أحمر الشفاه.. ما السرُّ وراء الجاذبية؟
الكيمياء والصيدلة >>>> مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة
فنتيجة لتأثيره القوي في شكلنا وقدرته على الجذب والإغراء؛ قد لاقى أحمر الشفاه اهتمامًا كبيرًا من مُبتكري الموضة وغيرهم من القوى العاملة في عالم التجميل.
تطور أحمر الشفاه التاريخي بين العصور الأوروبية الوسطى والحضارات الشرقية:
في أثناء معظم العصور التاريخية الوسطى المظلمة في أوروبا؛ عدَّت المجتمعاتُ الطبية العامة أحمرَ الشفاه وغيره من المستحضرات التجميلية التي تُغيِّر المظهر تغيرًا كبيرًا غيرَ صحية؛ إذ اعتقدوا بأنها تمنع الدوران الدموي الطبيعي للوجه.
في حين لا ينطبق الأمر على الحضارات الآسيوية والشرق أوسطية؛ فقد عمل الكيميائيون بلا كللٍ لإيجاد وصفات للمستحضرات التجميلية المتنوعة التي غيَّرت هيئة حضارات بأكملها وشكلها.
وقد ابتكر الإنسان أحمر الشفاه الذي صنعه من مصادر غير طبيعية مباشرة (ويُقصد بالطبيعية كالفواكه وعصير الفواكه) في بلاد ما بين النهرين التي تُعرف اليوم بالعراق قبل 5 آلاف عام؛ فقد طحنت النساء الأحجار الكريمة وشبه الكريمة إلى مسحوق يُطبَّق بعناية على الشفاه والجفون.
في حين كان تطور صناعة أحمر الشفاه الأكبر قد حدث في مصر القديمة؛ إذ تقبَّل سكانها جميعًا المستحضرات التجميلية، ليس فقط وسيلةً للتجميل؛ بل لحماية أنفسهم من الشمس الحادَّة والرياح الصحراوية أيضًا، وأصبح أحمر الشفاه جزءًا من لباسهم اليومي. فاستخلصوا في البداية تركيبة أحمر الشفاه من الطحالب البحرية واليود ومانيت البروم، ثم -ونتيجة لكون هذه التركيبة سامَّة جدًّا- وجدوا أخيرًا طريقة لاستخلاص اللون الأحمر القرمزي من الخنافس والنمل، وكانت كليوباترا الشهيرة تُشاهَد دائمًا بشفاه حمراء اللون.
على العموم؛ حدث الانتشار الشعبي لأحمر الشفاه أخيرًا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما أنهت الثورة الصناعية وظهور الأفلام والتصوير موضةَ العصر الفيكتوري.
تركيبة أحمر الشفاه الكيميائية الحالية:
تُعطى تركيبة أحمر الشفاه العادية في المخطط المرفق؛ ولكنها في الحقيقة تختلف اختلافًا واسعًا من منتج إلى آخر. وتُشكِّل الزيوت والشموع عمومًا معظم تركيبة أحمر الشفاه.
وربما تكون الشموع هي الأكثر أهمية لكونها أساسية في بِنية أحمر الشفاه وشكله؛ إذ يمكن استخدام مدى واسعًا من الشموع الطبيعية كشمع العسل الذي يُعدُّ عاملًا رئيسًا ويتركَّب مما يُقارب 300 مركب كيميائي مختلف، ومكوِّنه الرئيس هو الإستر الذي يُشكِّل قرابة 70% من التركيبة، وتشمل الـ 30% المتبقية حموض عضوية وهيدروكربونات.
نوعٌ آخر من الشموع المستعملة هو شمع الكارنوبا carnuba الذي يمكن الحصول عليه من نخيل الكارنوبا البرازيلي، ويمتلك أعلى نقطة انصهار لأي شمع وذلك عند الدرجة 87° تقريبًا؛ فتضمينه في الوصفة يعطي أحمر الشفاه الخصائص المفيدة لعدم ذوبانه في الشمس مقارنة بنقاط الانصهار المنخفضة للشموع الأخرى المستخدمة.
ويمكن أيضًا إدخال شمع الفربيون Candelilla الذي يمكن الحصول عليه من شجرة الفربيون المكسيكية، إضافة إلى اللانولين؛ وهو شمع يُفرَز من غدد الحيوانات الصوفية.
تقدِّم هذه الشموع -إضافة إلى بِنية أحمر الشفاه الرئيسية- خصائص أخرى مفيدة؛ فقد تعمل بوصفها عوامل استحلابية تساعد على ربط المكونات الأخرى وتُحدث اللمعان عند التطبيق على الشفاه.
وإضافة إلى الشموع؛ فإن الزيوت تعدُّ مكونًا آخر مهمًّا لأحمر الشفاه. وأكثرها استخدامًا هو زيت الخروع الذي يُشكِّل النسبة الأكبر من أحمر الشفاه غالبًا. كذلك يمكن استخدام زيوت أخرى كزيت الزيتون والزيوت المعدنية. وتعطي الزيوت أحمرَ الشفاه خصائص البشرة المُطرِّية والمنعِّمة وتجعل تطبيقه أكثر سهولة وتضيف اللمعان إلى مظهره، ثم إنها تعمل مُحِلَّات للأصباغ المنحلَّة المستخدَمة في أحمر الشفاه أو عوامل مبعثرة للأصباغ غير المنحلَّة.
وعلى الرغم من أن هذه الأصباغ -بنوعيها المنحلَّة وغير المنحلَّة- تُشكِّل نسبة صغيرة من تركيبة أحمر الشفاه؛ لكنها وبكل تأكيد تُعدُّ الأكثر أهمية، فتقدِّم لون أحمر الشفاه المطلوب.
