العلاج بالكريستال، حقيقة أم وهم؟
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
العلاج بالكريستال هو أحد أساليب الطب البديل الذي يعتمد على استخدام بلورات الكريستال والأحجار الأخرى كقنوات لطاقة العلاج الطبيعية. حيث يقال أن الحجارة تعمل على توجيه الطاقة الإيجابية في الجسم للعلاج أو للحماية من المرض أثناء التخلص من الطاقة السلبية. إنَّ أنصار هذا "العلاج البديل" يعتقدون بأنّ بلوّرات الكريستال تحتوي على مواد كيميائية تتواصل مع نظيراتها في جسم الإنسان التي تؤدي إلى نشوء وصلة تسمح بمرور الطاقة من الكريستال إلى الجسم وتعزيز الشفاء. ويؤمن المعالجون بالكريستال مثل اودرا Audra Pinkham من ماساتشوستس، بأن الأحجار الكريمة تمتلك طاقة لها ذبذبات وترددات مختلفة. أودرا هي "عالمة ناسكة" حيث أن ما تمارسه من علاجات غير مقبول لدى التيار الرئيسي للعلم فهو لا يعتمد المنهج التجريبي في العلم، نتائجها غير قابلة للاختبار والتجريب ولذا فهذه النتائج غير قابلة للتخطئة، أودرا ومن مثلها أيضاً لا يشاركون في المؤتمرات الطبية ولا ينشرون الأبحاث العلمية في المجلات الطبية المعترف فيها والخاضعة للتدقيق والمراجعة العلمية. ورغم ذلك فإنَّ من يمارسون هذا العلاج يعتقدون بأنه فعّال جداً في شفاء أمراض الجسد والعقل والروح.
فكرة العلاج بالكريستال جاءت من فلسفة قديمة مصدرها المفاهيم الآسيوية التقليدية لـ "طاقة الحياة" والشاكرات. والتي هي عبارة عن دوامات من "طاقة الحياة" تربط العناصر المادية والعناصر الخارقة –اللامادية- في الجسم، وتمثّل قوّة الشفاء الغيبية غير المرئية التي تعمّ الكون.
في كثير من الأحيان يُصنّف العلاج بالكريستال ضمن "التنجيم"، "الكهانة"، أو السحر والشعوذة، لذلك حتى بعض المتحمسين للعلاج البديل يميلون إلى صرف النظر عن العلاج بالكريستال باعتباره غير مجدي، وحتى كثير من أتباع الأنواع الأخرى من العلم الزائف يعتبرونه زائفاً بسبب كونه غير ممنهج ولا مصدر حقيقياً لمعلوماته، ورغم ذلك وللأسف نجد الكثيرين في مجتمعاتنا من يتم خداعهم بهذه الأفكار عن طريق إلباسها لباس العلم وتغليفها ببعض المصطلحات البراقة بهدف بيع بعض المنتجات السحرية التي يفترض أنها تعمل عمل الطب والصيدلة وفي بعض الأحيان يدعي المروجون لها بأنها تتغلب عليهما، ويجدون من يصدقهم برغم عدم امتلاكهم لأي دليل. ليس ذلك فقط، بل ستجد الكثير من "الزبائن" الراضين عن تجربتهم مع العلاج بالكريستالات والحجارة، ويعود ذلك إلى أسبابٍ سنوردها لاحقاً.
علمياً لا توجد أي دراسات تثبت القيمة العلاجية للكريستالات، وعلى المستوى العلمي البحت لا يوجد أي دليل على أنَّ سبب الأمراض بأنواعها هو ضعف تدفق الطاقة -سلبية كانت أو إيجابية-، ولا أي دليل على أن البلورات الكريستالية أو الحجارة الكريمة يمكن تمييزها على أساس التركيب الكيميائي او تصنيفها حسب اللون لعلاج أمراض محددة، ومع ذلك لا تزال الكريستالات مستخدمة اليوم في المنتجعات والعيادات الصحية، وغالباً ما يتم إدراجها في علاجات مشابهة مثل التدليك والريكي. يمكن أن تساعد بلورات الكريستال على الاسترخاء، ولكن ذلك لا علاقة له بالصفات الفيزيائية للبلورات نفسها، بل قد يعود السبب للجوّ الهادىء التأملي الذي يوفره المعالج بالكريستال لا أكثر.
