سلسلة غرائب الحياة الجنسية عند الحيوانات | الأفاعي المخططة
البيولوجيا والتطوّر >>>> غرائب الحياة الجنسية عند الحيوانات
وفي ظلّ وجود منافسةٍ كبيرةٍ بين الذكور للحصول على عروسهم الفاتنة فإنَّ عملية التزاوج لا تحدث بتلك البساطة، فمع بداية فصل الربيع تبدأ أعدادٌ كبيرةٌ من الأفاعي بالخروج من جحورها وتكون الذكور جاهزةً للتزاوج مع نهاية سباتها الشتوي الثاني، بينما تحتاج الإناث لثلاث سنوات.
بمجرد استيقاظ الإناث من سباتها، تبدأ أسراب الذكور بالخروج أولاً مشكلةً ما يسمى كرة التزاوج والتي تجتمع فيها أعدادٌ كبيرةٌ من الذكور المتنافسة فيما بينها لجذب أنثى واحدة للتزاوج. وخلال الأسابيع الأولى من الاستيقاظ تبقى هذه الذكور بدون طعام وتفقد أي قابليّة للمهاجمة ويكون جُلَّ تركيزها على مغازلة الإناث والتزاوج معها، مئات من الذكور تتنافس على أنثى واحدة!
عددٌ قليل يفوز بهذه المنافسة وتقوم الذكور الفائزة بمنع بقيّة المتنافسين من الجماع، أما الإناث فهي تقوم بالوقت ذاته بتخفيض تركيز الفرمون حيث يتبع كلا الجنسين استراتيجات خاصة تضمن لهما زيادة كفاءة الجماع والنجاة من هذا الهجوم العنيف من قبل المتنافسين.
تعتمد بعض الذكور استراتيجيات لخداع المنافسين من خلال إفرازها لروائح مشابهة لتلك التي تفرزها الإناث. وقد أثارت هذه الظاهرة جدلاً واسعاً حول الميزة التي يجنيها الذكر من تقليده لسلوك الأنثى والتي تجعله يتغلب على أقرانه من الذكور. وتقول إحدى الفرضيات القديمة بأنَّ سلوك الذكر بإفرازه رائحة الأنثى يفيده في تجنّب منافسة الذكور التي تستيقظ قبل الإناث وبالتالي يكون لديها الوقت الكافي لتجهيز أجسامها للقاء الأنثى الحلم. كما تعتقد هذه الفرضية أن الذكور المفرزة للرائحة الأنثوية تمتلك الأفضلية من خلال استدارج الذكور المبكرة في الخروج من الجحور وإبعادها عن الجحر، ومن ثم تتوقف عن إفراز الرائحة الأنثوية وتعود للقاء الأنثى الحقيقية.
أما الدراسات الحديثة فقد قدمت لنا أسباباً جديدةً لهذه الظاهرة؛ وبينت بأنّ الذكور حين خروجها من سباتها الشتوي تحتاج لبعض الوقت حتى تصبح أجسادها مهيئةً لعملية التزاوج، وتعدُّ هذه العملية من الأمور الصعبة عند الأفاعي حيث تكون أجسادها غير قادرةٍ على إنتاج الحرارة الذاتية المطلوبة، وبالتالي فإن هذه النظرية تقول بأن هذه الذكور المُخادعة تقوم بتقليد دور الإناث لجذب الذكور الأخرى لها للاستفادة من حرارة العناق حيث أنَّ الذكر الممثل لدور الأنثى يحظى بعناق أكثر ومكان أكثر تغطيةً في كرة التزاوج بالإضافة إلى حمايته بشكل أكبر من المفترسين وبفرصة أكبر لسرقة الحرارة من المنافسين. وبالتالي فإن لعب دور الأنثى يعطيه الكفاءة الجسمية الأكبر في ممارسة الجماع.
حالما تخرج الإناث من الجحر تحاول الإبتعاد عن كرات الذكور السّاحقة. وكأنها تترفّع عن مغازلة حشود المعجبين المنتظرة خروجها على باب جحرها. ويعتبر تجنّب الإناث لكرات التزاوج ذو فوائد عدّة؛ فهي تحمي نفسها من السحق تحت أكوام الذكور، وحين الولادة تستطيع تأمين مكانٍ مناسب لتوضّع صغارها وحمايتها من المفترسات، وأن تحافظ على أكبر كمية من الحيوانات المنوية ( حيث تقوم الأنثى بالإحتفاظ بالحيوانات المنوية من أكثر من ذكر ، وهناك دراسات اقترحت بأنَّ هذه الإناث تمتلك آلية تساعدها في إختيار الحيوانات المنوية الأفضل من أجل عملية الإخصاب).
وقد تساءلت بعض الدراسات الحديثة ما إذا كانت هذه الممانعة التي تظهرها الإناث والنأي بنفسها عن تجمعات الذكور هو نوع من الإنتخاب الطبيعي، كأن تعطي الوقت الكافي للذكور للتنافس وبالتالي وصول الذكور الأفضل للتزواج، أو هو نوع من الهروب وتجنب المضايقات. وقد خلصت الدراسة إلى أن السبب الثاني هو المرجح حيث تشمل المضايقات التي تتلقاها الإناث من وجود الذكور العملاقة التي قد تسبب للأنثى نقصاً في التنفس وقد تلقى حتفها أيضاً فمن الحب ما قتل!
وبما أنَّ الذكور تقوم بعملية التزاوج أكثر من مرة وهذا ما يتطلب منها البقاء على باب الجحر لأطول فترة ممكنة بدون أيّ تغذية بحثاً عن الإناث غير المتزاوجة، وبالتالي تكون فرص النجاح أكثر للذكور العملاقة التي تعتمد على المخزون الذي احتفظته في أجسامها من العام السابق وهي التي تتمكن من البقاء لأطول فترة ممكنة.
عموماً تتكاثر إناث الأفاعي مرتين خلال العام ومع ذلك فإنَّ طرق الإنجاب تختلف بين الأنواع؛فبعض الأفاعي تلدُ صغاراً يافعة( من 1- 150 كل مرة) وفي أنواعٍ أخرى تضع البيوض (من 1-100 بيضة كل مرة)، وفي أنواعٍ أخرى تقوم الإناث بالجمع بين الطريقتين والاحتفاظ بالبيض بداخلها حتى يفقس.
ومن الممتع معرفة أنّ الإناث تزداد جاذبيةً كلما زاد عدد الذكور التي تتغزل بهنَّ، وكلما كانت كرة التزاوج تحوي أعداداً أكبر من الذكور كلما اشتدت المنافسة وأصبح الحصول على الأنثى أمراً صعباً حيث تقوم بمحاولات أكبر لجذبها بسبب عدد المتنافسين.
المصادر
هنا
هنا
هنا