كيفَ ترى نظريةُ النسبيةُ العامّة الكون؟
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
استخدمَ فريق الدراسةِ تقنياتٍ جديدةً من شأنها أن تُساهِمَ في حلِ الجدل القائم حولَ دِقةِ عملياتِ المُحاكاة المبسّطةِ السابقة وقد تُساعِدُ الباحثين في فهم بيانات الرصد الفلكي الدقيقة المتزايدة.
تنصُّ نظريةُ النِسبية العامَة على أنَّ الجاذبيةَ هيَ انحناءٌ في بُنيةِ نسيج الزمكان، وقد أدرك العُلماءُ بعد طَرحِ اينشتاين لنظريته النسبية العامة في عام 1915 أنَّ لهذه الفكرةَ تداعياتٍ كبيرةً على مستوى كوني، وقد أوضَحَ عالِمُ الكونيات البلجيكي جورج لوميتر "Georges Lemaitre " وبعض العلماء الآخرين أنَّه وفقًا لوجهة نظر اينشتاين ينبغي أن يكونَ الكون في حالة تمدُدٍ أو تَقلُصٍ.
ومن أجل تطبيق مُعادلات نظريةِ اينشتاين على المُستوى الكوني، توجّب على العُلماء تبسيط هذهِ المُعادلات. ومن أجل تبسيط هذه المُعادلات، توجب على لوميتر وغيره من العُلماء أن يبنوا استنتاجاتهم مُفترضين أنَّ المَادة موزّعةٌ بِشكلٍ مُنتظَمٍ ومُستمرٍ في كافةِ أنحاءِ الكون، ولكنها في الواقع متمركزةٌ في النجومِ والمَجرّات.
واستمروا على هذا الحال حتى بعد القفزةِ التكنولوجيةِ الحديثة، وذلك لِأنَ حِساباتِ النِسبيةِ العامَة كانَت صعبةً حتى على الحواسيب الخارقة. لِذلكَ استَمرَ مُعظمُ عُلماءِ الكون بتمثيل الكون بدءًا من الإنفجار العظيم بالطريقة القديمة نفسها، وذلك لشرح كيفية تشكل الأجسام الكبيرة كالمجرات والعناقيد المجرية من الغبار الكوني.
افترضَ العُلماءُ سابقًا أنَّ المادةَ في الكونِ الوليد كانت متوزعةً بانتظامٍ في كافةِ أرجائه. إلى أن حدثَ خللٌ على المستوى الذري في منطقةٍ صغيرةٍ جدًا من الكون، أدى هذا إلى زيادةِ كثافتها نسبةً للمناطق المُحيطة بها. أدت زيادةُ الكثافة في هذه المنطقةِ إلى تكتّل المزيد والمزيد من المادة بتأثير الجاذبية، مما أدى إلى نشوء الأجرام السماويةِ التي نعرفها اليوم من نجومٍ ومجرَاتٍ وسُدمٍ.
كما نُلاحظ فإنَّ هذا النموذجَ يَفترِضُ أنَّ الخلل في توزُعِ مادةِ الكون، حصلَ بدايةً على مستوى بالِغِ الصِغر، من ثم أدى ذلك إلى خللٍ في كثافةِ الغازات المتوزعة في انحاء الكونِ.
يعتقدُ بعضُ العُلماء أنَّ افتراضَ توزُعِ المادة بشكلٍ مُنتظمٍ في أنحاء الكون الوليد كانَ حيلةً ضروريةً في وقتٍ من الأوقات، ولكنهُ ليسَ فرضيةً مُبررةً.
يقولُ عالِمُ الفيزياء النظريّة المُختص بنظرية النسبية العامة من جامعة "padua " في إيطاليا الدكتور " spino Matarrese: "إنَّ تَجانُسَ الكونِ ما هوَ إلا نظريةٌ فلسفية".
