مصيدة الموت الرومانية ... بإمكانك اليوم أن تعيش التجربة ..!
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
إنّه القرن الأول الميلادي، خمسون ألفَ متفرّجٍ رومانيٍّ في المقاعد الضيّقة يصرخون من كلّ حدبٍ وصوب على مدرّجات الكولوسيوم والتي أطلق عليها لاحقاً (مدرّج فلافيان).
و بينما تبدأ أصوات ضجيج الحشد الصاخب تعلو أكثر فأكثر، يبدأ المصارعون في الميدان بالاستعداد لمواجهة ما هو آت. و فجأة تنطلق أصوات الجماهير الثائرة مع انطلاق الحيوانات البرية من أبواب الأقفاص على أرض الميدان، سباعٌ، ذئابٌ، نمورٌ و دببةٌ تنبثق مما يبدو أنه ثقوبٌ خفيّةٌ في الأرض، تُستَلُّ السيوفَ وتلمع الأنياب الضارية لتبدأ المعركة المرعبة بين الإنسان والحيوان.
بعد ما يقارب الألفي عام لا يزال الكولوسيوم من المعالم الأكثر إبداعاً و أيضاً هو رمزٌ من رموز روما، و في حين أنه لم تقم على هذا المدرج أي ألعاب مصارعة منذ أكثر من ألف عام، فقد تم إنشاء "إضافة" جديدة على هذا الصرح التاريخي الهائل لمدرج الكولوسيوم الشهير، تسمح للزائرين في وقتنا الحالي بإلقاء نظرة على الماضي السحيق. ففي أوائل حزيران رفعت مديريةُ المواقع الأثرية في روما ووزيرُ الثقافة الإيطالي النقابَ رسميّاً عن نسخة طبق الأصل تقريباً عن نظام الرفع وأبواب الأقفاص التي كانت تنقل الحيوانات الضارية من الممرّات والأوكار تحت الكولوسيوم والمعروفة باسم (الهايجيوم) إلى ميدان المصارعة.
و قد قامت شركة (بروفيدنس بيكتشرز) ببناء هذه النسخة من الكولوسيوم في أيار الماضي من أجل البرنامج الوثائقي بعنوان: (الكولوسيوم: مصيدة الموت الرومانية) والذي بُثّ في شباط، وقد تبرّع منتجو الفيلم بهذا التصميم على أمل أن يتسنّى للزوار التواصل بشكلٍ أفضل مع هذه التجربة الرومانية الفريدة.
يقول "غاري غلاسمان" مخرج ومنتج الفيلم: "لقد خلقنا النافذة التي يمكن للناس من خلالها أن يروا ما كان عليه الحال منذ ألفي سنة مضت، وليكونوا جزءاً من 50 ألف متفرّج شاهدوا يوماً الظهور السحري للحيوانات الضارية تنطلق من تحت ميدان المصارعة"
وتابع غلاسمان: "في أواخر التسعينيات كان (هاينز يورغن بيستي) من معهد الآثار الألماني في روما، يدرس (الهايجيوم) عندما عثر أثناء دراسته على تصاميم، ثقوب، شقوق، و أخاديد في الجدران، ومن هناك "قام بربط ما عثر عليه ليشكل صورة لما كانت عليه آلية الرفع آنذاك" حيث سرعان ما اكتشف أن تلك المساحات كانت مصممةً لنظام الروافع والمصاعد التي كانت تُستخدم لنقل الأحمال الثقيلة أي الحيوانات المفترسة إلى أرض الكولوسيوم.
وقد كشفت المزيد من التحقيقات أن هناك ما بين 24 إلى 28 مصعداً مصمم خصيصاً لنقل ما لا يقلّ عن 600 باوند لكلٍّ مصعد، أي ما يقارب متوسّط وزن أسدين. يتساءل غلاسمان "هل يمكنك أن تتخيل 56 أسداً تجتاح أرض الكولوسيوم دفعةً واحدة؟!".
إنّ المصاعد تتطلّب كمية هائلة من القوى العاملة ليتم تشغيلها، مع ما يصل إلى 8 رجال لتدوير محور خشبيّ ثقيل، و إذا كانت المصاعد كلها ستعمل في نفس الوقت فإنها تتطلب أكثر من 200 رجل للدفع والسحب، و لدى "غلاسمان" نظرية عن ماهية هؤلاء الرجال حيث يعتقد "أنهم في الواقع قد تلقوا تدريباً متقدماً للذراعين.و يمكن رؤية أرقام رومانية على بعض الروافع والتي يعتقد )هاينز بيست( أنها على الأرحج أرقام متسلسلة لعدد من مسؤولي منصة الأقفاص الذين كانوا يشيرون إلى تلك الأقفاص لإعلامهم بوقت إطلاق الحيوانات".
بالاعتماد على اكتشافات بيست و كذلك النصوص القديمة – بما في ذلك أعمال فيتروفيوس- كمراجع، فإنّ "غلاسمان" و الفريق الوثائقي قاموا بإنشاء المصعد الروماني من عام تقريباً و ذلك فقط باستخدام أدوات ومواد بناء بسيطة مع القليل من المعادن والمسامير التي كان من الممكن توافرها للرومان في تلك الحقبة.
في الحقيقة، لقد كان الفريق معنياً جداً بمصادر مواد إنشاء المصعد إذ تمّ قطع الأخشاب من غابة في إقليم "سابينا" تقع خارج روما، وهي المنطقة التي قصدها الرومان آنذاك للحصول على الخشب لإنشاء المصاعد.
إن آلية عمل الروافع و الأقفاص التي يبلغ ارتفاعها 23 قدماً (7 أمتار تقريباً) و تزن 2 طن كما أنها قادرة على حمل ما يزيد عن 600 باوند (270 كغ تقريباً) تعتبر واحدة من قطع الآلات الميكانيكية الثقيلة، فبعد تصنيعها مايزال هناك أيضاً رفعها ووضعها في مكانها في الكولوسيوم. و قد قام فريق الوثائقي بوضع الرافعة تحت التجربة حيث أطلقوا منها ذئباً على أرض الكولوسيوم، و قد كانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها رفع حيوان مفترس و إطلاقه في الكولوسيوم منذ أكثر من 1500 عام.
والحمدلله فبدلاً من استقبال ذلك الذئب في معركة رومانية، تمت مكافأته بقطعة بسكويت لذيذة.
المصدر : هنا