إن الأزمات التي تحدث في المنظمات أو المؤسسات ما هي إلا تغييرات مفاجئة تطرأ على المنظمة دون توقع لها أو فرصة لتجنبها، والحقيقة التي يفترض أن نقف أمامها كثيراً كي نعيها وندركها هي عدم وجود شركة في العالم محصنة تماماً من الأزمات، حتى وإن نجت من هذه المخاطر والأهوال لسنوات عديدة. إدارة التواصل خلال الأزمات هي وظيفة تنظيمية حرجة جداً فيمكن أن يؤدي الفشل فيها إلى إلحاق ضرر جسيم وخسائر كبيرة للمنظمة أو حتى إنهاء وجودها. بمجرد أن تأتي الأزمة بأي طريقة كانت عن طريق القدر، بسبب إهمال أو خطأ، أو حتى نتيجةً لمسبب خارجي لا علاقة للمنظمة به فانه من الصعب السيطرة على الاعلام والمحامين والشركات المنافسة المتربصة سيكونون بالفور ضدك. اليوم سنتحدث عن قصة أصبحت نموذجا للإدارة الفعالة خلال الأزمات في الشركات وهي (قصة أزمة تيلينول).
بداية ما هي استراتيجيات التواصل خلال الأزمة؟ هي محاولة للتخفيف من الأضرار التي قد تلحق بسمعة الشركة بسبب مصادر خارجية هي عكس العلاقات العامة التقليدية، حيث تعمل جاهدة للحصول على اهتمام وموافقة الأطراف الاخرى وان كانت معادية ككسب وسائل الاعلام من خلال أعمال الشركة القيمة أو توليد قوة للعلامة التجارية تؤدي الى كسب ثقة الجمهور. فبالمجمل تتمحور هذه الاستراتيجية على قلب أي ازمة رأسا على عقب من خلال التعامل مع وسائل الإعلام السلبية واكتسابها يمكننا تشبيه استراتيجية التواصل خلال الازمة بإخماد حريق فالحريق لكي يشتعل يتطلب ثلاثة أمور:
1) الحرارة (الطاقة)
2) الوقود لكي يشتعل
3) محفز مثل الأكسجين
اترك لأي من هذه العناصر العنان ولا تعمل على معالجتها والنار ستشتعل. في حالة اتصالات الأزمة فهنالك شيء ما خاطئ ويجب اصلاحه :
1) هناك شيء قمت به أو أي شيء كنت مسؤولا عنه (وقود) سبب الاشتعال
2) هناك تيار الرأي العام والصحافة (الحرارة)
3)هناك سرعة رد الفعل عليك (المحفز).
إذا تجاهلت أي منها فستسبب بحرق نفسك بنفسك قصة أزمة تيلينول: في عام 1982 كان منتج تيلينول (اسمه العلمي acetaminophen واسمه التجاري في البلدان العربية :سيتامول) المصنع من قبل شركة جونسون آند جونسون الدواء الأكثر نجاحاً في الولايات المتحدة والذي يؤخذ من دون وصفة حيث بلغ مستخدميه حوالي ال 100 مليون . كان تيلينول المنتج الأول في مجال مسكن الالم بما يمثل حصة سوقية قدرها 37% من هذا السوق كما ان هذا المنتج كان يشكل ما نسبته 19 % من أرباح شركة جونسون اند جونسون خلال الثلاث ارباع الاولى من سنة 1982. كانت الشركة قبل الأزمة بعيدة عن الأعلام، لذلك يجب القول ان "السياسة المتبعة في الشركة قبل الأزمة كانت سياسة (الفم المغلق )" لذلك معظم الصحفيين ورجال الأعمال والمحللين الأمنيين كانوا يبحثون عن مداخل اخرى لمعرفة ما يجري داخل الشركة. في سبتمبر 1982 حدثت كارثة في ولاية شيكاغو وهو موت 7 موتاً فجائياً وعند التحقيقات تبين ان الرابط بينهن هو عبوات تيلينول. روبرت اندروز، المدير المساعد للعلاقات العامة في شركة جونسون آند جونسون تلقى مكالمة من مراسل اخبار في شيكاغو وقال له أن الطبيب الشرعي قد أعطى تقريرا بأن الأشخاص يموتون من تيلينول مسمومين !! وقال إنه يريد تعليق الشركة على هذه الحادثة هنا كانت المعرفة الأولى للشركة بالقصة قال له أندروز: لا نعرف شيئا عن ذلك !! بعد ذلك بدأت الاتصالات من أكثر من مراسل تستفسر عن الأمر وبدأت القصة بالانتشار بسرعة كبيرة جدا يقول أندروز: تعلمنا أن وسائل الإعلام في كثير من الأحيان تكون الأولى في الساحة، وبالتالي لديهم معلومات حول الأزمة قبل المنظمة نفسها وأقر بخطأ الادارة بعدم فتح الاتصالات مع وسائل الاعلام. ركزت التقارير الإعلامية الأولية على وفاة المواطنين الأمريكيين بسبب التيلينول وبالتالي خلقت وسائل الإعلام وجود ارتباط سلبي جدا مع اسم العلامة التجارية لجونسون. ثلاثة من أكبر شبكات الأخبار تفاعلت مع قصة تيلينول في اليوم الأول للأزمة وضعت شبكة CBS وجها إنسانيا للقصة حيث كتبت ما يلي: " ماري كيلرمان البالغة من العمر 12 عاما استيقظت عند الفجر مع أعراض البرد والحمى أعطى لها والديها مباشرة كبسولة من تيلينول وأعادوها إلى السرير لم يكونو يتخيلون بانهم سيستيقظون صباحا ليجدو ابنتهما ميتة على ارضية الحمام " كما بدأت وسائل الإعلام المطبوعة بعناوين مضرة بشكل كبير لاسم تينيلول التجاري مجلة التايم عنونت "السم المجنون في الغرب الأوسط" نيوزويك عنونت " تيلينول الخوف،" واشنطن بوست "، تيلينول قاتل ام علاج" شركة جونسون اند جونسون لم تكن مسؤولة عن عملية التسمم فالعبوات كان قد عُبث بها وتم اضافة مادة السيانيد القاتلة بكميات كبيرة لمنتجها تيلينول فكيف واجهت الشركة هذه الأزمة ؟ - رئيس جونسون آند جونسون جيمس بيرك قام بتشكيل فريق من سبعة أعضاء وكانت التوجيهات الاستراتيجية للفريق من بيرك أولا، "كيف نحمي الناس؟" وثانياً، "كيف ننقذ هذا المنتج؟" - كانت الإجراءات الأولى للشركة تنبيه جميع المستهلكين على الفور وعبر وسائل الإعلام بضرورة عدم استهلاك أي نوع من تيلينول. - قامت جونسون بوقف الاعلان عن المنتج وسحب كافة المنتجات من منطقة شيكاغو وماحولها وعند التحليل وجد أيضا عبوتان مسممتان بسم السيانيد القاتل. - رغم حصتها السوقية الكبيرة لهذا المنتج قامت الشركة بسحب كافة عبوات تيلينول من السوق والبالغ عددها 30 مليون عبوة كما قامت بإرجاع المبالغ المدفوعة من قبل الناس وإعطائهم حبوبا بديلة أكثر أمانا من خلال هذا أظهرت شركة جونسون آند جونسون أنها لم تكن على استعداد لاتخاذ أدنى مخاطرة بحياة المستهلكين حتى لو كان هذا الاجراء سيكلف الشركة الملايين فكانت النظرة النهائية للجمهور (ان تيلينول ضحية لجريمة خبيثة). - قامت الشركة بالتعاون مع كبار وكالات الانباء بحملة قومية لتوعية الجماهير ومطالبتهم وتحذيرهم من استخدام تيلينول كما قامت بتكوين إنشاء خط ساخن مجاني للرد على كافة الاستفسارات والشكاوي من قبل المستخدمين أو وكالات الأنباء خلال الليل والنهار . - عقدت الشركة عدة لقاءات صحفية في مقر الشركة كما قام المسؤولون في الشركة بإطلاق برنامج تلفزيوني مباشر من نيويورك موجهًا إلى 30 مدينة بالقمر الصناعي مع توفير فرص الرد المباشر على أي استفسار. - توصلت جونسون آند جونسون الى طريقة جديدة في التغليف فقد ابتكروا ختم سلامة ثلاثي مربع لاصق على عنق الزجاجة، وختم على فم الزجاجة بحيث لا يمكن العبث بالمنتج وتم الاعلان عنه بمؤتمر صحفي في مقر الشركة الصانعة حيث أصبح تيلينول المنتج الأول المتبع لطريقة جديدة في التغليف تمنع أي عبث وهذا الابتكار كان بعد 6 أشهر فقط من وقوع الأزمة. - أطلقت الشركة حملة تسويقية كبيرة تروج للعبوة الجديدة. بالنهاية نجحت جونسون في إنهاء الأزمة وكذلك أدخلت أسلوبًا جديدًا في التغليف وبحلول ربيع عام 1983 استطاع تيلينول من استعادة حوالي 80% من حصته الضائعة من السوق . اذن فاستراتيجية الازمة التي اتبعتها شركة "جونسون آند جونسون" هي استراتيجية الغفران والتعاطف وتسعى هذه الاستراتيجية للفوز بالصفح من مختلف فئات الجمهور وخلق حالة التقبل لهذه الأزمة. فبالرغم من أن الشركة لم يكن لها علاقة بموضوع التسمم فقد قدمت تعويضات لأسر المتضررين عن طريق المشورات وبعض المساعدات المادية مما أدى إلى دحر أي مشاعر سلبية من قبل الجمهور ضد جونسون. بعد ذلك قامت بعملية تصحيح للخطأ وذلك باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار الأزمة في المستقبل وذلك بابتكار طريقة تغليف جديدة وهو مثال ممتاز على التصحيح كما أنها وضعت إجراءات تفتيش عشوائي جديدة قبل الشحن لتجار التجزئة. بالنهاية هناك 5 حقائق يمكننا أن تعلمها من قصة تيلينول: 1- كن صريحا وصادقا (الخروج والتحدث بصدق الى الجمهور وقول الحقيقة ). 2- اعمل بسرعة وبشكل حاسم (ايقاف الاعلان عن تيلينول). 3- تحمل المسؤولية، حتى لو لم يكن لك أي علاقة ( سحب حوالي 32 مليون زجاجة من على ارفف كافة المتاجر والتواصل بشكل مستمر مع شرطة شيكاغو لإلقاء القبض على المجرم ). 4- تعامل مع الناس باحترام (تعويض العملاء المتضررين). 5- سلوكك الجيد يدفع الى المزيد من الربح (بعد أقل من عام من إعادة إطلاق تيلينول،استعادت جونسون حصتها السوقية الضائعة ومرة أخرى أصبح الأكثر مبيعا لمسكن للآلام). اليوم تيلينول يتمتع بأعلى التصنيفات لثقة المستهلك، وهو من أكثر الادوية المنصوص عليها دون وصفة طبية. المراجع:
هنا هنا & Johnson.htm
هنا هنا هنا