ولكن كيف يفسر المعالجون بالكريستال هذا الأسلوب؟، وما هو مبدأ عملها برأيهم؟ وكيف يمكن دحض هذه الفرضية؟
نستطيع بالمشاهدة المباشرة أن نلاحظ بأنَّ الحجارة الكريمة لها ألوان عديدة ومتنوعة، وبشكل أدق فإن كل حجر من هذه الأحجار يعكس مجموعة متنوعة من الأطوال الموجية للأشعة الضوئية ويمتص الأخرى، وعلى الأغلب فإن هذا المفهوم هو الذي أدى إلى الإفتراض بأن هذه الحجارة تمتلك طاقة معينة، في الحقيقة لسنا متأكدين من أين جاءت فكرة أنَّ ترددات الطاقة هي ذات صلة بالعلاج بالكريستال، ذلك أن الفكرة بحد ذاتها خاطئة تماماً، فالطاقة بحد ذاتها ليس لها تردد سحريّ أصلاً، بل التردد الذي يتحدثون عنه هو تردد الأطوال الموجية للألوان المنعكسة عن تلك الأحجار أو الكريستالات، إذاً فهي طاقة منعكسة وليست "صادرة".
تسافر أشعة الضوء على شكل موجات تمتلك ترددات مختلفة اعتماداً على الطول الموجي، ويقوم كل جسم بامتصاص بعض تلك الموجات وعكس بعضها، فهو يمتص الطيف الذي يوافق سوية طاقية معينة بحسب نوع ذرات الجسم، ويمكن حساب هذه الطاقة بقوانين ميكانيك الكم التي يعرفها الفيزيائيون. أما إصدار طاقةٍ سحريةٍ ما غير قابلة للقياس فهذا الافتراض خاطيء تماماً، ناهيك عن نسب خواص شفاء إعجازية لهذه الطاقة، وبناءاً على ذلك فالكريستالات بحد ذاتها لا تمتلك طاقة تمكّنها من علاج الأمراض في جسم الإنسان، ولو كانت تملك ما يميزها بناء على ترددات الأطوال الموجية لألوانها المميزة فبإمكان أي صورة مطبوعة تحمل نفس الألوان أن تقدم نفس التأثير المفترض.
بالإضافة الى ذلك وفقاً لنظرية العلاج بالكريستال، فإن جسم الإنسان يتكون من العديد من الأجزاء الصغيرة التي تحتوي على طاقة فريدة تنبعث إلى المنطقة المحيطة بجسم الإنسان، جزء من هذه الفرضيّة صحيح فالجسم يتكون من أجزاء صغيرة، ولكن هذه الأجزاء لا تنتج أي طاقة فريدة، بل إن الطاقة التي تلزم هذه الأجزاء تأتي من الغذاء الذي يتناوله الشخص، ومن الدماغ ومن الدم الذي يضخه القلب إلى جميع هذه الأجزاء، ويتم استعمال الطاقة في الجسم لبناء الخلايا وتحريك العضلات وغيرها من الظواهر الفيزيولوجية الطبيعية والمدروسة التي نشترك بها مع جميع الكائنات الأخرى.
ويشمل العلاج بالكريستال أيضاً استخدام "التمائم"، وهي كريستالات وحجارة تُلبس على الجسم أو توضع تحت الوسائد لدرء المرض، تشتيت الطاقة السلبية، وامتصاص الطاقة الإيجابية، وهناك تنويعات كثيرة تمّ ابتكارها من قبل مروجي هذا العلم الزائف لإقناع الناس بشراء منتجاتهم وخدماتهم "العلاجية"، وماذا يحدث إن لم يشفى المريض ولم تتحسن حالته بعد هذا العلاج؟ بسيطة: هناك أجوبة جاهزة دائماً لدى المعالجين بالعلم الزائف تجعل تخطئة ادعاءاتهم مستحيلة: طاقتك السلبية غلبت الطاقة الإيجابية، لم تكن مستعداً تماماً للعلاج، عليك أن تغير موضع سريرك ونظام غذائك في البداية كي تحصل على فائدة، يبدو أن هنالك من يدس لك بلورات ذات طاقة سلبية تعاكس الأثر الايجابي للعلاج الذي حصلت عليه ولذلك لن تستفيد،.. الخ
بالطبع وفي هذه الأثناء، وإن كان المريض يشكو من حالة مرضيةٍ جدية، فهو لن يتوقف عن تعاطي العلاج الدوائي النظامي ومراجعة الأطباء، فما على المعالج بالبلورات في هذه الحالة إلا أن ينتظر أن تأخذ الأدوية مفعولها، أو تتغلب مناعة المريض على ذلك المرض، ثم ينسب فضل الشفاء لممارساته غير العلمية، علماً بأنه لم يتم توثيق أي حالات للشفاء من أمراضٍ حقيقية بالاعتماد على هذه الادعاءات لوحدها وبدون الاعتماد على المعالجة العلمية.
