الميثولوجيا الإغريقية .. أمجاد اليونان و ملاحم الآلهة ... الجزء الرابع
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
ولمن يلتحق بنا للمرة الاولى إليك الأجزاء السابقة:
الجزء الأول:
هنا
الجزء الثاني:
هنا
الجزء الثالث:
هنا
الأفكار التي كونها الإغريق والرومان عن الميثولوجيا:
كانت الميثولوجيا محور الحياة اليومية في اليونان القديمة . اعتبر الإغريق قصص وشخصيات ما ندعوه اليوم بالميثولوجيا تاريخاً حقيقياً . استخدموا الميثولوجيا لتفسير الظواهر الطبيعية ، التغيرات في الحضارة ، الصداقات والعداوات . كما خدمت الميثولوجيا كمصدراً للفخر والاعتزاز بالنسب المنحدر من قادة عظماء ، أبطال ميثولوجيون أو حتى آلهة . قلة هم الإغريق الذين لم يؤمنوا بحصار طروادة ، الإلياذة أو الأوديسة. تبعاً لباحثين، اعتمد الإغريق في بناء حضارتهم على معرفتهم بملاحم هوميروس. فكان هوميروس هو "منهاج تعليم اليونان" و شعره هو "الكتاب"
حب الذات في الأسطورة الإغريقية "الأنانية"
أسطورة نرجس : تحكي الأسطورة الإغريقية عن حورية فائقة الجمال يطلق عليها إسم إخو ، تتميز بنبرات صوت عذب ، لكنها تعرضت لعقاب شديد من طرف زوجة جوبيتير، لتطاولها عليها، فأصبحت إخو لا تستطيع الكلام إلا بأخر مقطع ينطق به من يتحدثون إليها .
بينما تتجول إخو حزينة في الغابة ، وإذا بشاب جميل المحيا ، أبيض البشرة، ينساب فوق جبينه شعر أسود قاتم، يفوق الحوريات جمالا وفتنة ، عيناه واسعتان مضيئتان، زادت وجهه إشراقا ، عريض المنكبين ، قامته الطويلة زادته حسنا وبهاء، يمر فوق التلال إسمه نرجس، فاندهشت إخو من جماله وبقيت وراء شجرة باسقة تتمتع بوسامته الفائقة فقالت: "يا إلهي ما هذا الجمال البارع ! ، أيمكن أن يكون هذا الجمال عند الذكور ؟ "!
استمر نرجس في تجواله في التلال و إخو تتقفى خطواته، خطوة خطوة، سمع نرجس صدى خطواتها فقال "من أنت؟" فأجابت: "أنت؟" غضب نرجس فأمر الفتاة بالظهور: "أفصحي عن نفسك لكي أراك" فرحت الحورية وظهرت له بجمالها، لكن نرجس بغروره وخيلائه رد باستهزاء قائلا: "أغربي عن وجهي أيتها الحمقاء !" فكان على إخو إلا أن تطيع أمره حزينة مكتئبة .
وبينما نرجس يتجول في تلك الروابي الخضراء الجميلة أحس بعطش شديد فلم يجد بدلاً من التوجه إلى إحدى البرك المائية الهادئة ، انحنى نرجس ليسقي عطشه وإذا به يرى محياه منعكسا على صفحة الماء الزرقاء فانبهر بجماله لدرجة انه نسي عطشه ، فمنذ تلك اللحظة ونرجس يحب نفسه بل أكثر من ذلك أصبح يرقد أمام البحيرة لمدة أشهر طويلة حارما نفسه من الطعام والشراب .
لقد نسي كل شيء إلا حبه لذلك الوجه الذي رآه في بركة الماء ضنا منه أنها حورية تسكن البحيرة ، فهزل جسمه وأصبح لونه شاحبا وذبلت ابتسامته، وفي صباح إحدى الأيام وبينما ينظر إلى وجهه في بركة الماء كعادته ، سقط نرجس فاقدا الحياة داخل تلك البركة ، لتنبت بجانب جسده زهرة بجمال نرجس ووسامته أطلق عليها زهرة النرجس ، ولازالت هذه النبتة البيضاء الصغيرة تحتفظ بانحنائها لترى صورتها في الماء كما كان نرجس يرى وجه جماله في البركة .
اقتربت إخو من البركة وشربت من مائها فلاحظت انه مالح جدا، فسألت الحورية البركة: "لم تبكين؟" فأجابت البركة: "إنني حزينة على نرجس، فلم أتمكن من الاستمتاع بجماله ."
