التربة: وجه الأرض ومصدر حيواتها
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم الأرض
يختلف النظر إلى تلك الطبقة السطحية من قشرة الأرض، باختلاف الشخص الذي يدرسها. فالمهندس المدني الذي يخطط لبناء مشروع ما ينظر إليها على أنها مجموعة من المواد المتجمعة على السطح، أما عامل المناجم فيعتبرها مجموعة من المواد عديمة القيمة التي تجب إزالتها عن السطح للوصول الى الكنوز داخل جوف الأرض، بينما يعرف الفلاح أنها الوسط الحي الذي يغذي النبات ويدعمه بالماء.
يمكن تعريف التربة على أنها الطبقة المعدنية-العضوية من سطح القشرة الأرضية، والتي خضعت لتأثيرات عوامل مختلفة محكومة بالتضاريس ومطبقة على الصخرة الأم مع مرور الزمن. من هذه العوامل: المناخ (بما فيها من تغيرات الرطوبة والحرارة)، والكائنات الحية. تختلف التربة عن المادة الأصل (الأم) بخصائصها الفيزيائية، الكيميائية، البيولوجية والبنيوية.
مكونات التربة:
قد يتوهم البعض أن التربة مكونٌ صلب بالمطلق لكن المواد العضوية والمعدنية فيها تشكل الطور الصلب Solid phase فقط، في حين تتكون التربة من طورين آخرين سائل Liquid phase وآخر غازي Gaseous phase، يشكلان معاً حوالي نصف حجم التربة الكلي. يضاف إلى ذلك الكائنات الحية التي تعيش فيها وعلى سطحها مثل الديدان والطحالب والفطريات والبكتريا... الخ؛ فيما يسمى بالمكون البيولوجي Biological component.
تتوزع المكونات الأساسية في التربة المثالية وفق النسب الحجمية التالية: 45% مواد معدنية و5% مواد عضوية، 25% للطور السائل و25% للطور الغازي. تهيئ جميع تلك المكونات السابقة بيئة غذائية ودعامة ميكانيكية مناسبة لنمو النبات.
دعونا نتحدث عن كل منها بشيء من التفصيل البسيط:
1. الطور الصلب:
يشكل الطور الصلب أكثر من نصف حجم التربة وأكثر من 75% من وزنها، ويكوّن الجزء المعدني النسبة الأعظم من وزن الجزء الصلب وذلك بالمقارنة مع الجزء العضوي. ينتج الجزء المعدني عن عمليات التجوية (الطبيعية والكيميائية والحيوية) الواقعة على الصخور والرواسب التي تتكون منها الأرض لهذا فهو يعكس صفات الصخور الأصلية التي نشأت منها التربة. ينقسم الجزء المعدني من ناحية الحجم إلى ثلاثة أقسام مرتبةٍ تبعاً لقطر الحبيبات من الأكبر إلى: رملٍ وسلتٍ وطين. يعتبر الرمل والسلت من الناحية المعدنية جسيمات صغيرة من الصخور، نتجت عن عمليات التجوية الفيزيائية (بمعنى عدم تغير تركيبها الكيميائي). أما عن معادن الطين فهي تتبع مجموعة السيليكات الورقية Phyllosilicates والتي تتشكل من تكسر المعادن الأخرى (كيميائياً). يمتلك الطين شحنة سالبة على عكس الرمل والسلت الخاملين كيميائياً، مما يعطيه الدور الكبير في ادمصاص* المغذيات المفيدة للنبات.
يؤثر اختلاف نسب الرمل والسلت والطين بقدرة التربة على الاحتفاظ بالماء القابل للامتصاص من قبل النبات (الماء المتاح) وبتأثير التربة على الصرف الزراعي.
يرجع أصل مادة التربة العضوية (SOM) إلى البقايا النباتية والحيوانية وهي خليط معقد من المواد المختلفة في التركيب الكيميائي. تتكون من الكربون، الأكسجين، الهيدروجين، النيتروجين، الفوسفور والكبريت. تلعب دوراً هاماً في تحسين خصائص التربة الخصوبية وسد حاجة النباتات من العناصر الغذائية. أما من الناحية الفيزيائية فتتميز بقدرتها على الاحتفاظ بكميات كبيرة من المياه، وإعادة تحريرها ببطء عندما يحتاجها النبات.
2. الطور السائل:
يشمل الماء الذي يملأ فراغات التربة بعد سقوط الأمطار أو الري، بما يحويه من مواد قابلة للذوبان (عضوية كانت أم غير عضوية) فيما يسمى بمحلول التربة Soil solution. يعتبر هذا المحلول مصدراً رئيسياً للعناصر الغذائية الضرورية التي تمتصها الجذور كما يسهل الطور السائل عمليات التحلل الحيوي والكيميائي في التربة. يشكل هذا الطور 2 – 50% من حجم التربة.
