سمندل الماء يساعد الكيميائيين وعلماء الأشعة على تحديد موقع مصدر الألم
الكيمياء والصيدلة >>>> كيمياء
بدأ العمل على هذا الموضوع في الستينات من القرن الماضي، عندما اكتشف العلماء في ستانفورد بأن سمندل الماء الأصلي يحتوي في جلده و بيوضه مادة كيميائية مطابقة للمادة السُّمية القوية الموجودة في سمك الينفوخ (لا داعي للخوف من سمية السمندل بالنسبة للباحثين حيث تؤثر فقط عند تناوله).
وقد أمضى الكيميائي Harry Mosher معظم حياته المهنية في تحليل و محاولة اصطناع هذا السُّم و الجزيئات المرتبطة به، والتي سُمّيت مجتمعة - سموم الغوانيدينيوم guanidinium - والتي شكلّت مجموعة جزيئات مثيرة للاهتمام للكيميائيين المهتمين بطرق جديدة لربط الذرات مع بعضها وتشكيل الجزيئات، مثل Justin Du Bois، والذي انضم فيما بعد إلى ستانفورد، وأسس مختبراً مختصّاً بالتركيز على صناعة وتعديل بنية سموم الغوانيدينيوم، حتّى أنه قد استخدم بعض المواد الكيميائية من مخبر Mosher.
في البداية لم يعرف Du Bois، والذي يعمل كبروفيسور مساعد في الكيمياء، عن أعمال Mosher الأولي، ولكن بعد إجراء محادثات بينهما اتجه Du Bois باتجاهٍ جديدٍ، ففي الطَّبيعة تعتبر الينفوخ والضفادع و غيرها من الحيوانات سامّة لاحتوائها على سموم ترتبط بالقنوات الموجودة على سطح الأعصاب، وتمنع هذه الأعصاب من إطلاق الإشارات.
إيقاف عصبونات الألم:
أشار Mosher بأنّه إن تمكّن أحد من تشكيل نسخة لهذا السُّم يمكن أن ترتبط فقط على القنوات في الأعصاب التي ترسل إشارات الألم، وبالتالي ستتمكّن هذه المادة الكيميائية من إيقاف عصبونات الألم، ومنه ستوقف الإحساس بالألم بدون التدخل بالأعصاب الأخرى، كالأعصاب التي ترسل إشارات الحركة للعضلات.
"لقد كان أوّل من قال لي بأنَّنا إذا وجدنا طريقة لتحديد موقع التأثير لهذا الدواء فسوف يشكّل دواءً ممتازاً للألم"، يقول Du Bois، "وفكرت بأنَّنا إذا استطعنا تشكيله وتعديله وجعله يبقى في موقع الحقن فسوف نحصل على شيء حقيقي."
بدأ بعدها Du Bois بالبحث و القراءة في علم الأعصاب، والتَّحدث إلى الأطباء عن الألم، وبينما كان هو و تلاميذه يجيدون شيئاً فشيئاً اصطناع مشتقات سموم الغوانيدينيوم، كان هناك اختصاصي أشعة في حرم الجامعة يكاد يصاب بالإحباط لفشله في تشخيص سبب الألم، وهو Sandip Biswal، فقد كان يعمل كبروفيسور مساعد بعلم الأشعة في مركز ستانفورد الطبي وأمضى الكثير من الوقت في تصوير أجزاء الجسم المؤلمة عند المرضى في محاولة لإيجاد مصدر الألم.
وقد كانت هذه مهمّة محبطة نوعاً ما، لأنه غالباً ما يكون مصدر الألم غير واضحاً، أو أحياناً بعيداً عن مكان الإحساس، وفي أحيان أخرى كان يرى شيئاً قد يبدو مؤلماً و يقوم الجراحون بإصلاحه ومع ذلك يستمر إحساس المريض بالألم!
يقول Biswal : "كل هذا جعلني أفكر أننا بحاجة لأن نكون قادرين على تصوير الألم بشكل أدق، وسوف يكون من الرائع إن تمكنّا من أخذ صورة لجزء فعال، يرسل إشارة الألم إلى الدماغ."
بعد التقاء Biswal و Du Boi واكتشافهما تداخل اهتماماتهما، حصلا على تمويل لمشروعهما معا.ً وكان هدفهما الأول تعديل الغوانيدينيوم لترتبط بالعصبونات المرسلة للألم وإعطاء إشارة مرئية لخارج الجسم. وقد قاما بنشر عملهما في مجلة المجتمع الكيميائي الأميركي.
كذلك عمل Du Bois مع بروفيسور آخر في علم الأشعة (Chin)، لتشكيل نسخة معدَّلة من الغوانيدينيوم تحتوي على جزيئة ملحقة غير سامّة، تستخدم عادةً لتصوير المواد الكيميائية في الجسم.
وبوجود هذه الجزيئة المعيارية سوف يتمكن العلماء من تتبع موقع السم المعدّل في الحيوان.
-النجاح على الفئران:
لقد تم فحص هذا المركب على فئران مصابة في أرجلها، وبعد حقن المركب بداخلها تمكّنوا من رؤيته متوضعاً في الرجل المصابة وليس في الرجل الأخرى السليمة. أي أنَّ هذه المادة الكيميائية ارتبطت على الأعصاب المرسلة لإشارات الألم.
ويقول DU Bois بأنَّه و على الرغم من كون النتائج تظهر إمكانية الاستخدام البشري، و لكن ما زال هناك الكثير بعد للقيام به حتى يصبح من الممكن ترجمة هذا العمل من القوارض إلى البشر. و أسسّت هذه المجموعة البحثية شركة خاصة لصقل المُركب بحيث يرتبط بشكل أكثر تحديداً إلى العصبونات المولّدة للألم، و يتم التأكد من كونه آمناً للاختبار على البشر. ويأمل أعضاء المجموعة بأنَّه يوماً ما سيساعد هذا المركب الأطباء على تحديد مصدر ألم المريض، وربما إنتاج فئة جديدة من أدوية علاج الألم.
نهايةً وبالإضافة لكون هذا المشروع مثالاً على ما يمكن أن يحدث عندما يعمل العلماء معاً لهدف واحد، فهو يظهر دور علماء الجزيئات الهام في حل المشكلات الحيوية.
المصدر: هنا