"دوامة العنف" حقيقة أم مبالغة؟
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
يُشير مفهوم "دوامة العنف" إلى أنَّ الأشخاص الذين تعرّضوا للعنف الجسدي أثناء طفولتهم هم أكثر عرضةً لإيذاء أولادهم جسدياً. في 27 مارس 2015، أُجريت دراسة كبيرة ومطوّلة تستعرض بعض الأدلة على وقوع دوامة العنف وكيفية معاملة الأشخاص ضحايا العنف الجسدي لأطفالهم. ويُشير ذلك إلى أنَّ الاعتداء الجنسي والإهمال قد يتم توراثه عبر الأجيال.
تُشير البيانات الجديدة التي تتحدّى دوامة العنف إلى أنّ الأطفال الذين يتعرّضون إلى اعتداءات جسدية؛ سوف يسيئون معاملة أطفالهم في وقتٍ لاحق عندما يصبحون آباء وأمهات.
غالباً ما يعتمد الباحثون على الحوادث التي حصلت في سنواتٍ لاحقة؛ دون الوصول للسجلات االرسميّة، كما أنَّها تقتصر على دراسات صغيرة المدى، تشمل عينات صغيرة العدد.
وتقول عالمة النفس Cathy Spatz Widom من جامعة نيويورك: " تأتي هذ الدراسات بنِسَب تقديرية للآباء والأمهات الذين تعرّضوا إلى اعتداءات جسدية في طفولتهم وأيضاً اعتدوا على اطفالهم بنسبة تبدأ من 7% وتصل إلى 70% كحد أقصى."
في عام 1986؛ قامت Widom بإطلاق حملة مليئة بالحماس والطموح لتوثيق الإعتداء على الأطفال مروراً بمئات الأشخاص لعدّة سنوات. قامت فيها بالاطلاع على سجلات المحاكم إنطلاقاً من العواصم الكبرى في الوسط الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية. ثم قامت بتحديد 908 تقارير عن الاعتداء الجسدي والجنسي والإهمال بين عاميّ 1967-1971 وتعقّب الضحايا الذين تعرضوا للعنف الجسدي من عمر الرضاعة حتى 11 عاماً. قامت Widom بمتابعة هؤلاء الأفراد ومقارنتهم بمجموعة مرجعية محددة ومُطابِقة تتكون من أطفال لم يتعرّضوا للاعتدائات االجسدية؛ فوجدت أنّ خطر العنف والانحراف للأطفال المُعتدى عليهم كان أقل بكثيرٍ مما توقّعه الكثيرون.
كان على فريق Widom أن ينتظر 30 عاماً لاختبار الأطفال المُعتدى عليهم فيما إذا كانوا سيصبحون آباء وأمهات مُعتدين، أي أنَّهم انتظروا حتى يصبح متوسَّط عمر الأطفال الذين كانوا موضوع الدراسة حوالي 47 عاماً. بحلول ذلك الوقت كان نصف العدد قد ترك الدراسة، ولكنّ الجماعة الأصلية قامت بإنجاب مايقارب 700 ابناً، والآن أعمارهم هي حوالي 22 عاماً. لدراسة ماحدث خلال طفولة هؤلاء الأبناء، قام الباحثون بمسح وثائق وسجلات المحكمة لدى وكالة خدمات حماية الطفل الأميركية CPS، وهي وكالة حكومية تستجيب لتقارير العنف ضد الأطفال وإساءة معاملتهم وتجاهلهم، قاموا بتوظيف مسَّاحين لإجراء أكثر من 1400 مقابلة واسعة النطاق مع كل الأجيال.
كُلَّما توالت البيانات؛ ظهرت قصة معقّدة، حيث أظهرت البيانات أنَّ ما يُقارب خُمس الآباء والأمهات الذين قد تعرّضوا لأحد أشكال الإساءة والعنف نقلوه لأولادهم ومارسوا عليهم العنف أيضاً، وهذه النسبة هي حوالي ضعف المُعدَّل الطبيعي للمجموعة المرجعية التي لم تتعرَّض للعنف.
