اسحق بيرلمان... تجاوز شلل الأطفال إلى العالمية
الموسيقا >>>> تعرف إلى موسيقيي العالم
لا نستطيع إنكار كونه الأكثر إبداعاً في عزف الكمان، اسحق بيرلمان الذي يحتلّ مكانه كنجمٍ ساطعٍ إلى حدًّ لم يصل إليه عازفٌ كلاسيكيٌّ من قبل، المحبوب لسحره وإنسانيّته بالإضافة إلى موهبته، وتعلّق به جمهوره حول العالم ليس لفنه المميّز وحسب بل لشغفه الذي لا يمكن كبحه في صنع موسيقاه.
ولد بيرلمان عام 1945 في تل أبيب وكان والداه من أصل بولندي وهاجرا إلى فلسطين قبل 15 عام من ميلاد اسحق، كانت أول مرة أراد فيها أن يصبح عازف كمان عندما سمع حفلة موسيقيّة على الرّاديو عندما كان عمره ثلاث سنوات وبعد ذلك بفترة قصيرة اشترى له والده الذي كان حلّاقاً أوّل كمانٍ له من محلٍّ للأدوات المستعملة بستّ دولارات فقط، ومنذ ذلك الوقت تدرّب بيرلمان بشكلٍ مكثّفٍ كلّ يوم إلى أن جاء اليوم الذي اضطرّ فيه لمواجهة أحد أصعب التّحدّيات في حياته، في سنّه الرابع أصيب بيرلمان بشلل الأطفال الذي كان متوقعاً بأنه سيبقيه عاجزاً مدى الحياة، وعلى مدار سنة استمرّ بيرلمان بتدريباته وأصبح قادراً على المشي بمساعدة حمّالات للساق وعكّازات، وبعد خروجه من المشفى تم تسجيله في أكاديميّة تل أبيب للموسيقا حيث درس تحت إشراف المعروفة بالمدام غولدارت وفق منحة للمؤسّسة الثقافيّة، ولم يأخذ وقتاً طويلاً حتّى بدأ يعزف مع أوركسترا رامات-غان في عمر السابعة ومن ثمّ عزف مع أوركسترا إذاعة القدس، وفي 1955 عندما كان في العاشرة من عمره عزف لأوّل مرّة بشكلٍ منفرد ومنذ ذلك بدأت شهرته على أنه معجزة بلده.
في عام 1958 في عمر 13 انتقل بيرلمان إلى نيويورك ليعزف مع الفرقة الإذاعيّة الكولومبيّة وكان عزفه لمقطوعة ريمسكي كورساكوف "Flight of the Bumblebee" سبباً في جعل بيرلمان نجماً في أمريكا وبذلك قرّر البقاء للأبد، وعندما جاء أهله إليه بدأ بيرلمان بجولاته في المدن الأمريكيّة والكنديّة ليتقدّم بعدها إلى مدرسة جوليارد للموسيقا في نيويورك وتابع دراسته فيها لمدّة خمس سنوات ثمّ درسه كلّ من إيفان غالاميان ودوروثي ديلاي ليحصل نهايةً على شهادة الدبلوم.
فاز بمسابقة ليفينتريت الفخريّة في 1964 وكان الأصغر بين الـ19 متسابق فقادت إلى ازدهار أعماله حول العالم وكتابة اسمه بين الموسيقيّين العظماء ومنذ ذلك الوقت ظهر بيرلمان مع جميع فرق الأوركسترا الضخمة حول العالم.
شاع ظهور بيرلمان في موقع قائد الفرقة وخلال هذه المرحلة أيضاً تمكن من إذهال جمهوره وكان ذلك عندما شارك مع فرقة نيويورك الفيلهارمونية، سيمفونية شيكاغو، الاوركسترا الفيلاديلفية، سمفونية بوسطن، السيمفونية الوطنية الأمريكية، فيلهارمونية لوس أنجلس وغيرهم الكثير... وكان مستشاراً فنياً لسمفونية القديس لويس بين عامي 2002-2004 حيث كان يؤدي دور قائد الأوركسترا أحياناً وكان ضيف شرف هام عندما أصبح قائد فرقة ديترويت خلال المدة بين 2001-2005، وكذلك حول العالم كان قائداً للعديد من الفرق كفيلهارمونية برلين.
بين عاميّ 1967-1968 خاض بيرلمان ما يسمى تجربة الماراثون فعزف بشكل متلاحق في 50 مدينة أمريكية بادئاً بهونولولو، هاواي عازفاً كونشيرتو الكمان لسترافينسكي مع المؤلف الأصلي للكونشيرتو بقيادة بيرلمان.
قبل ذلك في 1967 تزوج بيرلمان من توبي لين فريدلاندر، عاشت توبي في نيويورك وعزفت الكمان في مدرسة جوليارد للموسيقى أيضاً والتقيا في المخيم الصيفي لعام 1964، وخلال السنوات اللاحقة كانت جولات بيرلمان المتكررة وعزفه الاستثنائي دائماً هما العامل الأوّل في جعله من أكثر العازفين المعروفين حول العالم.
أما في عامي 2012-2013 كانت إطلالات بيرلمان مختلفة حيث عزف منفرداً في العديد من الحفلات حول العالم وخلالها أطلق ألبومه الجديد بعنوان "Eternal Echoes" أي "الأصداء الأبدية" في قسم Sony للكلاسيك وعزفه خلال العديد من الحفلات في مختلف المدن منها بوسطن ونيويورك.
في العقد الأخير بدأ بيرلمان بالخوض في المجال التعليميّ فدرّس في برنامج بيرلمان للتّعليم الموسيقي ، بينما أثنت العديد من المؤسسات التعليمية على بيرلمان لفضله في النسيج الفني الإنسانيّ في عصرنا هذا، بينما كرّمته العديد من الجامعات كهارفارد، يال، برانديس، روسيفيلت.
حصل على الدوكتوراه الفخريّة مع ميداليّة مئويّة في حفل الذكرى 100 لتأسيس مدرسة جوليارد للفنون في 2005، أما عن التكريمات الأخرى التي حصل عليها فقد كرّمه العديد من رؤساء البلدان: رايغان منحه ميدالية الحريّة في 1986، كلينتون كرّمه بالميدالية الوطنيّة للفنّ في عام 2000 و في شباط 2008 تم تكريم بيرلمان بجائزة الغرامي لإنجازات حياته بعد أن حصل عليها 15 مرة لأفضل مبيعات حققتها تسجيلاته الفنية، كذلك حصل بيرلمان على 4 جوائز إيمي خلال حياته.
حضوره على المسرح، على الكاميرا، وكل المرّات التي تحدّث فيها كانت تعبيراً بليغاً عن دعمه للمعوّقين وإخلاصه لهم ليكونوا جزءاً حياًّ في حياة بيرلمان.
يعيش اليوم بيرلمان في نيويورك مع زوجته وأولادهما الخمسة ويستمرّ بالتّدريس والقيام بالجولات، وكذلك لم يتوقف عن التدريب وتطوير تقنيّات العزف لديه وتطوير أساليب جديدة تتناسب مع فرديّته ليبقى "عازف العازفين".
لا تفوت متابعة أهم معزوفاته ولا بد أن أذكر بأن بيرلمان هو درس لنا في الحياة فهذا العازف الذي يدخل المسرح على عكازه ويجلس على كرسيه أثناء العزف تمكن من دخول المجد من أوسع وأرقى أبوابه... الموسيقى وآلة الكمان...
نترككم الأن مع اهم ما أدّى هذا الموسيقار المبدع:
المصادر:
هنا
هنا