الميثولوجيا الإغريقية .. أمجاد اليونان و ملاحم الآلهة ... الجزء الثالث
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
توقفنا في الأسبوع الماضي عند تعريف عصر الأبطال، واليوم سنكمل عند نماذج عن هؤلاء الأبطال.
أولاً: هيراكليس:
يعتقد بعض الباحثون أن وراء الأساطير المعقدة الخاصة بهيراكليس رجل واقعي ، ربما زعيم إقطاعيات في آرغوس . وفسر باحثون آخرون أن ميثولوجيا هيراكليس هي كناية عن مرور الشمس بكوكبات دائرة البروج الاثني عشر . وهناك مجموعة ثالثة تعتقد بأن أصل الميثولوجيا من حضارات أخرى ، فتصبح قصة هيراكليس نسخة محلية لأساطير بطل موجودة سابقاً . هيراكليس ، هو ابن زيوس وألكميني الفانية، حفيدة بيرسيوس. وفرت مآثره الفردية المتسمة بمظاهر قصص الفلكلور المواد الأساسية لاعتباره أسطورة شعبية . وصف بأنه مستعد للتضحية بنفسه ، محارب ذو قوة جسدية كبيرة وشجاعة فائقة ، بارع باستخدام السيف والترس، مما جعله متفوقاً على الرجال الفانين . أما بالنسبة للمظهر الخارجي، فكان يمثل دوماً مع لحية، جلد أسد وهراوة في يده، وعضلات كبيرة في ساعديه وساقاه.
كتب يوربيديس التراجيديا هرقل ، التي تتحدث عن ميثولوجيا البطل ، وتكشف معاناته ، واستعداده للانتحار ، لكن من شجعه على العيش هو صديقه ملك أثينا ثيسيوس. كما حكى سوفوكليس عن هيراكليس في مسرحيته التراكينياناس.
وصل هيراكليس إلى ذروة مستواه الاجتماعي عند تعيينه لجد الملوك الدوريون . مما شرع الهجرات الدورية إلى بيلوبونيز . هيلوس ، البطل الإغريقي المسمى على اسم قبيلة دورية ، الذي أصبح هيراكليداي (المنحدرون من هيراكليس) غزا الهيراكليديون الممالك البيلوبونيزية ميكينيس، آرغوس و أسبرطة ، مدعين حقهم بالحكم لانحدارهم من هيراكليس . يدعى صعودهم إلى السلطة ب"الغزو الدوري". أصبح حكام هذه المناطق من الليديين والمقدونيين هيراكليديون أيضاً .
مع أن هيراكليس مات بسبب جانبه البشري الموروث من أمه ألكميني ، يؤمن بعض الإغريق مثل بندار الذي سماه "إله بطل" ، أن بسبب جانبه الإلهي المنحدر من زيوس، صعد إلى أوليمبوس وأصبح إلهاً .
يوجد لدى أول أجيال الأبطال مثل بيرسيوس ، بيليروفون ، ثيسيوس و ديوكاليون صفات مشتركة كثيرة مع هيراكليس . فمثله ، كانت مآثرهم فردية و رائعة و تعد حكايا خرافية، مثل قصصهم عن قتل وحوش شيمر وميدوسا. كما تبنى معظم قصص الأبطال على إسناد الأبطال لمهام موتهم فيها شبه مؤكد ، مثل قصص بيرسيوس وبيليروفون.
ثانياً: بحارو الأرغو:
الأرغوناوتيكا، من كتابة أبولونيوس، هي الملحمة الهلينية الوحيدة التي نجت حتى يومنا هذا . تحكي الملحمة قصة رحلة جاسون و الأرغوناوتس لاسترجاع الصوف الذهبي من كولخيس . أرسل الملك بيلياس جاسون لأداء المهمة ، الذي تلقى نبوءة أن رجل يلبس صندل واحد سيكون عدوه . يخسر جاسون صندلاً في نهر، ثم يذهب إلى قصر بيلياس، وتبدأ الملحمة. رافق جاسون تقريباً كل أبطال الجيل التالي، منهم هيراكليس، في سفينة الأرغو، لاسترجاع الصوف الذهبي. ضمت أيضاً المجموعة ثيسيوس، الذي سافر إلى كريت لقتل المينوتور؛ أتالانتا، البطلة الأنثى. يعطي بندار، أبولونيوس وبيبليوتيكا قائمة أسماء البحارين كاملة .