عجبا هذا الأمر، كيف ذلك وقد كنت المرآة التي يستمتع فيها نرجس بجماله " فأجابت البركة: "إنه في الوقت الذي ينحني فيه ليستمتع بجماله كنت أرى في عينه، طيف جمالي ."
وهكذا أطلق على كل من يحب نفسه بنرجسي نسبة إلى نرجس ، وقد وظف فرويد مفهوم النرجسية في التحليل النفسي كإشارة إلى الشذوذ الجنسي الذي يجعل المرء غارقا في عشق ذاته ، وقد بين علماء النفس المعاصرين أن النرجسية الطبيعية مرحلتين :
أولهما مرحلة الطفل الذي يتخذ ذاته موضوعا لشحنات اللليبيدو، وثانيها مرحلة المراهق الذي يسترد شحنات الليبيدو من الموضوع الخارجي لتركيزها في ذاته . وإذا اشتد ميل المرء إلى عشق ذاته انقلب إلى عصاب يسمى بالعصاب النرجسي "..." الذي هو اضطراب نفسي تنحصر فيه شحنات الليبيدو في الذات، بحيث لا يكون لدى المرء إلا شيء واحد يتأمله ويشتهيه هو نفسه .
الغيرة في الأسطورة الإغريقية:
وظف سيغموند فرويد عقدة أوديب لإثبات أن الصبي ما بين ثلاثة وخمسة سنوات عليه أن يتخلى من ميله اللاإرادي اتجاه والدته ويتشابه مع والده. أما عقدة ألكترا فتشير إلى أن الفتاة يجب أن تتخلص من ميلها نحو أبيها وتتماثل بالتالي مع أمها .
عقدة أوديب "صاحب الأقدام المتورمة" : لم يشهد تاريخ الأساطير شهرة كشهرة أسطورة أوديب. فالأسطورة تحكي عن إحدى ملوك الإغريق الذي أنجب ولدا سماه أوديب، وكعادة ملوك اليونان كلما رزقوا بابن يستدعون له الدجالين لقراءة مستقبله،
فقرؤوا مستقبل أوديب فعرفوا بأنه سيكبر ويقتل أباه وسيتزوج أمه،علم الملك بالأمر فأمر بقتله إلا أن الحراس قاموا بتسليمه لأحد الفلاحين لتربيته .كبر أوديب وفي يوم من الأيام وبينما هو في حانة التقى بمجموعة من الدجالين فقرؤوا له مستقبله فعلم بأنه سيقتل أباه وسيتزوج أمه ظنا منه أن الأمر يتعلق بأبويه المزارعين ، فقرر ترك مدينته والفرار إلى مدينة أخرى و بينما هو في الطريق وفي حافه إحدى الجسور، وإذا بركب الملك يمر من هناك فقام الحراس بدفعه عن الجسر ليتمكن الملك من المرور غضب أوديب فقتل الحرس والملك "أبوه الحقيقي" ، عند وصوله المدينة منع من الدخول إلا إذا تمكن من حل لغز حير سكان المدينة منذ مدة ، وباستعمال ذكائه استطاع أوديب فك رموز هذا اللغز ، أعجب به أهل المدينة ونصبوه ملكا عوض الملك الذي قتل ، فتزوج أرملة الملك "أمه الحقيقية" وأنجب منها طفلين.
بعد مرور فترة من الزمن عم وباء الطاعون في المدينة، فأرسل أوديب في طلب الدجالين لمعرفة سبب هذا الوباء، فقالو له إنها اللعنة، لأنك لم تثأر لمقتل الملك السابق ، سأل أوديب زوجته عن الشخص الذي قتل زوجها السابق "وهي لا تعلم أن من قتله هو أوديب زوجها"، فأجابت انه قاطع طريق، علم المزارع " الأب الثاني لأوديب " فدخل المدينة وحكى الحقيقة لأوديب وأمه "زوجته"، صدم الاثنين صدمة
التضحية في الأسطورة الإغريقية:
عنيفة فقامت الملكة بقتل نفسها شنقا بينما أوديب فقع عينه لأن الحقيقة كانت أمامه ولم يراها. يعد بروميثيوس من أشهر اللصوص في الأساطير الأوروبية والأسطورة الإغريقية على الخصوص، يذكر تاريخ الأساطير الإغريقية أن آلهة الأوليمب أرادت أن تخلق الكائنات الحية الفانية فوق الأرض، فكلفت إبيميثيوس بأن يوزع على هؤلاء المخلوقات الصفات الخاصة بها أما بروميثيوس فيكتفي بالمراقبة ، فهناك من أعطاها القوة دون السرعة، وهناك من زودها بتقنيات لتحمي نفسها فمنهم من يطير ومنهم من اتخذ الأرض جحورا ، ثم هيأ الطعام مختلف ألوانه ، فللبعض حشائش الأرض، وللبعض الأخر ثمار الأشجار وجذورها، أما المتوحش منها فأعطاه الحيوانات كغذاء، أما الإنسان فيقتات من الثلاثة .