اقترح Matarrese وزملاءه خلال العقد الماضي، أنَّه لربما كان هذا الافتراض هو الّذي قاد علماءَ الفلك إلى إساءة فهم بياناتهم والوصول إلى استنتاج أنَّ الكون يتوسع تحت تأثير قوة الطاقة المظلمة الغامضة.
مؤخرًا قامَ فريقان من العُلماء الأوربيين والأمريكيين بتقديم أوّلِ مُحاكاةٍ كاملةٍ للكونِ وفقًا لنظرية النسبية العامة. حيثُ قامَ كلٌ من الفريقين باستخدامِ حاسوبٍ خارقٍ لمُحاكاةِ توسُّع الكون الوليد، وتطوّر انحناء نسيجه الزمكاني مع تكتُل مادته بكمياتٍ كبيرة بتأثير قوةِ الجاذبية.
أوراقهم البحثية التي نُشرت في Physical review letters بتاريخ 24 حزيران مازالت لا تُظهِرُ تعقيدَ الكونِ الحقيقي بشكلٍ كاملٍ، إلا أنَّ طريقة تطبيق هذه المُحاكاة للنسبية العامة ثوريةٌ كما يصِفُها Matarrese.
استخدم كلٌ من الفريقين تقنياتٍ مُختلفةً قليلًا عن الفريق الآخر. إذ ركّز كلُ فريقٍ على أسئلةٍ مُختلفةٍ. حيث ركز الفريق الأوروبي على الإجابة عن كيفية نشوء بنىً أكثَر كثافةً من غيرها، فيما اهتم الفريق الأمريكي ببحث كيفية توسع الكون وانحنائه وتأثير ذلك على انتشار الضوء فيه.
وقد بنى الفريقان دراستيهما اعتمادًا على مُحاكاةٍ عدديةٍ طُورت سابقًا لِحسابِ تشوه نسيج الزمكان حول زوجٍ من الثقوب السوداء يدوران حول بعضهما البعض وكذلك لحسابِ أمواج الجاذبية التي تنبأت بها النسبية العامة. لا بد من أنَّكم عرفتم هذين الثقبين، إنَّهما الثقبان اللذان أُكِدَ وجودهما في بداية هذا العام من قبل مرصد "LIGO". ويؤكدُ الفريقان سعيهما لتطوير هذهِ المُحاكاة أكثر فأكثر حتى يسهُل على الفلكيين ربطُها بمعطياتهم وقياساتهم.
يعتقدُ العُلماء أنَّنا قد ننتظِرُ عقدين من الزمن لنكتشف إمكانيات هذه التقنيات.
لكن السؤال الّذي يطرحُ نفسهُ هو: هل تؤثّر هذه الظواهر الّتي تَدُرسها المُحاكاة على توسّع الكون حقًا؟
وهل التقنيات التي استخدمها الفريقان لدراسة أثر تكتل المادة وتشكل الأجرام الكبيرة على توسّع الكون ضروريةُ لفهم توسّع الكون؟ أم أنَّ الطرق التقليدية كانت ستفي بالغرض؟
من ناحيةٍ أخرى يَعتقدُ بعضُ العُلماء أنَّه لا توجد علاقةٌ قويةٌ تربط بين تكتّل المادة في الكون الوليد وتوسّع الكون، وأنَّ أيّ تأثيرٍ من هذا النوع سيكون ضئيلًا. إلا أنَّ أخرين لا يبخسون هذه الدراسة حقها ويرون إنَّ توظيفَ النسبية بالكامل في تقنياتِ المُحاكاة يُمكنُ أن يكونَ مُهمًا في توضيحِ المواضيعِ الكونيّة التي تنطوي على طاقاتٍ عاليةٍ مِثلَ المراحِلِ الأولى من الانفجار الكبير أو انتشارِ الجُسيماتِ الأوليّة الخفيفة الّتي تُدعى بالنيوترونات.
المصدر: هنا