ثالثاً: منزل أتريوس وملاحم ثيفا:
ولد بين الأرغو وحرب طروادة ، جيل عرف بجرائمه البشعة . مثل أفعال أتريوس وثييستيس في آرغوس . تقع وراء ميثولوجيا بيت أتريوس، مشكلة انتقال السلطة. يلعب التوأم أتريوس وثييستس مع أحفادهم الدور الرئيسي في تراجيدية انتقال السلطة في ميكينيس .
تتعامل ملاحم ثيفا مع قدموس بشكل خاص ، مؤسس ثيفا ، كما تتحدث عن أفعال أوديب ولايوس في ثيفا ، وهي مجموعة قصص تنتهي بنهب المدينة على يد السبعة ضد ثيفا والإبيغونيون. (من غير المعروف إن ظهر السبعة ضد ثيفا في ملحمة من قبل.) ظل أوديب ملكاً لثيفا بعد اكتشافه أن يوكاستا هي أمه. تزوج بعد ذلك امرأة أخرى لتكون أماً لأولاده.
رابعاًّ: حرب طروادة:
يغضب آخيل بسبب تهديد أجاممنون بالاستيلاء على غنيمة آخيل ، برسييس ، ويسحب سيفه لقتل أجاممنون ، قبل الظهور المفاجئ للإلهة آثينا ، التي تمسك آخيل من شعره لتمنع قتل أجاممنون .
تبلغ الميثولوجيا الإغريقية ذروتها في حرب طروادة ، التي حارب فيها كل من الإغريق والطرواديون ، بما فيها من نتائج . في أعمال هوميروس ، كالإلياذة ، اتخذت القصص الرئيسية شكلاً جوهرياً ، ووضعت المواضيع الفردية لاحقاً ، خصوصاً في الدراما الإغريقية . لحرب طروادة أهمية كبيرة في ثقافة روما القديمة ، بسبب قصة أينياس، بطل طروادي أدت رحلته من طروادة إلى إنشاء المدينة التي عرفت لاحقاً باسم روما، مثلما ذكر في الإلياذة. هناك سجلين زائفين مكتوبان باللاتينية تحت أسماء ديكتيس وداريس .
تبدأ الملاحم الطروادية بالحديث عن الأحداث التي أدت إلى الحرب : إريس والتفاحة الذهبية ، محاكمة باريس ، خطف هيلين ، التضحية بإفيغينيا في أوليدة . بغرض استعادة هيلين ، انطلقت حملة يونانية ضخمة تحت قيادة أخو مينلاوس، أجاممنون، ملك أرجوس أو ميكينيس، لكن رفض الطرواديون إعادة هيلين. تقع أحداث الإلياذة في السنة العاشرة من الحرب، وتحكي عن الخلاف بين أجاممنون وآخيل الذي كان أفضل محارب إغريقي، وعن موت فطرقل صديق آخيل، وهكتور ابن بريام الأكبر. بعد موت هكتور، شارك في الحرب لصالح الطرواديون ، بينثيسيليا ، ملكة الأمازونيات ، وممنون ، ملك الإثيوبيين وابن إلهة الفجر إيوس . تمكن أخيل من قتلهما ، لكن قبل أن يتمكن باريس من قتله بسهم في كعبه. كان كعبه هو الجزء الوحيد من جسمه الذي لم يكن منيعاً ضد أسلحة البشر.
