كيف تنتقل جزيئات العطاس داخل الطائرة؟
الطب >>>> مقالات طبية
كيف تنتقل الجراثيم؟
يُظهر الفيديو بدايةً محاكاة لداخل طائرة مكتظة بالركّاب. وبعدها فجأة، يعطس أحد المسافرين الجالسين في الوسط. وتتناثر مئات الجزيئات الملوّنة في الهواء
على شكل غمامة من البقع الملونة تُخَيّم فوق رؤوس الجميع. تتلاشى الغمامة وتختفي الجزيئات ، شاقّةً طريقها نحو المسافرين سيّئي الحظ الجالسين بجوار
المسافر المريض.
في نهاية الأمر، انتشرت الجزيئات في كامل القُمرة، ولكنّ الجالسين على يمين ويسار "العاطس" أكثر المهددين بالإصابة بالعدوى.
يُظهر ذلك الفيديو واحداً من العديد من الطرق التي يمكن أن تنتقل فيها جزيئات (فيروس) الانفلونزا في قمرة طائرة مكتظة. ويُعد تصميم سيناريوهات العدوى الناجحة
عمل ANSYS وهي شركة متخصصة في برمجيات المحاكاة الدقيقة. ANSYS تستخدم ديناميكية الموائع الحسابية لمحاكاة أسلوب انتشار الهواء بهدف مساعدة شركات الطيران ومسؤولي الصحة لمتابعة كيفية توزّع جزيئات الانفلونزا على ارتفاع 39000 قدم .
وهذا الفيديو هو أحد أعمالهم.
يقول روبيرت هاروود Robert Harwood، مدير صناعة الطيران والدفاع: "لُوّنت الجزيئات لتُظهر إلى أين تتجه. تُلتقَط هذه القطرات من تدفق الهواء وتنتشر في
كامل القمرة. وهي في الواقع تنتشر إلى مدىً كبير".
مع انتشار إيبولا سيخطر على بال الجميع، من الضروري أن نُذكر أن إيبولا ليس مرضاً هوائي الانتشار. لن تُصاب به في حال قيام أحدهم بالعطس في
الطائرة. على عكس الانفلونزا التي تنتشر عبر الهواء وتشكل خطراً أكبر بكثير، وتصيب عشرات الملايين من الأمريكيين في الولايات المتحدة كل عام وتسبب
حوالي ال49.000 حالة وفاة.
بما أن لقاحات الانفلونزا لا تؤمّن الحماية 100% فإن خبراء الصحة يحاولون دائماً إيجاد طرق تحد من انتشار الفيروس. وليتمكنوا من القيام بهذا عادة ما
يلتفتون إلى الطائرات- إحدى أكثر الأوساط فاعلية لانتشار الأمراض- والتي تكون مملوءة بمئات الركّاب، محشورين وغير قادرين على الهرب. إذ تُعدّ قمرة الطائرة بيئة خصبة للإنفلونزا، ولا يتطلب الأمر أكثر من مسافر مريض لتنتشر هذه الفيروسات.
كانت معرفة كيفية انتشار جزيئات الانفلونزا الشغل الشاغل لهيئة إدارة الطيران الاتحادية منذ اجتياح السارس في 2002. يقول هاروود: "لقد كان اجتياحاً عالمياً، في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وسبب انتشاره بسرعة كان صعود الناس في الطائرة ونشرهم للفيروس".
بعد اجتياح السارس، شكلت FAA مراكزاً لأبحاث بيئة قمرة الطائرة لضمان أمان وصحة ركاب الطائرة. اختبر البرنامج عدداً من التقنيات لتعقب الأوبئة الهوائية، تتضمن نظم استشعار في القمرات وتقنيات التخفيف من التلوث. وهنا دخلت تقنية المحاكاة عالم الطيران.
"بواسطة الهندسة التقليدية، أنت تخرج بأفكار، وتصنع نموذجاً وتختبره ثم تعدله حتى تصل إلى المنتج الذي تريده" يقول هاروود " أما في عملنا هذا ، فقبل أن تلمس الحديد، تستخدم الحاسوب لتحاكي السلوك الفيزيائي للمنتج للتقليل من التعديلات"
تطوّر الشركة برامج المحاكاة للهندسة والفيزياء والميكانيك الهيكلي (structural mechanics) والمرونة وغير ذلك. يمكن لتقنيتهم أن تُخبرنا إذا ما كان المقبض في كوب القهوة قوياً، أو إذا ما كانت رافعة جناح الطائرة مثالية وستطير. ومع ذلك، فإن الشركة لديها أيضا القدرة على تصميم نماذج الديناميكا الهوائية للموائع، مما يجعل البرامج الخاصة بهم مثالية لرسم خرائط انتشار الانفلونزا في مساحة محددة.
لذا ولسنوات، درس العلماء في مركز FAA للتميز في جامعة بوردو (Purdue) برامج محاكاة ANSYS، وتعلموا المزيد عن آليات السفر الممرض في كابينة قمرة مكتظة.
في الطائرات، يجري ضخ الهواء باستمرار إلى الداخل عبر قنوات في السقف ويعاد تدويره من خلال فتحات عند أقدام الركاب، مما يجعل من محاكات نموذج التدفق هذا أمراً معقداً. "كل دقيقتين، يكون هنالك حزمة جديدة من الهواء في الطائرات"، يقول هاروود. ولجعل محاكاة تدفق الهواء واقعية قدر الإمكان، قام باحثون في جامعة بوردو بالنظر في كل شيء قد يؤثر على سرعة واتجاه تدفق الهواء، من الفتحات العلوية لتكييف الهواء إلى التيارات التي تم إنشاؤها من
قبل المضيفات أثناء نقل الطعام وعربات الشراب.
بالنظر في جميع هذه المتغيرات، يمكن للعلماء تأليف المئات من السيناريوهات لكيفية انتشار الجراثيم والملوثات الأخرى داخل الطائرة. ومن ثم يستعينون بتلك
النتائج لتقديم توصيات إلى FAA لصنع قمراتٍ أفضل وأكثر أماناً. "وبما أن هذا العمل قد بدأ فعلاً، فقد تم الحصول على بيئة أفضل للركاب"، يقول هاروود "إنها ساحة حرب وقائية ضد الانفلونزا والجراثيم الأخرى." يساعد برنامج ANSYS شركات الطيران على تحسين بيئة القمرة وبتكاليف زهيدة. فعبر محاكاة آلية تأثير أنظمة تكييف الهواء الجديدة على تدفق الهواء، يمكن لشركات الطيران معرفة النظام الذي يحد من انتقال الجرثومة بأقل تكلفة.
"إن الخطوط الجوية تتصدى لهذه التجارب باستمرار: فالمزيد من النظم في الطائرة، تعني المزيد من الوزن، والمزيد من المال "، يقول هاروود. "إنهم يريدون أرخص رحلة ممكنة وأن تكون صحّية بالنسبة لركّابهم أيضاً. التكنولوجيا التي لدينا مفيدة لأنها يمكن أن ترينا كيف يمكن أن يحققوا هذا ويُحسّنوا الأداء دون أن يضحوا بالتكاليف."
المصدر:
هنا
مصدر الصورة:
هنا