شفاء تام من مرض الفصام؟!
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
نحن لا نتكلم هنا عن ضرب من ضروب الخيال، هذا البحث يُسلط الضوء على الجانب الذي لا يتطرق إليه الطب النفسي على الإطلاق..
يخلُص هذا البحث إلى أن الشفاء من مرض الفصام ليس فقط أمرا ممكنا بل هو أمرٌ شائع وفي متناول اليد،خاصة في البلاد الأكثر فقرا كالهند وكولومبيا ونيجيريا وحتى في بلاد تتبع علاجات نفسية غير تقليدية كمنهجية الحوار المفتوح (Open Dialogue Approach )كتلك المستخدمة في لابلاند في فنلندا.
نُقدم بحثا لرسالة دكتوراة من جامعة Saybrook عن مرضى الفصام ممن شُفيوا تماما من مرضهم وممن يُمارسون حياة طبيعية تماما خالية من العلاجات الدوائية وتأثيراتها الجانبية ، بعد أن تم تشخيصهم بمرض الفصام واضطرابات ذُهانية أُُخرى.
يُعتبر موضوع الشفاء التام من مرض الفصام أمرا غير محسوم بعد، وذلك يعود إلى أن الغرب لا يزال غير مقتنع بأن الشفاء الحقيقي التام من مرض الفصام هو أمر ممكن بالرغم من ظهور أبحاث لا يُستهان بها تثبت عكس ذلك.
في هذا البحث سنستعرض أهم خمسة عوامل ساهمت في عملية الشفاء التام لمرضى الفصام ممن شاركوا في هذه الدراسة.
العامل الأول: الأمل بأن الشفاء التام هو أمر ممكن جدا: عبر المشاركون في ثلاث دراسات قمنا ببحثها أن الخطوة الأولى و الأهم في رحلة الوصول للشفاء التام هي الإيمان والقناعة التامة بأن الشفاء من هذا المرض هو أمر محتمل وممكن جدا، فمن خبرتهم الشخصية ولتعزيز هذه القناعة وجعلها أمرا واقعا لطالما كانوا قادرين على كسر حاجز اليأس الذي عادة ما يكون وليد الجو المحيط الذي يبث السموم والأكاذيب والاعتقادات الخاطئة التي زُرعت عنوة في عقولهم ونفوسهم خلال تلقيهم للعلاج النفسي التقليدي، وهذا يقودنا للعامل الثاني....
ألا وهو الوصول لفهم طبيعة مرضهم فهما مختلفا تماما عما هو معتاد عليه، فقد طور كل المشاركين فهما جديدا يبعث على الأمل عن التجارب الذُهانية التي مروا بها وصولا لرؤية مرضهم رغم خطورته ومباغتته على أنه حالة طبيعية،كآلية للتكيف مع مرضهم أو حتى للتغلب عليه في عالم يجدونه لا يُطاق ولا يُحتمل بالنسبة لهم.
العامل الثالث: البحث عن هدف ومعنى للحياة:
عبر جميع المشاركين عن أهمية ربط حياتهم بهدف ونشاطات تجعل حياتهم ذات قيمة –والتي كانت بمثابة الحافز والمحرك ليستقبلوا كل يوم برحابة صدر ويوجهوا طاقاتهم في الطريق الصحيح ليعيشوا حياة منتجة لطالما كانوا يتوقون لامتلاكها، وهذا يتضمن بشكل أساسي التغلب على ما يكبح طاقاتهم و رؤيتهم الإيجابية، ألا وهو العلاج التقليدي الذي دأبوا على تلقيه لسنوات بشكل أساسي-تأثير العقاقير الدوائية المثبطة للطاقة(خاصة مضادات الذهان) و عدم الإصغاء للنصائح المعتادة بالتزام الراحة وتجنب ما يثير القلق أو الارهاق بأي شكل من الأشكال.
العامل الرابع: السلام الداخلي والتصالح مع الذات
أخبر المشاركون عن أهمية التواصل مع ذواتهم والاستجابة لمشاعرهم الداخلية واحتياجاتهم وقدرتهم على السيطرة والتحكم وإدارة أنفسهم، ومجددا عرجوا على دور العلاج التقليدي كونه كان عائقا لحصول ذلك سواء الصراعات النفسية الناجمة عن اعتقادهم بإصابتهم باضطراب دماغي وأيضا من تأثير العقاقير الدوائية المضادة للذُهان التي تهن من العزيمة وتُثبط الهمة.
العامل الخامس: التعامل مع/مواجهة علاقاتهم العاطفية :
عبر المشاركون عن أهمية التعامل مع علاقاتهم العاطفية، كإصلاح العلاقات العاطفية التي تحمل تأثيرا سلبيا على حياتهم أو حتى إقصاء أنفسهم عن هكذا علاقات ومحاولة بناء علاقات متينة أفضل ، فالجميع أجمع على أن العلاقات العاطفية السيئة كان لها التأثير الأكبر في جعلهم أكثر قابلية للإصابة بالمرض أو الانتكاس من جديد، لذا التعامل مع مشكلاتهم العاطفية كان في غاية الأهمية فالعديد عبر عن امتنانه لمعالج أو صديق قدم يد العون لهم بهذا الخصوص.
