لماذا يجب أن تنقطع عن التدخين قبل الجراحة؟
الطب >>>> الجراحة
كان التوقيت مناسباً لهدى، فهي قد أنهت امتحاناتها للتو، ويمكنها أن ترتاح في المنزل بعد العملية. لم تخبر هدى الطبيب أنها تدخن النرجيلة مرتين، وأحياناً أكثر، في اليوم الواحد، وذلك منذ أن بدأت دراستها الجامعية، ولم يسألها الجراح فيما إذا كانت مدخنة. كانت العملية سهلة وسريعة. ولكن التهاب القصبات المزمن الذي كانت تعاني منه بسبب التدخين الكثيف أدى إلى خروج كمية كبيرة من المفرزات أثناء الصحو من التخدير، وأدى انسداد الطرق التنفسية بالمفرزات إلى حدوث التهاب رئوي حاد. بقيت هدى في وحدة العناية المركزة لأسبوع كامل بعد العملية، ولحسن الحظ تعافت بشكل كامل. وبعد نجاتها بأعجوبة من التهاب رئوي قاتل قررت هدى الانقطاع نهائياً عن التدخين.
كانت هدى على الأقل أوفر حظاً من الموظف المتقاعد أبو وليد. يبلغ أبو وليد من العمر سبعين عاماً، قضى منها خمسين عاماً على الأقل برفقة السجائر. لم يخطر ببال أبو وليد أنه سيضطر في تلك الليلة إلى دخول غرفة العمليات بشكل عاجل، وذلك بعد حدوث انسداد تام في الأمعاء الدقيقة بسبب التصاقات ناتجة عن عملية سابقة في البطن.
وكما حدث مع هدى فقد مرت العملية دون مشاكل تذكر، ولم تستغرق أكثر من ساعتين من الزمن. ولكن المشاكل بدأت في اليوم التالي للعملية، حيث بدأ أبو وليد بالسعال الشديد بسبب الانقطاع المفاجئ عن التدخين. أدى السعال المتكرر إلى الضغط المتواصل على الجرح البطني الكبير واشتداد الألم في جرح العملية. وفي النهاية انفتح جرح العملية بعد ثلاثة أيام بسبب الضغط المتواصل وضعف العضلات البطنية، فاضطر الجراح لإعادة إدخال أبو وليد إلى غرفة العمليات مرة أخرى لخياطة الجرح. ولكن المشاكل لم تتوقف عند هذا الحد، فبعد بضعة أيام من العملية الثانية توفي أبو وليد بشكل مفاجئ، وكان التشخيص جلطة دموية في أوردة الساق انتقلت بشكل مفاجئ إلى الرئة وأدت إلى الوفاة.
التأثيرات الضارة للتدخين بعد العمليات
ليست هذه القصص من نسج الخيال، فهي من الحالات التي يشاهدها الجراحون بشكل شبه يومي. ولا يدرك الكثير من الناس أن تأثيرات التدخين لا تقتصر على الأمراض طويلة الأمد التي تحتاج إلى عدة عقود حتى تظهر، وإنما يمكن للتدخين أيضاً أن يهدد الحياة بشكل مباشر حين يحتاج المدخن لإجراء عملية جراحية، وخاصة حين تكون هذه العملية إسعافية.
فأثناء العملية يتأثر المدخن أكثر من غيره من مضاعفات التدخين المعروفة على القلب والأوعية الدموية، والتي تشمل التصلب الشرياني وارتفاع الضغط الدموي. وتكون نسبة الاختلاطات القلبية المختلفة (مثل الجلطة القلبية واضطرابات نظم القلب) أثناء الجراحة أعلى لدى المدخنين.
وبعد العملية تبدأ المشاكل بالظهور لدى معظم المرضى المدخنين أثناء الصحو من التخدير العام، حيث يعاني المريض من التهيج الشديد ويشعر بالاختناق. ويعود ذلك إلى التهاب القصبات المزمن والمفرزات الغزيرة التي تتراكم في الطرق التنفسية، وتمنع دخول الأوكسجين إلى الجسم ووصوله إلى الدماغ أثناء فترة الصحو الحرجة.