كانت هذه النتيجة شاملة لجميع أنواع العنف بشكلٍ عام، ولكن حين قام الباحثون بفصل أنواع العنف كلٌ على حدّة، ظهرت نتائج مغايرة تماماً؛ وفقاً لبيانات وكالة خدمات حماية الطفل؛ كان الأطفال الذين تعرّض آبائهم للعنف الجسدي أقل خطراً من التعرض للاعتداء الجسدي من المجوعة المرجعية، وهو الاكتشاف الذي يتناقض بشكل مباشر مع "دوامة العنف".
أما بيانات الاعتداءات الجنسية والإهمال، فقد كانت قصة مختلفةً تماماً، حيث أظهرت البيانات أنَّ الأطفال الذين يعيشون مع آباء وأمهات سبق لهم أن مرّوا بتجربة التعرض للاعتداء الجنسي أو الإهمال هم أكثر عرضة للاعتداء الجنسي والإهمال من قبل أهلهم مقارنة مع الأطفال الآخرين. قدّمت وكالة خدمات حماية الأطفال تقارير عن الاعتداء الجنسي بنسبة 3.4%من المجموعة المرجعية، و 7.7% من المجموعة التي تنتمي لآباء وأمهات تعرضو سابقاً للاعتداء، بينما كانت التقارير التي تتعلق بالإهمال بنسبة 9.5% من المجموعة المرجعية و 18% من المُعتدى عليهم. لم تُظهر الدراسات أنَّ تعرّض الوالدين لاعتداء سابق هو المسؤول/السبب المُباشر لاعتدائهم على أطفالهم). ظهرت اتجاهات مماثلة من المقابلات؛ يقول Kohl: "سواء كان سجلّ الطفل أو الأم أو وكالة حماية الأطفال فأنت لن ترى آثار انتقال الاعتداء الجسدي، ولكنك سترى توارثاً كبيراً عبر الأجيال المتعرّضة للاعتداءات الجنسية والتجاهل".
قامت الدراسة بمواساة ضحايا الاعتداء الجسدي، وتقديم الإرشادات للقضاة والمستشارين المعنيين في قضايا حضانة الأطفال. تقول Joan Kaufman : "يعتقد الكثير من الناس الذين لديهم تاريخ من الاعتداء الجسدي أنّهم يصبحون أقل تأهيلاً لأن يصبحوا آباء وأمهات ولكنّ دوامة العنف ليست حتميّة عليهم".
تسلّط الدراسة الضوء على على أنواع مختلفة من التحيّز المحتمل ضد الآباء والأمهات إضافة إلى وجود سجل رسمي من تعرضهم للعنف الجسدي كأطفال. يقول الخبراء الذين قاموا بمسح البيانات أنَّ نسبة الأطفال الذين تعرّضوا لعنفٍ جسديٍّ من قِبل والديهم تساوي 2.5 ضعفاً وهم أكثر عرضة لإبلاغ وكالة خدمات حماية الطفل مقارنةً بالمجموعة المرجعية التي اعترفت بإيذائها لأطفالها، أو الأطفال الذين قاموا بالابلاغ عن تعرّضهم لعنف جسدي من قِبل والديهم.
يُشير هذا التفاوت إلى أنَّ الآباء والأمهات المعروفين مسبقاً لدى النظام (العدالة) كضحايا للعنف؛ هم أكثر ميلاً لأن يكونوا ضعفاء ويشعروا بالتدهور كأشخاص مسيئين/عنيفين عن طريق برامج الخدمة الاجتماعية. كمات تقول Widom.
يقول دودج: " من المعقول تماماً أنَّ سوء معاملة الآباء المسبق لأبنائهم هو أكثر شدةً، وإزماناً ووضوحاً، وبالتالي فهو أكثر عرضة للكشف عن غير المطلعين على سجلات وكالة خدمات حماية الطفل. ولكن كول يتفق مع ما خلصت إليه الدراسة من التحيّز: "في الواقع هذا يوحي بنوع من التحيّز عندما يكون هنالك أُسر معروفة مسبقا من قبل النظام الذي يسجِّل هذه الحالات".
العديد من حالات الاعتداء والعنف في عائلات أخرى قد تكون مراوغة دون أن يلاحظها أحد. تقول Widom: " نحن حقاً بحاجة إلى تركيز جهودنا على منع هذا العنف من خلال تشجيع رفاهية الأطفال وبناء أُسرٍ قوية".
المصدر: هنا