علماء فلك يستفيدون من قوة الثقالة للحصول على منظار الثقب الأسود
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
تُعتبر أشعة غاما من الإشعاعات العالية الطاقة التي تنبعث من الأجسام الموجودة في أقاصي الكون. فعلى سبيل المثال تندفع نفثات (تدفقات) أشعة غاما من المناطق المحيطة بالثقب الأسود بسرعةٍ مُقاربة لسرعة الضوء. ويُعتَقَد أن هذه النفثات تنبعث من موادَّ فائقةِ الحرارة تدور بسرعةٍ، بينما الثقب الأسود الجائع يلتهمها. أما المقاريب (التلسكوبات) التي بحوزتنا فلن تكون قويةً بما يكفي لتكشف هذه المناطق الداخلية،ويُناضل العلماء ليتمكنوا من دراسة كيفية إطلاق هذه النفثات في الكون بالضبط. يقول أندري نيرونوف Andrii Neronov عالم الفيزياء الفلكية من جامعة جنيف في سويسرا: "نحن لا نفهم تمامًا هذا السلوك لأننا لا نستطيع رؤية ما يحدث بوضوح. غير أن هذه الطريقة تسمح لنا ’بتمييز‘ هذه المنطقة والحصول على نظرةٍ ثاقبةٍ في رُقعةٍ من الفضاء المحيط مباشرةً بالثقب الأسود فائق الكتلة المعروف بـــ PKS 1830-211".
يقع هذا الثقب الأسود على بعد مليارات السنين الضوئية. ولا يستطيع كل من مرصد INTEGRAL التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA أو مرصد أشعة غاما Fermi التابع لوكالة الفضاء والطيران الوطنية NASA، أن يرصدا هذه المنطقة دون مساعدة، ولكن الصدفة السعيدة وفَّرت يد العون: إنها العدسات الثقالية الصغرية gravitational microlensing.
تبدو الثقوب السوداء من الأرض صغيرةً. لكن ذلك لأنها فقط بعيدةٌ جدًا. ومحاولة مراقبة الثقب الأسود PKS 1830-211 هي بمثابة محاولة النظر إلى نملةٍ موجودةٍ على سطح القمر. ولا يستطيع أيٌ من المقاريب (التلسكوبات) التي لدينا أن تلاحظ شيئًا بالغ الصغر كهذا، لذلك استخدمنا حيلةً لتمييز النملة: عدسةٌ ثقاليةٌ هائلة huge gravitational lens. تعمل الأجسام الكونية الهائلة، سواءٌ أكانت من النجوم الأحادية أم عناقيد المجرات، على حَني الضوء الذي يمر بجوارها وتركيزه بفضل تأثيرها الثقالي أي كتلتها الكبيرة، الأمر الذي يجعلها تسلك سلوك نظاراتٍ مكبرةٍ عملاقة.
اعتمد الدكتور نيرونوف وزملاؤه على نجم يقع بين الأرض والمنطقة المستهدفة من أجل التركيز على منطقة الثقب الأسود وقياس حجم منطقة انبعاث النفثات. وهذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها هذه الطريقة مع أشعة غاما. واختاروا بنىً تشغل حيزاً صغيراً من السماء تماما كما سيبدو لنا حجم النملة على القمر. وتُغطي الرقعة المرصودة (المُلاحظة) من السماء منطقةً تُعادل 100 ضعف المسافة بين الأرض والشمس. وبالمعايير الفلكية تُعد هذه المسافة صغيرةً جدًا.
تُظهر أرصادنا أن أشعة غاما تأتي مُباشرةً من المنطقة المحيطة بالثقب الأسود نفسه، وهذا يعطينا فكرةً عما هو مهم، وما هو غير مهم في توليد النفثات. إنه أمرٌ رائع أن نكون قادرين على رؤية أشياء بمثل هذا الصغر وعلى مثل هذه المسافات الهائلة. ولهذا فإن العلماء متحمسون لوجود ’منظار الثقب الأسود‘ هذا لتقصِّي المناطق الداخلية لهذه النفثات. سمح رصدُ مصادرَ أشعةِ غاما بمرصد INTEGRAL التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA ومرصد Fermi ومرصد Swift التابعين لوكالة الفضاء والطيران الوطنية NASA للفلكيين ببناء صورةٍ أكثرَ وضوحًا لتيار الإشعاع المنبعث. كشف مرصد Fermi عن أن إصدار أشعة غاما الأنشط يُعتقد أنه يأتي من القاعدة الصغيرة للنفثة المنبعثة، والتي هي بحجم ’النملة على القمر‘. بينما أشعة غاما الأقل طاقة والتي كشف عنها مرصد INTEGRAL كانت تنبعث من المنطقة المحيطة الأكبر.
درس الفريق أيضا الأشعة السينية باستخدام المرصدين INTEGRAL و Swift. ووجدوا أن هذه الأشعة السينية تصدر عن منطقةٍ تمتد حول الثقب الأسود لمسافةٍ تصل إلى 400 مليار كم أو حتى أكثر.
يعد هذا الثقب الأسود واحدٌ من أقوى الأجرام المعروفة بين أقرانها من النوع نفسه. ويأمل العلماء أن يعطينا توصيف انبعاثاته بالكامل فهمًا أعمق لكيفية تشكُّل هذه النفثات. ومن حسن الحظ، فإن الثقب الأسود يكمن في منطقةٍ من الفضاء تأخذ منحى باتجاه مركز مجرتنا، لهذا يتمكن المرصد INTEGRAL من رؤيته.
توفر هذه الملاحظات معلوماتٍ فريدةً حول العمليات عالية الطاقة التي تجري حول الثقوب السوداء الهائلة، من خلال السماح لنا بالنظر داخل البُنى الدقيقة الواقعة بعيدًا جدًا عنا.
المصدر:
هنا