الديجافو؛ رأيتُ هذا من قبل!
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
كلمة ديجافو (Déjà vu)- تعني باللغة الفرنسية "شاهدته من قبل"، وهي تصف حالة الشعور الغريبة التي تبدو فيها المواقف مألوفة جدًّا، وكأننا قد اختبرنا المشهد نفسه من قبل، وتشير الدراسات إلى أن الشباب هم أكثر من يمرون بتجربة الديجافو، وقد أفاد العديد من الأشخاص أنّ تجاربهم الأولى بدأت بين أعمار 6 و10 سنوات.
في أثناء مرورك بتجربة الديجافو؛ تشعر أن شيئًا ما مألوف للغاية ولكنك تعرف أيضًا أنّه لا ينبغي أن يكون مألوفًا لتلك الدرجة، على سبيل المثال؛ كنت تمشي في طريقك إلى المدرسة وفجأة تشعر بأنك قد كنت في هذه الحالة بالضبط من قبل. بالطبع؛ لقد كنت في هذه الحالة من قبل – لأنك ذهبت ماشيًا إلى المدرسة مرات عديدة – ولكن الشعور قوي جدًّا ومتصل باللحظات الحالية، وأنت تعرف أنه لا ينبغي أن يكون مألوفاً لهذه الدرجة (انظر الشكل 1 لمزيد من الشرح).
Image: Cassie Teale
الشكل 1—يصف ما الذي يُعدُّ حادثةَ "الديجافو"، و ما الذي لا يعدُّ كذلك:
A: خلال حياتنا؛ نرى مشاهد كثيرة ونمر بالعديد من الخبرات التي قد نتذكرها في وقت لاحق.
مثلاً: في هذه الصورة؛ ترى أوّل مرّة فيديو لقرد يركب فوق ماعز؛ إذ يبدو مشهدًا مضحكًا وجديدًا بالنسبة إليك.
B: في بعض الأحيان؛ نرى أشياءً نعرفها من قبل ونختبرها، أو تبدو مثل أشياء أخرى شاهدناها مسبقًا، وهذه الحالة ليست الديجافو.
مثلاً: في هذه الصورة؛ يمكنك رؤية رجلٍ يمتطي الخيل، والتي تبدو مشابهة لصورة القرد الذي يركب فوق الماعز التي شاهدتها من قبل، وعلى الرغم من أنها مصادفة كبيرة أن ترى شيئين متشابهين بالإضافة لشعورك بأن المشهد مألوف؛ تشعر بأنه من المنطقي أنّك شاهدت شيئًا مشابهًا من قبل، ولكن ما تشعر به ليس الديجافو.
C: عندما يبدو شيء ما مألوفًا جدًّا سواءً أكنت تعرفه من قبل أم لا، وتشعر بأن هذا المدى من التشابه قد يكون خاطئًا؛ فإنك -على الأغلب- تمرّ بتجربة الديجافو، وغالبًا ما يمكنك تمييز هذا الشعور لأنه يحدث بسرعة كبيرة، ثمَّ يتلاشى بسرعة أيضًا؛ ليعود إلى مستوى طبيعي من درجة ألفة المشهد.
في هذه الصورة؛ ترى مجموعة من الخيول، وفجأة تشعر أنها مألوفة جدًّا؛ أنت تعرف أنه حتى وإن شاهدت الخيول من قبل؛ لا يجب أن يكون المشهد مألوفًا لهذه الدرجة، ومن ثمّ يتلاشى هذا الشعور بعيدًا، وتسأل نفسك: ما الذي حدث للتو...؟ هذه هي تجربة الديجافو!
- ما مدى انتشار الديجافو؟
تتراوح النّسبة المئوية للأشخاص الذين يختبِرون الديجافو بين 30-100%؛ لكنّ العلماء ليسوا متأكدين فيما يخصّ النسبة المئوية الدقيقة لسببين مهمين، أولًا؛ لا يمكن أن نسأل جميع الأفراد في العالم إذا مروا بالتجربة، ولذلك يجب أن نستخدم نتائج الدراسات المسحية لمجموعات صغيرة من الناس، وهنا تكمن المشكلة؛ إذ يمكن أن تعطي الدراسات المسحية نتائجَ مختلفة تمامًا اعتمادًا على الأشخاص الذين نسألهم، وثانيًا؛ يمكن للناس أن يعطوا إجابات مختلفة جدًّا اعتمادًا على التعريف الذي نقدمه لهم عن الديجافو.
يختبر معظم الناس الديجافو خلال فترات تتراوح بين بضعة أسابيع وبضعة أشهر عمومًا، وهذا يعني أن الديجافو ليست شائعة جدًّا، ولذلك؛ إذا كنت قد اختبرت هذا الشعور مؤخرًا فأنت محظوظ جدًّا!