عندما ننظر إلى حصيلة عوامل الشفاء التي تم ذكرها آنفا نجد أن نموذج العناية السائد لمرضى الذهان أو الفصام لا يصب في مصلحة المريض وشفائه، فهو يشكل حجر عثرة أكثر من كونه ذو نفع وفائدة للمريض، لذا يجب علينا أن نقف تحديدا عند جانبين اثنين من جوانب نموذج الرعاية السائد لمرضى الفصام ونحاول أن نعيد النظر فيهما بشكل جدي:
أولا: بالرغم من الاعتقاد السائد بضرورة الالتزام بالعلاج الدوائي مدى الحياة(الأدوية المضادة للذهان ومثيلاتها من أدوية نفسية تحمل نفس التأثير)، إلا أن العديد من الأبحاث التي ظهرت مؤخرا تُظهر عكس ذلك. فهذه الدراسة ودراسات مهمة أُُخرى تركز على متابعة حياة عدد معين من مرضى الفصام بأسلوب متجرد(بشكل موضوعي و دون التدخل في حياتهم) ببساطة من خلال السماح لهم بالعيش بالطريقة التي يحبذونها ومنحهم حرية اختيار نوع العلاج الذي يفضلونه، وبعد 15 عاما وجدت أن نسبة 44% ممن توقفوا عن أخذ أو تناول الأدوية المضادة للذهان بملء إرادتهم عاشوا حياة صحية وسوية بشكل كامل مقارنة بنسبة 5% ممن كانوا منقادين للالتزام بالوصفة الطبية، هذا بفارق تسعة أضعاف تقريبا لصالح المرضى الذين توقفوا عن الأدوية المضادة للذهان، كما أظهرت دراسات قامت بها منظمة الصحة العالمية في ما يدعى بالدول المتنامية-التي يكون فيها استخدام العقارات المضادة للذهان نادر جدا- أظهرت بأن نسبة أكثر من النصف ممن شُخصوا بمرض الفصام يُمارسون حياة طبيعية مقارنة بنسبة الثلث ممن يقطنون في الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتقدمة التي يكون فيها استخدام العقاقير أمرا أكثر شيوعًا.
إذا نحن حقيقة في مشكلة حقيقية فمن جهة إنه لأمر بالغ الخطورة إسداء النصح لمن شُخصوا بمرض الفصام بضرورة تجنب أو الامتناع عن تناول هذه الأدوية بل إن مجرد الإشارة أو ذكر هذا الاحتمال لهو من أسوأ أشكال المحظورات في مجال الصحة النفسية، لكن من جهة أُُخرى هذا ما يدعو إليه هذا البحث بالتحديد ، لكن هذا البحث يُظهر أيضا أن إيقاف الأدوية ذات التأثير القوي هو أمر محفوف بالمخاطر وينبغي أن يتم بالتدريج وتحت إشراف طبيب مختص..
أما الجانب الآخر المثير للجدل فيما يتعلق بنموذج العلاج السائد لمرضى الفصام هو المحاولة الحثيثة لإقناع المريض بأنه يعاني من مرض دماغي والشفاء منه شبه مستحيل، إلا أن الحقيقة هي أن فرضية المرض الدماغي لازالت غير مثبتة و غير مبرهنة بعد، والحقيقة أيضا أن الشفاء التام والمطلق هو أمر شائع ومألوف وأن حالة اليأس التي تعتري المريض هي وليدة هذا الاعتقاد الذي غالبا ما يقود إلى نبوءة ذاتية محققة-فيبدو من الصعب التماثل للشفاء حينما تكون فاقدا للقناعة أن هنالك أدنى احتمال لحدوث ذلك...إذا مع أخذ هذه النقاط في الحسبان فقد بات واضحا أننا بحاجة لأن نعيد النظر بنسبة أضرار و فوائد أن نزج هذه المعتقدات في قلوب وعقول الناس ، وما هي حتى تبعات الاستمرار في القيام بذلك.
إذا نجد أنفسنا عند مفترق طُرق فيما يخص علاج مرضى الفصام ومرضى الأمراض الذُهانية الأُُخرى، والأمر يعود لنا كأفراد إما أن نختار الطريق السهل(الأقل صعوبة) الذي لا يتطلب منا المقاومة أو بذل بعض من الجهد، فنتجاهل نتائج الأبحاث الجديدة التي لا يُستهان بها فنمضي قدما بتلقي العلاج المعتاد ونستمر في هذه الحلقة المفرغة نسدد النفقات الباهظة لهذا العلاج(الآثار السلبية) التي يتكبدها المجتمع والمرضى وعائلاتهم،أو يمكننا أن نقبل بالتحدي فنعتنق و نقبل ونُسلم بصحة أبحاث الشفاء حديثة الظهور وماترمي إليه وهذا الطريق يتطلب حتما اصلاحا جذريا لنظام الرعاية النفسية لكن أيضا يفتح بابا جديدا لنتائج ايجابية في غاية الأهمية لمرضى الفصام، وبالإضافة لذلك يحد من العبء المُلقى على المجتمع باعتبار أن نسبة كبيرة من الأشخاص يتماثلون للشفاء ويستعيدون القدرة على الاهتمام بأنفسهم ورعايتها..وفي النهاية الخيار خيارنا..
المصدر: هنا