3. الطور الغازي:
هو الهواء الأرضي؛ خليط غازي يشابه بمكوناته الهواء الجوي ويشغل فراغات التربة (المسامات بين حبيبات التربة) بعد نزوح الماء منها بفعل الصرف أو الجفاف أو استهلاك النبات.
ترتفع فيه نسبة ثاني أكسيد الكربون وتنخفض نسبة الأوكسجين نتيجة تنفس جذور النباتات والكائنات الحية بالإضافة الى نواتج عمليات التحلل العضوي وبعض التفاعلات الكيميائية الأخرى التي تجري في التربة.
لم كل هذا الاهتمام بالتربة؟
تقدم التربة خمسة وظائف حيوية للنظام البيئي العالمي هي:
1- كونها تعتبر وسطاً لنمو النبات: فهي مرتكز لجذور النبات وخزان مائي يمده بالرطوبة فقوام التربة وتجمع حبيباتها ومساميتها وتهويتها تشكل عوامل هامة في نمو النبات؛ يعني ذلك أنه لولا التربة لما وجدت الزراعة؛ الصناعة الأساسية Essential industry الوحيدة على سطح الأرض؛
2- تنظيم إمدادات المياه: تخزن التربة مياه الأمطار والثلوج المتساقطة لاستخدامها لاحقاً بين الهطولات. فعندما تشبع التربة بالماء يتحرك الماء للأسفل ليعود لاحقاً بالتوجه نحو السطح بفضل شد النبات والتبخر؛
3- تعيد تدوير المواد الخام: من مكونات التربة نواتج تحلل الكائنات الميتة حيث تتحول هذه النواتج إلى معادن يعاد استخدامها لبناء أنسجة كائنات جديدة. كمية الماء والأوكسجين في التربة تؤثر كثيراً في سرعة هذا التحلل. يضاف إلى ذلك اختزان التربة للكربون بيولوجياً في المادة العضوية؛
4- تشكل موطناً للكثير من الكائنات الحية: ابتداءً بالجذور الكبيرة المرئية والحيوانات الكبيرة مروراً بالحشرات الصغيرة وصولاً للفطريات والبكتريا وغيرها من الكائنات المجهرية، توفر التربة ملجأً للأحياء التي يعود الفضل الكبير إليها في إعادة تدوير المواد الميتة. تحتوي ملعقة طعام من التربة على كائنات حية يفوق تعدادها تعداد سكان الكوكب؛
5- وسيط هندسي وإنشائي: فمن التربة تأتي مواد الطرقات والبيوت والمباني وعليها يتم الإنشاء ولولا مراعاة خواصها وصفاتها لما أتقنا بناء الجسور ولا تخطيط الحدائق والمزارع.
عدا عن ذلك كله فإن التربة تنقي المياه التي نشرب وتنظم حرارة الأرض وتحد من انتقال الملوثات. كما أن تغير استخدام التربة منذ العام 1850 حتى اليوم يعتبر مسؤولاً عن 35% من غازات الدفيئة المسؤولة عن التغير المناخي.
تذكـــّـر أن التربة مصدر غير متجدد؛ أي أن فقدانها وتدهورها غير قابلين للاسترداد أثناء فترة عمر الإنسان. تذكر أيضاً أن اندثار العديد من الحضارات كالمايا في أمريكا الوسطى والهاربان Harappan في الهند، نتج مباشرةً عن سوء إدارة التربة الخاصة بهم.
لنحافظ على أنفسنا يجب أن نفهم تربتنا، خصائصها وكيف تشكلت وهذا ما سنناقشه في مقالنا القادم.
هل يمكننا الاستغناء عن التربة؟ ... إذا كنت ترغب بمعرفة الإجابة اقرأ مقالنا السابق بعنوان "التربة.... لم نحتاجها في الزراعة ولم نريد الاستغناء عنها؟" من هنا
للتوضيح:
(*) الادمصاص / أو الامتزاز Adsorption: هو تراكم ذرات أو جزيئات مادة على سطح أخرى وتخلق هذه العملية طبقة من الجزيئات أو الذرات التي تتراكم بكثافة على سطح المدمصات؛ بمعنى أنه تجميع مادة ما على سطح المادة الماصة، يحدث فيها الربط مع سطوح جزئيات المادة الماصة بواسطة تجاذب كيميائي أو فيزيائي، وهو يختلف عن الامتصاص حيث تنتشر المادة في السائل أو الصلب لتشكل محلولاً.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا