الشاعر الشاب أمل دنقل أحد الصعاليك العظام
كتاب >>>> مفكرون وكتّاب
"( قُتِل القمـــر)!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر!
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري:
كان قديساً، لماذا يقتلونه؟
وتقول جارتنا الصبية:
كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه؟
هل شاهدوه عند نافذتي- قبيل الفجر- يصغي للغناء!؟"
شاعرُ المغمورين والمنبوذين والفقراء؛ هكذا يصفه الكتاب والمثقفون، وهو أحد (الصعاليك العظام) كما يصفه الناقد د.محمد زكريا، لكن هل هو حقاً أسطورة؟ بالعودةِ إلى مقالات قديمة وجديدة نرى أن هؤلاء قد أجمعوا على أن (أمل دنقل) شخصية استثنائية! فهو صاحب مدرسة مميزة على الرغم من صغر سنه.
صاحب (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)؛ أمل دنقل، الصعيدي ابن محافظة قنا؛ (الشاعر الشاب) كما يحلو للبعض تسميته، ولِد عام 1940 ورحل عنا في 21-5-1983، وُلِد باسم مركب (محمد أمل) لأن والده أحد علماء الأزهر حصل على (إجازة العالمية) عام 194؛ فسمى مولوده الأول بـ(أمل)، وقد تخرَّج أمل دنقل من الثانوية في قنا وسافر إلى القاهرة للدراسة في الجامعة؛ لكنه اتجه إلى العمل وكتابة الشعر هناك، وقد ألهمه والده الذي كان يكتبُ الشعر العمودي، وقد أصيب الشاعر الشاب بحزن عند بلوغه عامه العاشر لوفاة والده، وقد ظهرَ الحزن العميق جلياً في شعره، وقد أكَّد شاعرنا في عدة حوارات أنه تلميذ للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي؛ لكنّ هذا الأخير أكد أنه لم يكن أستاذاً لا لأمل دنقل ولا لغيره من شعراء جيله وأضاف حجازي في إحدى المقالات:
" أجد بالفعل في شعر أمل صيغاً تذكرني بالصيغ التي استخدمتها: صيغاً نحوية وصيغاً إيقاعية، وهذا طبيعي، لأننا أبناء لغة واحدة، وأجد أنه اهتم بموضوعات أنا أيضاً اهتممتُ بها، لكنه أبدع فيها إبداعاً خاصاً لا يمكن أن يكون ثمرة التقليد أوالتلمذة البسيطة". ربما ذكر دنقل ذلك عدة مرات لأنّه يغدّ الشاعرَ حجازي مثَلُه في الشعر لربما، ولكن أمل دنقل ذاته لم يكتب بأسلوبٍ مختلف عن حجازي وحسب؛ وإنما كتب بأسلوبٍ مغاير لأسلوبه الشخصي، ويؤكد كلامنا في أحد حواراته عندما قال: "انتقالي إلى القاهرة، ارتبط أيضاً بتغير في نوعية الشعر، كنتُ انتقلت من الشاعر الرومانتيكي الحالم الذي يذوب وجداً، ويكتب عن فتاةٍ تمشي بخطوات موسيقية، وعن مشهد الغروب والنيل إلى شخصٍ يربط الكتابة بقضايا المجتمع حوله، نفسياً بدأت أخرج من دائرة الاهتمام بذاتي إلى مزج الذات بالعالم، وهوالاتجاه الذي كان أكثر تآلفاً معي".
" أيتها العرافة المقدَّسة...
جئتُ إليك... مثخناً بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ
أسأل يا زرقاءْ...
عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع... وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة"
ــــــــــــــ
كتب أمل دنقل ستة دواوين شعرية هي: (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) بيروت 1969، و(تعليق على ما حدث) بيروت 1971، و(مقتل القمر) بيروت 1974، و(العهد الآتي) بيروت 1975، و(أقوال جديدة عن حرب بسوس) القاهرة 1983، و(أوراق الغرفة 8) القاهرة 1983.
كان لديوان (أوراق الغرفة 8) طعمٌ آخر لدى أمل دنقل، ربما هو طعم الألمِ؛ إذ كتبهُ في أثناء صراعه لمرض السرطان الذي شن معركته عليه منذ بداية الثمانينيات؛ أي مدة ثلاث سنوات تقريباً قبيل رحيله، "إنه صراع بين متكافئين، الموت والشعر" هكذا وصف أحمد عبد المعطي حجازي الشاعر أمل دنقل في صراعه مع المرض.
وقد صدر لأمل دنقل ديوان شعري سابع بعد رحيله بثلاثين عاماً بعنوان (أمل دنقل قصائد لم تُنشر) متضمناً عشرات القصائد التي لم يسبق نشرها، وقد وعد شقيقه أنس دنقل في تصريح صحفي أنه سينشر كتابين آخرين لأمل؛ مسرحية بعنوان (الخطأ)، ودراسة نثرية بعنوان (قريش عبر التاريخ).
وأكّد أنس دنقل في تصريحٍ صحفي آخر له أن لأمل دنقل الكثير من المسوداتِ لكتبٍ أعدَّها؛ منها في الشعر ومنها في المسرح والدراسة كشهادة (الجليلة بنت مرة)، والتي ستكون مكملة لـ(لا تصالح) شهادة وائل بن ربيعة (كليب) والتي تعدُّ من القصائد الأشهر له.
"لا تصالح
ولو وقفتْ ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك... المسوخ!"
المصادر :
جهة الشعر
مقالات ومقابلات صحفية نشرت في عدد من الصحف المصرية والعربية