ليتمكنوا من السيطرة على طروادة، سرق الإغريق من القلعة الصورة الخشبية لبالاس آثينا. ثم تمكن الإغريق بمساعدة آثينا من بناء حصان طروادة. بالرغم من تحذيرات كاساندرا ابنة بريام، تمكن سينون (يوناني زيف فكرة الهرب) من إقناع الطرواديون على إدخال الحصان إلى داخل جدران طروادة كهدية لآثينا؛ قتلت أفاعي البحر الكاهن لاوكوئون لمحاولته إحراق الحصان. عاد الأسطول اليوناني في الليل، وفتح اليونانيون الذين اختبئوا داخل الحصان أبواب طروادة. نهب اليونانيون المدن، وقتلوا بريام وأولاده، وبيعت النساء الطرواديات للعبودية في مختلف أنحاء اليونان.
وفرت حرب طروادة مجموعة متنوعة من المواضيع وأصبحت مصدراً أساسياً للاستلهام بالنسبة للفنانين الإغريق ( مثل طريقة بناء البارثينون ، تصور نهب طروادة ). يبدي هذا التفضيل لمواضيع حرب طروادة أهميتها الكبيرة لحضارة اليونان القديمة . كما ألهمت الحرب سلسلة من الكتابات الأوروبية اللاحقة . على سبيل المثال ، لم يكن الكتاب الأوروبيون الطرواديون من العصور الوسطى ملمين بأعمال هوميروس ، فوجدوا في أسطورة طروادة مصدراً غنياً بالقصص الرومنسية والبطولية وإطاراً مناسباً لوضع المثل الشهمة واللطيفة الخاصة بهم . وصف كاتبا القرن الثاني عشر بونوا دو سانت-مور وجوزيف إسكانو الحرب من خلال إعادة كتابة النسخة التي وجداها في ديكتيس وداريس، فلحقا بذلك نصيحة هوراس وطريقة ورغيليوس، إعادة كتابة طروادة بدل من شيء جديد تماماً.
- وظيفة البطل ودوره ووظائفه في الأسطورة:
بعد أن فسر الكون، كان على الإنسان أن يفسر وجوده ويفسر حضارته، فكل الإختراعات والتقنيات التي أكتسبها من الطبيعة كانت لا بد أن تنسب إلى أبطال يستحقون العبادة، بل يتحلون بقدرات تفوق قدرات باقي البشر، أي مواهب غير عادية . فغاية وجود هرقل هو حفظ الحياة ، بإنقاذ أرض من يد حاكم ظالم ، ومن ثم تأسيس حضارة لتجديد قدرة الإنسان الروحية و دعمها لتسمو فوق باقي الكائنات الأخرى التي تحركها الغرائز والشهوات والرغبات. أما جلجامش، أحد أبطال الأساطير البابلية ، قاتل الوحوش الجبارة ، تصارع مع ثور كانت عشتار قد أطلقته ضده بعد نفوره منها، فكانت وظيفته كبح جماح الغرائز وإنشاء الحضارة . و هكذا نستطيع القول ان الأبطال كانوا ضرورة ملحة في الميثولوجيا القديمة عموماً و الإغريقية خصوصاً ، سواء كانوا اشخاصاً حقيقيين ام مجرد أساطير لابد أنهم قد خدموا ثقافة هذه الشعوب الى حد بعيد جداً .
سنتوقف هنا عند هذا القدر، تابعونا الأسبوع المقبل سيكون الحديث عن الأفكار التي كونها الإغريق والرومان عن الميثولوجيا.
المصادر:
سليمان، مظهر (2000) أساطير من الغرب. القاهرة: دار الشروق.
سلامة، أمين (1988) الأساطير الرومانية و اليونانية. القاهرة: مؤسسة العروبة للطباع.
زياد، سلهب . رحاب ابو عباس (1998) آثار العصور الكلاسيكية الإغريقية. دمشق: جامعة دمشق.
صليبا، جميل (1994) المعجم الفلسفي. بيروت، القاهرة: دار الكتب اللبناني، دار الكتاب المصري. ج2
كوليت، استييه . عودة، زياد (1989) اسطورة أوديب. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب.
زكريا، فؤاد (1968) أفلاطون: الجمهورية. بيروت: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر.