هل توجد حياة "فضائية" على كوكب الأرض؟ (الجزء الأول)
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
يقول كاتب المقال التقيت كينيث نيلسون في مكتبه في جامعة كاليفورنيا الجنوبية. وكينث ويلسون هذا عبارة عن شخص ترك الحياة ليقبع مع كائناته الدقيقة يكتسف خباياها في مكتبه المتواضع في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، في مكتبه الذي امتلأ بالجوائز العلمية وزجاجات البكتريا.
يقول نيلسون: كل كائن حي يعتمد على الحركة واستهلاك الإلكترونات لأنها تمثل الوقود الذي تستخدمه الأحياء لضمان بقائها ونموها وتكاثرها، وهذا ينطبق بدوره على هذه البكتريا، ولكن هذا النوع مميز، فهي تحصل عليها بأسلوبٍ مختلف، فهي لا تتنفس بطريقتي أنا وأنت، وفي معظم الحالات على المدى الطويل فإنها لا تستهلك أي غذاء، فهي تخلق طاقتها الذاتية بطريقة معدنية من خلال "أكلها وتنفسها" للكهرباء، و بالرغم من أن جميع الأبحاث العلمية السابقة نفت إمكانية حدوث هذا، ولكن ياللعجب: هذه الأشياء تحافظ على نموها من خلال نقل التيار الكهربائي(الحصول على الإلكترونات) فلا يوجد أي مصدر آخر للطاقة هناك نعزو نموها إليه. قد يبدو هذا لعلماء البيولوجيا بأنه ضرب من الخيال العلمي فكيف تستمر الحياة دون وجود أي مصدر جزيئي للطاقة مثل السكريات وأفضل تشبيهٍ يبدو لنا كمسافرين يحلقون بالجو بدون طيارة.
قام كينيث ويلسون باكتشاف نوع من البكتريا Shewanella oneidensis التي تقوم بترسيب الألكترونات على المواد المعدنية من خلال مجسات كيميائية رفيعة(واصفاً إياها بأنها تتنفس المواد الصلبة). وتمثل هذه الكائنات شيئاً جديداً في علم تصنيف الكائنات على هذا الكوكب وتخلق نوعاً من التنوع الحيوي الذي نجهله نحن أيضاً. وهذا الاكتشاف يدفعنا إلى إعادة التفكير بمفهوم الحياة التي نعرفها، حيث تقوم معظم الكائنات التي تستخدم الهواء في تنفسها بالاعتماد على سكر الغلوكوز الذي تأكله كمزود للألكترونات والأوكسجين يستقبل هذه الإلكترونات أي أن تدقف الإلكترون هو ما يشغل أجسامنا. ويكمن التحدي لدى هذه الكائنات الحية بإيجاد كلا المصدرين(الغلكوز ليعطي الإلكترونات والأوكسجين الذي يستقبلها) واستخدامهما بالطريقة المثلى لإكمال دورة الحياة، أما في حالة هذا النوع من البكتريا فهي تقوم بالحصول على الإلكترونات من الكربوهيدرات ولكن تقوم بببثها بطريقة غير عادية، حيث تقوم بالسباحة إلى أوكسيدات المعادن وتتنفسها و يطلق نيلسون على هذه العملية تنفس الصخور، حيث يحتوي السطح الخارجي لهذه البكتريا على أعداد كبيرة من الشعيرات الكيميائة الدقيقة والمدعمة بأنواع خاصة من البروتين، والتي تسمح بنقل الكهرباء خارج الخلية والتي تظهر إمكانيتها بترسيب الإلكترونات على المعدن الذي تتنفسه. وهنا ابتدأت اعتراضات العلماء على هذه الظاهرة..
كيف كان الاكتشاف؟
في عام 1982 كان نيلسون يعمل كباحثا في معهد Scrippe لعلوم المحيطات. حدث في بحيرية أونيدا في شمال نيويورك. حيث يسبب ذوبان الثلج في كل ربيع بغسل المنغنيز الموجود في الجبال المحيطة الذي يذهب بدوره إلى البحيرة. حيث تسبب الرياح في هذه الفترة تجمد سطح البحيرة وتعطي الفرصة لاتحاد المعادن المنحلة مع الأوكسجين وتشكيل أوكسيد المنغنيز الذي يترسب بدوره في قعر البحيرة. ولكن كانت المفاجأة بأن العلماء لم يجدوا أي كميةٍ توازي المتوقع، وكأن شيئاً ما جعل كمية أوكسيد المنغنيز تختفي أكثر بألف مرة مما هو متوقع جيولوجياً، ولم يجد العلماء أية تفسير لما حدث.