- من هي أكثر فئة تمر بتجربة الديجافو، وعلى ماذا يدل ذلك؟
الشباب هم أكثر من يمرون بتجربة الديجافو؛ يقول عدد قليل جدًّا من الناس أنّهم اختبروا الديجافو أوّل مرة قبل سن السادسة، وأعداد أكبر قبل سن العاشرة، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت لتمر بتجربة الديجافو الأولى؛ والسبب هو أنه عليك أن تكون قادرًا على تحديد ما إذا كان الشعور بألفة المشهد لديك هو أقوى مما ينبغي حقًّا، والذي قد يكون شيئًا من الصعب فعله به بالنسبة إلى كثير من الأطفال الصغار.
وخلال الفترة التي تمتد بين (15-25) عامًا؛ ستمر بتجارب الديجافو أكثر من أي وقت آخر، وتبدأ تجارب الديجافو بالتناقص باستمرار بعد سن الـ 25، وقد حيّر هذا الأمر الباحثون نظرًا لاعتيادنا على فكرة أن مشكلات الذاكرة تزداد مع تقدم العمر وليس العكس!
يخبرنا هذا شيئًا مهمًّا، وهو أن الديجافو ليست مشكلة في الذاكرة على الإطلاق؛ فإذا فكرت في المرحلة التي تدرك فيها أن الشعور لا ينبغي أن يكون قويًّا كما هو؛ فتلك الاستجابة مفيدة حقًّا؛ إذ تخبرك أنه شعور خاطئ وعليك تجاهله.
قد تكون الديجافو في الواقع دلالة إلى العقل السليم الذي استطاع تحديد الإشارات المألوفة غير الصحيحة، ولعلّ ما يحدث في الأشخاص فوق سن الـ 25 هو أنها تتناقص قدرتهم على اكتشاف الإشارات غير الصحيحة من المشاهد، وقد يصدقون تلك المشاهد فعلًا، وهذا ليس التفسير الوحيد لتناقص عدد تجارب الديجافو بعد سن الـ 25 عام؛ هل يمكنك التفكير في أيّ أسباب أخرى؟
- ما هي أسباب "ديجافو"؟
للأسف؛ ما زالت أسباب هذه الظاهرة غير مفهومة على نحوٍ كامل، وقد تمكَّن الباحثون من استخلاص بعض الأفكار من دراسة الأفراد الذين يختبرون الديجافو أكثر من غيرهم، ولدى البعض من هؤلاء حالة تُعرَف باسم "صرع الفص الصدغي"، والتي تُودي ببعض خلايا الدماغ إلى إرسال إشارات كهربائية عشوائية تؤثر في جميع خلايا الدماغ المحيطة، وفي بعض الأحيان تؤثّر في الخلايا كافّة مؤديةً إلى حدوث نوبة الصرع؛ أي فقدان المصابين السيطرة لوقت قصير على أفكارهم أو تحركاتهم، في حالة هؤلاء الأشخاص؛ نعلم أن النوبة تبدأ في الفص الصدغي الأساسي في عملية إحداث واسترجاع الذكريات (انظر للشكل 2 لمعرفة أين الفص الصدغي).
Image: Cassie Teale
الشكل 2-فصوص الدماغ.
وعلى الجانب الأيسر من الدماغ اثنين من الفصوص المعتقد أنها تؤدي دورًا مهمًّا في ظاهرة الديجافو وهما: الفص الصدغي (الأخضر) والفص الجبهي (الأحمر).
إن المصابين بصرع الفص الصدغي غالبًا ما يختبرون الديجافو قبل حدوث النوبة مباشرة، وهذه النقطة مهمة بالنسبة إلى الباحثين لأنها تخبرنا أن الظاهرة قد تكون مرتبطة بالفص الصدغي من الدماغ، وعند الأشخاص غير المصابين بالصرع؛ يمكن عدُّ الديجافو بمثابة نوبة مصغرة في الفص الصدغي؛ لكنّها لا تسبب أيّة مشكلات أخرى نظرًا لأنها تتوقف قبل أن تتوسع.
وهذا يعود بنا إلى الفكرة التي تقول أن الديجافو تحدث بسبب ظهور شعور قوي بأن المشهد مألوف؛ تُسجّلُ هذه الألفة في الفص الصدغي، ولكنّها تُتجّاهل من قبل الجزء الآخر من الدماغ الذي يعمل على التحقق ممَّا إذا كانت جميع الإشارات القادمة ذات معنى، وقد يكون هذا الجزء من الدماغ هو الفص الجبهي، والذي يقع فوق عينيك، فنحن ندرك أهمية الفص الجبهي في عملية اتخاذ القرارات.
وفي النهاية؛ نأمل أن تكون قد حصلت على تفسير محتمل لحدوث هذه الظاهرة وتأكدت بأنك لست الوحيد الذي يمر بهذه التجربة الشيقة؛ نرجو أن تشاركونا الآراء عن أسباب هذه الظاهرة برأيكم وتجربتكم معها، و لا تنسوا أن تشاهدوا الفيديو المشوق عن الظاهرة هذه على موقعنا: هنا
المصادر:
هنا
هنا
مصدر الصور:
هنا
هنا