زحف الحُماة إلى فينتشلي
الفنون البصرية >>>> فن وتراث
شتاء عام 1745 حاول الأمير تشارلز إدوارد ستيوارت الإطاحة ببيت هانوفر واستعادة بيت ستيوارت لعروش بريطانيا العظمى وايرلندا حيث بدا أن هذه المحاولة لا يمكن إيقافها.
في 21 سبتمبر تمّ توجيه القوات البريطانية الوحيدة المتاحة لسحق التمرّد الوليد في اسكتلندا من قبل الجيش اليعقوبي في المرتفعات في معركة بيستوبناس. في أواخر نوفمبر سارت قوّات الأمير "بوني تشارلز" جنوباً إلى مانشستر، في حين كان هناك جيشان بقيادة الأمير أوغسطس دوق كمبرلاند والمشير جورج يحاولان وقف تقدمهم.
في 4 ديسمبر دخل تشارلز وجيشه مدينة ديربي التي تقع شمال لندن بحوالي 120 ميلاً ثم بعدها بيومين حدث ما يُعرف بيوم الجمعة الأسود، إذ وصلت الأنباء إلى العاصمة وصدرت الأوامر لجميع الحرّاس ورماة القنابل بالسير على الفور إلى معسكر في مقاطعة فينتشلي.
إذا فشلت كمبرلاند و وايد في مهمتها فإن هذه القوات ستكون الحاجز الأخير بين الأمير ستيوارت ولندن.
كانت هذه نقطة انطلاق وليام هوغارث لرسم لوحته "زحف الحُماة إلى فينتشلي".
إن هذه اللوحة لا تُعتبر تصويراً دقيقاً لأحداث يوم الجمعة الأسود حيث نلاحظ أن فيها عنصراً تهكّمياً ساخراً موجّهاً اساساً إلى الحكومة البريطانية غير المستعدة وجيشها، في مشهدٍ فوضويّ في شارع المحكمة في توتنهام.
لكن لم تكن السخرية هي هدف غارث الوحيد الذي رسم اللوحة ما بين عامي 1745 و 1750 بمعرفةٍ تامةٍ بالهزيمة وأعقاب التمرّد عندما تمّ تفكيك وتشتيت قبائل المرتفعات القديمة والتي كان يُنظر إليها على أنها شريان الحياة لقضية ستيوارت في اسكتلندا.
أنهت معاهدة لا شابيل في أكتوبر 1748 القتالَ بين بريطانيا وفرنسا، بحيث كانت تنصّ على أنّ أيّ محاولة اعتداء من قبل الفرنسيين لاستعادة أحلام ستيوارت هي غير مرحّب بها، كما تنصّ على أن ستيوارت و تشارلز يجب أن يُطردوا من الأراضي الفرنسية.
بحلول عام 1750 بدا أنّ التهديد اليعقوبي قد تلاشى تماماً.
في هذه اللوحة نرى أن العرض الجماعي والمنفرد هو رمز الحرية للشعب البريطاني كما أنّ انتظام صفوف الرماة الذين نراهم في عمق اللوحة بعيداً يسيرون شمالاً تبيّن أن البريطانيين الصاخبين الفوضويين سيصبحون مدافعين عن حريّتهم إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.
لكن على الرغم من سحق تمرّد عام 1745 و المعاهدة مع فرنسا أشار هوغارت لمواطنيه أن يبقوا يقظين.
ها نحن نجد تحت لوحة حانة آدم وحوّاء إلى يسار اللوحة نوعاً آخر من الخداع المتمثل على شكل أفعى متخفّية في هيئة نبيلٍ فرنسيّ.
كما نستطيع من خلال هذه اللوحة سماع الهمسات والثرثرات بين أتباع اليعقوبي عن غزوٍ وشيك الحدوث.
إلى يمين المتآمرين في وسط مقدمة اللوحة نرى شاباً رامٍ و هنا نقتبس الوصف:
(نراه مُرافَقاً أو بالأحرى محاطاً بامرأتين مزعجتين، واحدة منهنّ تبدو وكأنها مغنّية استعراضية والأخرى هي بائعة متجوّلة ونرى الاثنتين معهنّ أطفالاً أحداهنّ تحمله بين ذراعيها والأخرى تحمله في بطنها وتطالبانه كوالد أن يتخذ قراراً وبتقبّل هذا الظرف، فيما عدا هذه الحالة، لا نرى أي تشابه أو أي شيء مشترك بين المرأتين لا من حيث الشخصية ولا السخرية ولا الملامح حيث أنهما من نماذج مختلفة تماماً بالنسبة لشخصٍ يعمل لصالح الحكومة بينما الآخرين ضدها)
نرى المرأة الواقفة إلى يساره تحدّق إليه بعينين كئيبتين و تضع يدها على بطنها المنتفخة و معها ورقة مكتوبٌ عليها أغنية لدوق كمبرلاند مكتوب فيها: (حفظ الله ملكنا نوبل) في إشارة إلى أنها مؤيّدة للتسوية البروتستانتيّة التي يجسدها بيت هانوفر.
بينما المرأة الأخرى نرى وجهها الغاضب والمتحمّس ممسكةً بيد الشاب في حين أن هناك شاباً آخر يحمل لفافة صحيفة، وتظهر الجريدة اليعقوبية وصليب ظاهر للعيان على ظهر المرأة ما يعني أنها مؤيدة للكاثوليك المدعومين من قِبل ستيوارت. بدوره نرى الشاب يمثّل الدولة الجديدة لبريطانيا العظمى مع علم الإتحاد وراءه تماماً.
إذا ما نظرنا بشكل جماعي لهذه اللوحة فإننا نرى أن هذه المجموعة كاملةً ترمز إلى كفاحٍ ذي علاقة بالسلالة الحاكمة لروح هذه الدولة الوليدة، فنرى اليعقوبي يمسك بمذكّرة وهي ورقة مناهضة للحكومة والتي هي بمثابة تذكير للولاء البريطاني السابق لها.
الحقيقة أن المرأة التي نراها على وشك الإعتداء على الشاب الرامي يعني أنها مستعدة لاستخدام العنف والقوة لفرض حقوقها عليه، بينما المرأة الشابة ببساطة اغرورقت عيناها بالدموع مشيرةً إلى المستقبل الذي يرمز له الطفل الذي لم يولد بعد.
بعد أحداث عام 1745 تابع الأمير تشارلز التواصل مع اليعقوبيين في بريطانيا، في السنة التي أكمل فيها هوغارث لوحته، قام تشارلز بزيارة سرية إلى لندن لمناقشة حملة جديدة.
كما نرى إلى يمين اللوحة رجلاً يقف بقرب مالك الحانة في ظلّ لوحة تصوّر تشارلز الثاني، إذ نرى هذا الرجل شاحباً وطويل القامة وينظر شمالاً غافلاً عن الرعية حوله ويُعتقد أن هذا الرمز فيه إشارة خفيّة إلى تشارلز ستيوارت الذي لا يزال في المنفى ومصمماً على العودة.
وسط هذا الزحام يظهر لنا شابٌّ بريطانيٌّ مع عشيقته الجميلة وكأنها تتقدّم خطوة إلى الأمام في إشارة إلى أن بريطانيا فعلاً أخذت قرارها.
المصادر:
هنا