الأصباغ غير المُنحلَّة pigments: هي مركبات ملونة غير منحلَّة. في حين تُعرف الأصباغ المنحلَّة dyes بكونها سائلة بحدِّ ذاتها أو منحلَّة، وتختلف الطريقة التي تقدّم بها اللون بين هذين النوعين.
ويُعدُّ الأحمر القرمزي أو ما يعرف بحمض الكارمينيك carminic acid صباغًا أحمر شائعًا pigment يُشتقُّ من الخنفساء القرمزية؛ وهي حشرات متنوعة تعيش على الصبار. ويُحضَّر عن طريق غلي أجساد الحشرات في الأمونيا أو محلول كربونات الصوديوم ثم تنقيتها وإضافة سلفات الألمنيوم بوتاسيوم المائية (تعرف غالبًا باسم الشبّ).
مكوِّنٌ آخرٌ ضروريٌّ لتشكيل اللون هو الإيوزين؛ وهو صباغ يُغيِّر لونه بسلاسة عند تطبيقه، فيكون لونه في أحمر الشفاه أحمر مع مسحة زرقاء خفيفة، وعند وضعه يتفاعل مع المجموعات الأمينية الموجودة في بروتينات البشرة؛ ويؤدي هذا التفاعل إلى زيادة حِدَّة اللون فيصبح اللون أكثر عمقًا.
وفائدة أخرى لهذا التفاعل؛ هي جعله الصباغَ صعب المحو، ثم إنه أطول بقاء. وإضافة إلى ذلك؛ فإن هذه الأصبغة تُناسب الفكرة الشائعة بأن وظيفة أحمر الشفاه الرئيسة هي تعزيز احمرار الشفاه الطبيعي بدلًا من إعطائها لونًا صناعيًّا.
يمكن إضافة العديد من المركبات الأخرى بكميات قليلة لتوفير الخصائص المرطّبة أو لتأمين عطر مُحبَّب يقنّع روائح المركبات الأخرى المشكِّلة لأحمر الشفاه.
ومن المكونات المثيرة للاهتمام الكابسائيسين؛ وهو المكون الكابسائيسونيدي في الفلفل الحار ويكون مسؤولًا على نحو كبير عن الطعم الحار. ويوجد أحيانًا في أحمر الشفاه، ويعود سبب وجوده إلى قدرته على العمل مهيِّجًا جلديًّا ثانويًّا مُساعدًا على جعل الشفاه أكثر امتلاءً.
بالطبع؛ لا يعدُّ اللون الأحمر لونَ أحمر الشفاه الوحيد! ولتحقيق المجال الواسع من الألوان المتوافرة في يومنا هذا؛ توجد أصباغ أخرى متنوعة تنوعًا واسعًا؛ إذ تُضاف مركبات أخرى لتعديل حِدَّة لون الأصبغة الأحمر مثل أكسيد التيتانيوم (وهو مركب أبيض عند عزله، يُزاد إلى الأصباغ الحمراء بكميات مختلفة لإنتاج المدى الواسع من اللون الوردي المُستخدم في أحمر الشفاه).
- ولكن؛ هل يُعدُّ أحمر الشفاه مركبًا آمنًا 100%؟
تبيَّن للعلماء بأن أحمر الشفاه ومُلمِّع الشفاه يُؤديان إلى أكثر من مجرَّد شفاهٍ جميلةٍ وجذَّابة؛ فتبعًا لدراسة أُجريت أكَّدوا احتواء هذه المنتجات على الرصاص والكادميوم والكروميوم والألمنيوم وخمسة معادن سامَّة أخرى.
وقد فحص فريق من الباحثين 32 منتجًا مختلفًا من أحمر الشفاه والمُلمِّعات التي تُباع على نحو شائعٍ في متاجر الأدوية العامة، وكُشِفَ عن بعض المعادن بمستويات قد تؤدي إلى ظهور مخاوف صحية محتملة.
وحسب هذه الدراسة؛ لم يكن هناك لون مُعيَّن يحتوي على المعادن الثقيلة أكثر من غيره، كذلك لم تحتوِ الملمِّعات على نِسَب أكبر من أحمر الشفاه. ويُذكر بأن الكروميوم قد رُبِط مع حدوث أورام المعدة، ورُبطت أيضًا مستويات المنغنيز المرتفعة مع مشكلات الجهاز العصبي.
ثم إن هيئة الغذاء والدواء (FDA (Food and Drug Administration قد درست محتوى أحمر الشفاه من الرصاص وقرَّرت بأن الكميات الموجودة لا تُشكِّل تهديدًا على الصحة العامة، ويُشكِّل الطعام مصدرًا رئيسًا للكثير من هذه المعادن الموجودة طبيعيًّا والتعرُّض لها في منتجات أحمر الشفاه يُعدُّ أقلَّ بكثير عند المقارنة.
ونهاية؛ فإن وجود المعادن الثقيلة في أحمر الشفاه لا يزال يثير الاهتمام على نحو منطقي، وخاصَّة مع عدم معرفة مستوى التعرض الآمن للرصاص على سبيل المثال، وعليه فهناك توجُّه عالمي لإيجاد حدود للمستويات المعيَّنة من المعادن في أحمر الشفاه.
وتنتج في وقتنا الحالي كثير من الشركات أحمرَ شفاه خاليًا تمامًا من الرصاص لطمأنة مخاوف المستهلكين، ولكن؛ يبقى الحذر سيد الموقف في اختيار النوع المناسب من أحمر الشفاه، فالحصول على الجاذبية والجمال ليس بالأمر البسيط ولا يأتي دون ثمنٍ باهظٍ ندفعه بنقودنا وصحتنا على حدٍّ سواء.
المصادر :
هنا
هنا
هنا
هنا