ولا ننسى هنا تأثير البلاسيبو، فما يميز بين العلاج الحقيقي والزائف هو أن العلاج الحقيقي قبل أن يتمّ الاعتراف به من المجتمع العلمي يتوجب عليه أن يخضع لتجارب تميّز نتائجه عن نتائج العلاج الغفل الناتجة عن ظاهرة البلاسيبو، وظاهرة البلاسيبو هي عبارة عن تحسن معين في بعض المظاهر المرضية بعد استخدام دواء مزيف كأقراص السكر أو محلول الملح أو غيرها، تنتج عن اعتقاد المريض بأنّه يتعاطى الدواء الحقيقي. يتمّ اختبار جميع الأدوية قبل اعتمادها عن طريق مقارنة نتائجها العلاجية مع نتائج البلاسيبو، فإن لم يكن هناك فوارق كبيرة لا يعتمد الدواء. وبالطبع لم يتمّ توثيق اختبار ناجح لأيّ من الادعاءات التي يتحدث عنها المقال بهذه الطريقة.
ولا يجب أن نغفل هنا أهمية ظاهرة البلاسيبو! فهي قد تكون العمود الأساسي الذي تقوم عليه أغلب أنواع الطب البديل والتجانسي والعلاج بالطاقة: يحصل المريض اليائس على بعض الطمأنينة وتحسنٍ في بعض أعراضه بفضل اقتناعه المسبق بنجاعة هذا العلاج فيقوم بدوره بالترويج له بين معارفه، وفي غياب أي مراجع موثقة لطرق العلاج، يتبع كلّ معالجٍ مدرسته الخاصة ولا فرق هنا فالبلاسيبو سيفعل فعله مهما كان نوع الحجارة المستخدمة وسيعود عدد غير قليل من المرضى إلى منزلهم ممتنين.
العلاج بالكريستال أكثر من غيره من عناصر الطب البديل أو التكميلي، يستند على نظام كامل يؤمن بالخوارق والقدرات غير القابلة للتفسير، مما يجعل دحضه صعباً نوعاً ما، فالمؤمنون به يعتمدون على كمّ غير ضئيل من المواقع والقنوات الإعلامية والشركات التي لا تبخل بالوسيلة لتشجيع الجمهور على تجربة منتجاتها، وكثيراً ما تجد من يرتدي بدلة الطبيب ويروج لهذه العلوم الزائفة، فإن تحققت من الخلفية العلمية لادعاءاتهم وموثوقية مصادرهم ستكتشف أن العلاج بالكريستال بحد ذاته ممارسات غير منتظمة، ولا يفترض في المُعالجين الحصول على أي شهادات في البيولوجيا الاساسية للحصول على الشهادة.
بالنسبة للطب الحديث يتسامح بعض الأطباء مع العلاج بالكريستال، حيث يرون فيها فرصة للمساعدة على الاسترخاء وتقليل التوتر لدى المريض، بل يذهب بعض الأطباء إلى القول بأن هذه الأنواع من العلاج قد تكون لها فائدة نفسية ما، فحين يؤمن المريض أنه سيشفى بفضل هذا العلاج ويجد في نفس الوقت من يمنحه الأمل والرعاية والاهتمام، قد يرفع هذا من معنوياته وحالته النفسية وقد يكون هذا هو الأثر الوحيد الايجابي لاستعمال هذه العلاجات.
ففي نهاية المطاف لا بأس ببعض الاسترخاء، ولكن إن كنت تعاني من مرض حقيقي فعليك اللجوء إلى الطبيب المختص للحصول على العلاج الملائم، وعدم الاكتفاء بما يقوله لك المُعالج بالكريستال عن القدرات الشفائية لهذه الحجارة، وتذكر دائماً: للعلم منهج صارم قبل أن يكون بهرجة إعلامية، فلا تتبع القشور وتغفل الفارق الهائل ما بين الممارسات التي تم اختبارها ودراستها لأعوامٍ وفي مختبرات أبحاث مرموقة، وما بين الممارسات التي لا تجد خلفها ما يدعمها سوى بعض الوعود الكاذبة والأطماع بما في جيبك.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا