هل اقتربنا من حل مشكلة فساد المحاصيل؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> التقانات الحيوية
يُعتبر ظهور السفا المشوهة على نبات الذرة (كما في الصورة) نتيجةً لإحدى الطفرات الضارَّة في جينوم الذرة والتي تتكرر في كل جيل. وإنَّ إبقاء هذه الطفرات الضارة في جينوم المحاصيل التي تتكاثر باستمرار يسبب خسارات كبيرة في المحصول. فكيف يمكن تجنُّب حدوث مثل هذه الطفرات التي تسبب فساداً في المحاصيل وتُكلِّف المزارعين مبالغ هائلة لإصلاح الأضرار الناتجة عنها؟
قام الباحثون بتطوير طرق جديدة لتوقع ظهور الطفرات الضارة في جينوم الذرة، والتي تُشكل التحدي الأساسي أمام المُربِّين والباحثين المختصين بإجراء تجارب التحسين الوراثي للمحاصيل محاولين بذلك تحسين نوعية المحصول وتأمين مصادر غذائية إضافية للمجتمعات مُتنامية السكان، حيث استطاع العلماء تحديد عدة مواقع في جينوم الذرة التي تحتوي على مثل هذه الطفرات الضارة.
قد تتعرض العديد من المورثات التي تشفِّر لصفات مرغوبة إلى حدوث طفرات مفاجئة في الشيفرة الوراثية تتسبب في تعطيل عمل هذه المورثات جزئياً أو كلياً، حيث تُشكل الطفرات غير المرغوبة أحد أكثر المشاكل شيوعاً التي تُعيق عمل مُربي النبات والذي يكون جل تركيزه على تحسين نوعية المحاصيل. ومن خلال تحديد مكان توضع هذه الطفرة بدقة على الجينوم، يستطيع العلماء تطبيق تقنيات جديدة لمعاجلة الجينوم تكون قادرة على قطع هذه المناطق واستبدالها.
يقول إدوارد بوكلر الباحث في مركز USDA للأبحاث الوراثية بأنَّ هذه التقنية تسعى الآن للعمل على تحديد أماكن هذه الطفرات ومن ثم العمل على إخراجها خارج الجينوم. حيث تعمل هذه التقنية على استبدال المورثات المشوهة بمورثات سليمة يتم نقلها من إحدى الأصناف الشائعة والمستخدمة بشكل كبير في الزراعة.
- تتم عملية الإخصاب في النبات من خلال لقاء العروس الذكرية -حبة الطلع- مع البويضة الأنثوية وتتشكل البويضة الملقحة التي تحتوي على نسختين من الصبغيات واحدة من الأم والثانية من الأب، ولكن عند تعرض هذه البويضة للانقسام قد يحدث هناك تبادل بين قطع الصبغيات الذكرية والأنثوية وتعرف هذه الظاهرة بالعبور الوراثي. حيث ينتج عنها تشكل اتحادات وراثية جديدة في جينوم النسل الناتج والتي تلعب دوراً هاما في تطوير الصفات الإنتاجية للمحاصيل.
ولفهم هذه العملية تخيل كأنَّك تقسم ورق اللعب إلى نصفين متساويين ومن ثم تقوم بخلطه لتلاحظ بعدها تجمُّع أوراق من نفس النوع مع بعضها. ومن خلال هذه التشبيه يمكن أن نصل الى تشبيه يصف عملية الإتحادات الجديدة التي تحدث أثناء الإخصاب. حيث يُمثل كل جزء من أوراق اللعب المادة الوراثية لأحد الأبوين، حيث يتم خلط هذه المادة الوراثية وتجمع المناطق المتشابهة من الــ DNA مع بعضها.
يقول رودجر ميلنيك أحد الباحثين في مخبر بوكلر: في حالة عدم حدوث مثل هذه الاتحادات في المادة الوراثية، لن يكون هناك أي فرصة لتجميع جميع الطفرات المفيدة في جينوم النسل الناتج، وبنفس الوقت قد تكون هناك فرصة لحدوث مثل هذه الطفرات الضارة التي قد تُعيق عملية التحسين الوراثي.
يقول بوكلر: إنَّ من أحد أسباب وجود التواصل الجنسي بين أي من الأنواع الحية هو لعمل قطع وتبادل بين قطع الصبغيات وخلق فرصة لتكوين اتحادات جديدة تكون قادرة على تحسين أداء الأنسال الناتجة، ولكن حوالي 40% من المادة الوراثية تكون غير قادرة على عمل مثل هذه التبادلات الخلاقة.
قام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل المعلومات الوراثية لجينومات 7000 صنف من الذرة - التي تشكل غالبية التنوع الحيوي للذرة - والهدف من ذلك تحديد المناطق في المادة الوراثية التي يحدث فيها العبور الوراثي وأي المناطق التي تبقى مع بعضها كمجموعات. حيث وجدوأ أنَّ مواقع الجينوم التي يحدث فيها العبور الوراثي وتشكل اتحادات جديدة متشابهة في جميع الأصناف المستخدمة في الدراسة.
وقد وجد الباحثون أيضاً أن المناطق الوراثية التي تحدث فيها اتحادات جديدة بنسبة ضئيلة هي أكثر عرضة للطفرات الضارة. وهذا بدوره يعني أنَّ هذا الجزء من الجينوم المُعرض لحدوث مثل هذه الطفرات قد يكون من الصعوبة بمكان تحسينة بالطرق التقليدية ( لعدم وجود فرصة لحدوث إتحادات جديدة في هذه المناطق يستبعد من خلالها المناطق غير المرغوبة من المادة الوراثية). حيث تحتاج إلى وقت أطول يستغرقه المربين بإعادة تهجين مثل هذه الأصناف مع آباء تحمل صفات وراثية مرغوبة للحصول على أنسال ذات صفات جيدة.
ويقول بوكلر أنَّ استخدام تقنية معالجة الجينوم تختلف كلياً عن الهندسة الوراثية التي تعمل على إدخال جين غريب إلى الجينوم النباتي بشكل عشوائي (دون معرفة المنطقة التي سيتوضع فيها هذا الجين) بينما نحن لا نقوم بإدخال جين جديد إنَّما نقوم بإصلاح الطفرة الضارة بشكل دقيق، وقد لاحظنا أنَّ كل صنف يحتوي على بضعة مئات حتى بضعة آلاف من الطفرات الضارة.
المصدر: هنا