لاحظ بروميثيوس أن شقيقه قد أهمل الإنسان فتركه ضعيفا، عاري الجسم والقدم بدون أسلحة دفاعية، تسلل بروميثيوس إلى جبال الأولمب وسرق فنون أثينا الآلية وسرق النار ووهب كل ذلك للإنسان ، ليصبح مزودا بجميع وسائل الحياة.
لم يكن معنى النار – التي اختص باستعمالها سكان الأوليمب – مقتصرا على أنها مكنت الإنسان من طهي الأطعمة التي كانت لا تؤكل قبل ذلك، وأمنت له الدفئ . بل كان أيضا أنه أعطته النور الذي يمثل ازدياد الوعي الإنساني .
قام زيوس "كبير آلهة الأوليمب" بمعاقبة بروميثيوس بشدة ، فقيده بصخرة كبيرة ، فيأتي عقاب في النهار ويفترس كبده الذي كان يعود إلى النمو ليلا إعدادا للوليمة التالية . وهكذا يكون بروميثيوس قد فضل العقاب من اجل تقدم الجنس البشري خطوة جديدة .
الفلسفة في الأسطورة الإغريقية:
رغم التناقض الذي يظهر بين الفلسفة كتفكير عقلاني تأملي، والأسطورة كتفكير دوغمائي اعتقادي ، فإن هذا لم يمنع كبار الفلاسفة من توظيف الأسطورة لبناء نظرية فلسفية تعد من أشهر النظريات التي عرفها الفكر الإنساني عامة والفكر اليوناني على الخصوص ، إنها نظرية المثل للفيلسوف المثالي أفلاطون ، فقد اختار لنفسه هذا الفيلسوف الأسطورة لتفسير الطبيعة بل ما وراء الطبيعة ، أطلق عليها إسم أسطورة الكهف ومن منا لا يعرف هذه الأسطورة التي اتخذت من أستاذه سقراط وصديقه غلوكون بطلي هذه المحاورة .
أسطورة الكهف :
تحكي الأسطورة عن سجناء قد كبلت أيديهم وأرجلهم في كهف أرضي، أوثقوا منذ طفولتهم، بحيث لا يرون إلا ما يقع أمامهم مباشرة . تلقي نار من ورائهم ظلال الأشياء على الجدار المواجه لهم . وبعد مدة تم فك وثاق أحدهم ليصعد إلى خارج الكهف ليرى عالما أحر غير العالم الذي كان يعيش فيه، فكلما رفع عينيه إلى السماء لرؤية الشمس، أحس بألم في عينه ، لأنه لم يتعود على رؤية الأشياء في حقيقيتها الطبيعية . فالسجن حسب أفلاطون " يقابل العالم المنظور ، ووهج النار الذي ينير السجن يناظر ضوء الشمس ، أما رحلة الصعود لرؤية الأشياء في العالم الأعلى فتمثل صعود النفس إلى العالم المعقول ."
سليمان، مظهر (2000) أساطير من الغرب. القاهرة: دار الشروق.
سلامة، أمين (1988) الأساطير الرومانية و اليونانية. القاهرة: مؤسسة العروبة للطباع.
زياد، سلهب . رحاب ابو عباس (1998) آثار العصور الكلاسيكية الإغريقية. دمشق: جامعة دمشق.
صليبا، جميل (1994) المعجم الفلسفي. بيروت، القاهرة: دار الكتب اللبناني، دار الكتاب المصري. ج2
كوليت، استييه . عودة، زياد (1989) اسطورة أوديب. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب.
زكريا، فؤاد (1968) أفلاطون: الجمهورية. بيروت: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر.