة، أما إذا كان قصدك عن جلدي الوردي المجعد العاري من الشعر فهو صيحة من صيحات الموضة التي نتميز بها (2) ولو أننا لسنا سعداء كثيراً بكون هذا "العري" يساهم في كوننا عاجزين عن تنظيم حرارة أجسادنا. لكن من وجهة نظري فأن نكون ثدييات بدم بارد فهذا هو التميز بعينه (5). أرجوك لا تنظر إلى هذه البقع الداكنة علي فهي ستزول مع العمر وهي تظهر على اليافعين فقط (3).
(*) هنالك سؤال ينتظر جوابه جميع معجبيك... ما قصة عدم شعورك بالألم؟ هل من الممكن حقاً أن يتمتع أحدهم بهذه الصفة؟
(-) لو كنت تعرف كيف يحصل شعور الألم أصلاً لما استغربت ذلك. بدأت معرفتي بهذه الهبة قبل وقت قصير عندما كنت أجري بعض الفحوص الروتينية عندما أخبروني ألا وجود لـ النيوروببتيدات neuropeptides ** المرتبطة بالألم في مستقبلات جلدي الحسية.
في ذلك اليوم عدت إلى المنزل بعد أن اشتريت حمضاً قوياً ... وضعت يدي فيه فاحمرت والتهبت لكنني لم أشعر بالألم أو الحرارة رغم أن الطيور والبرمائيات والأسماك جميعها تشعر به. كررت التجربة مع الفلفلين (الكابسيسين: المادة اللاذعة في الفليفلة الحارة) وكانت النتيجة نفسها. ذهلت ولم أصدق لكن ذلك دفعني للمزيد من الاكتشاف.
جربت الفورمالين ويا ليتني ما جربته فقد أصبت معه بفرط ألم شديد جعلني أوقف تجاربي المجنونة (4).
(*) حدثنا أكثر ... ألا تشعر إذا صفعك أحدهم ... هل توقف الأمر عند ذلك فقط؟
(-) بالطبع أشعر بالمؤثرات الميكانيكية وأشعر بألم القرص أو العض أو الدفع. لا أشعر بألم الحرارة لكنني بالطبع أستجيب لها كما تفعل الثدييات الأخرى
ليس غياب النيوروببتيدات السبب الوحيد لأن حقننا بفيروس قادر على إنتاج المادة الغائبة يجعلنا نشعر بعدم الراحة تجاه رذاذات الفلفل المسببة للحروق مثلاً، لكننا لا نشعر بألم حقيقي. السبب يكمن أيضاً في أن الألياف العصبية لا تذهب لمركز الألم في الحبل الشوكي كما هو معلوم بل الى المنطقة المسؤولة عن الاحساس باللمس (5).
(*) لماذا باعتقادك قد يستطيع كائن ما تطوير هكذا صفة؟
(-) ما أدراني ... لكنني أستطيع أن أخمن! نعيش كما أخبرتك في جحور ينخفض فيها معدل الأوكسجين ويرتفع ثاني أوكسيد الكربون حتى الـ 10% مما يسبب تشكل حمض الكربونيك على الأغشية الرطبة لجهازنا التنفسي. ربما تكيفنا مع عدم الشعور بآلام الأحماض حتى نعيش مرتاحين في ممالكنا ... من يدري! (5)
انتهى وقت المقابلة شكراً لك
(*) لكن لدي بعض الأسئلة ....
(-) يمكنك معرفة المزيد من فيلمي الأخير
هنا
(*) شكراً على وقتك ...
في نهاية هذا اليوم المليء بالمعلومات راودني تساؤل؛ في التهاب المفاصل الرثياني rheumatoid arthritis الذي يصيب الإنسان يكون السائل الزلالي بين المفاصل حامضياً قليلاً ولكن مساهمة هذه الحموضة في الألم لا تزال غير معروفة. نظرياً يمكن لهذا "الفأرون" أن يصاب بالتهاب المفاصل لكنه لا يشعر بالانزعاج من الأحماض فهل تعتقدون بأنه سيحمل إجابة لهذا التساؤل.
للتوضيح:
(**) النيوروببتيدات: جزيئات صغيرة شبيهة بالبروتينات تستخدمها الخلايا العصبية للتواصل مع بعضها فهي بمثابة جزيئات الإشارات العصبية التي تؤثر في نشاط الدماغ بطرق مختلفة بما في ذلك: تسكين الألم، تناول الطعام، التمثيل الغذائي، التكاثر، السلوكيات الاجتماعية، التعلم والذاكرة.
المصادر:
(1) هنا
(2) هنا
(3) هنا
(4) هنا
(5) هنا
مصدر الصورة:
هنا