عندها قال نيلسون ( إذا كان معدل اختفاء المادة بهذه السرعة فلا بد من وجود سبب بيولوجي خلف هذه الظاهرة) حيث افترض يومها وجود نوع من البكتريا في البحيرة عرفت طريقها إلى المعدن وتسبب بإختفائه بطريقة أسرع حتى من طريقة تشكله. ولكن جيمع الدراسات العلمية يومها كانت تقول باستحالة أن تذيب البكتريا قطعة من المعدن أسرع منا نحن كبشر، ومع ذلك بقي غموض تلك الظاهرة بقي يساور شكوكه.
في عام 1985 انتقل نيلسون الى جامعة Wisconsin–Milwaukee وابتدأ أبحاثه على بحيرة أونيدا ليثبت أن تخمينه كان صحيحاً، وبعد سنتين من البحث استطاع نيلسون القبض على سارق المنغنيز؛ بكتريا الشيوانيلا Shewanella التي تعمل بطريقة مختلفة عن أي كائن عرفناه من قبل..
وجاء بعدها عمل ديريك لافلي الذي كان يعمل على مشروعه في المسح الجيولوجي ليدعم ما توصل إليه نيلسون من خلال اكتشافه لنوع آخر من البكتريا يدعى جيوباكتير Geobacter. والتي تعيش في قعر نهر بوتوماك. وهي تمتلك أنواع بروتين مختلفة تماماً في المنشأ ولكنها تفي تماماً بالغرض الذي تستخدمها فيه هذه البكتريا.
طريقة الاستقلاب الغريبة:
قام نيلسون مع أنيت روو (وهي أحد باحثي مجموعة نيلسون) بخلق نظام بحري صغير غريب من نوعه في مخبره يتيح له ولفريقه بتنمية هذه البكتريا ضمن المخبر ومراقبتها عن كثب؛ حيث قامت روو بوضع المعادن كقطب كهربائي في الحوض المائي وصنعت نظام مناسب يتيح لها وللفريق مراقبة مستعمرات البكتريا.
ويلعب القطب الكهربائي الموضوع دوراً في جذب هذا النوع من البكتريا التي تقوم روو بمراقبتها وهي تسبح نحو هذا القطب السالب الضخم وتلتهمه كعشاء دسم فهو يماثل لديها المركبات العضوية التي تسبح باقي الكائنات لتجدها.
واستطاعت روو تمييز ثلاثين نوع من هذه البكتريا غير المعروفة مسبقاً؛ ومن أهم الدروس المستفادة من عملها أن مثل هذه البكتريا تمتلك طرق وميكانيكيات متنوعة في نقل الألكترونات. ومن المدهش أن العديد من هذه الكائنات بما فيها شيونيلا تسطيع وضع الإلكترونات على المعدن أو أخذها بطريقة عكسية. والاكتشاف الآخر الذي لا يقل إدهاشاً أن ست سلالات من هذه البكتريا تستطيع العيش على الألكترونات لوحدها. وهذا ما وصفته روو بأنه ظاهرة "مجنونة"، حيث أبقت بعض هذه المستعمرات لمدة شهر دون إضافة أي مصدر للكربون(المكون الأساس للمواد العضوية التي تتغذى عليها الكائنات) واستطاعت هذه الكائنات أن تعيش ببطئ على الإلكترونات المتاحة من القطب السالب، لأنه لا يوجد أي شيء آخر
وتقول: إن هذه الكائنات الدقيقة تقدمٌ جديدٌ للعلم وتحتاج طرق جديدة وأفكار جديدة لدراستها. حيث يجب أن تنمو سلالات روو على قطب سالب وليس على أطباق بتري المخبرية. وأثبتت أن هناك نظم بيئية كبيرة على الأرض تحتاج للدراسة، والتي أطلقت عليها مؤسسة العلوم الأمريكية (طاقة النظم البيئية المظلمة) والتي قامت بدورها بتمويل روو في دراستها لهذه النظم البيئية الموازية لحياتنا.
المصادر في نهاية الجزء الأخير