وعلينا ألا ننسى أن رئة المدخن هي عضو ضعيف المناعة، وذلك لأن جزءاً كبيراً منها هو نسيج ميت ومتخرب بسبب المواد السامة المتولدة عن احتراق التبغ. ولذلك فإن تراكم المفرزات في الطرق التنفسية سيؤدي إلى دخول الجراثيم بسهولة إلى الرئة ومهاجمتها. وهكذا يدخل المريض في مشاكل جديدة أخطرها الالتهاب الرئوي، والذي قد يكون مهدداً للحياة. وحسب ما تشير الدراسات فإن التدخين يؤدي إلى زيادة نسبة المضاعفات الرئوية خلال الجراحة أو بعدها بمقدار ستة أضعاف.
ولا تقتصر المضاعفات على الرئة، فالمدخن الذي انقطع بشكل مفاجئ عن التدخين بسبب العملية سيضطر للسعال بدرجة أكبر في الأيام التالية للعملية بسبب زيادة المفرزات خلال هذه الفترة. ويؤدي السعال الشديد إلى مشاكل كثيرة مثل حدوث النزف (بسبب ارتفاع الضغط المفاجئ في الأوعية الدموية)، ومضاعفات الجروح (مثل اشتداد الألم وانفتاح الجرح).
ولا ننسى أن تراجع القدرة على تزويد الأنسجة بالأوكسجين (بسبب المشاكل الرئوية) والمواد الغذائية (بسبب التصلب الشرياني) سيؤدي إلى مضاعفات في الجروح الجلدية. فالجروح لن تلتئم بالسرعة المفترضة، وستكون مناعتها ضعيفة مما يؤهب لحدوث الالتهابات الجرثومية فيها. فضلاً عن ذلك فإن الندبة المتولدة عن الجراحة ستكون أكثر بروزاً بسبب بطء الالتئام وضعف الأنسجة، وسوف يُحرم المريض حتماً من النتائج التجميلية التي يمكن أن يتمتع بها غير المدخنين.
وأخيراً فإن الأمراض القلبية الوعائية الناجمة عن التدخين المزمن ستؤدي إلى زيادة احتمال إصابة المريض بمجموعة من المضاعفات التي قد تكون قاتلة، ومن أهمها الجلطات الوريدية في الساق، الجلطات الرئوية، الجلطات القلبية، والجلطات الدماغية التي قد تؤدي إلى الشلل النصفي.
ما الذي يجب أن يفعله المدخن قبل العملية؟
كلما كانت فترة الانقطاع عن التدخين قبل العملية أطول كلما أدى ذلك إلى نقص أكبر في نسبة المضاعفات. ويتوجب في الحالات المثالية إيقاف التدخين قبل شهرين على الأقل من إجراء أي عملية جراحية انتخابية (غير عاجلة) لتفادي المضاعفات الخطيرة المذكورة أعلاه، ذلك أن الفترة اللازمة لزوال التأثيرات السلبية للتدخين المديد تبلغ 4-8 أسابيع على أقل تقدير.
إذا كانت العملية ضرورية ولكنها غير إسعافية فيتوجب على المريض الانقطاع عن التدخين مباشرة والانتظار لمدة أسبوعين على الأقل قبل دخول غرفة العمليات. ولا يفيد تخفيف التدخين جزئياً في مثل هذه الحالات، فهو لا يلغي التأثيرات الضارة الناجمة عن التدخين ولا يخفف من نسبة المضاعفات بشكل مهم. والإجراء الوحيد الذي يمكن أن يخفف بشكل فعلي من نسبة المضاعفات هو إيقاف التدخين تماماً، وذلك لأطول فترة ممكنة قبل العملية.
وتشير إحدى الدراسات التي أجريت في السويد إلى أن نسبة المضاعفات الجراحية لدى المرضى المدخنين الذين لم يوقفوا التدخين على الإطلاق قد وصلت إلى 41%. أما في المرضى الذين توقفوا عن التدخين قبل 1-2 أسبوعاً من العملية فقد بلغت نسبة المضاعفات 21%. وانخفضت هذه النسبة إلى 15% فقط في المرضى الذين توقفوا عن التدخين قبل 3 أسابيع أو أكثر من إجراء العملية.
وأخيراً فإن إجراء عملية جراحية يشكل فرصة ممتازة للتخلص نهائياً من هذه العادة السيئة، وذلك لأن من الضروري للغاية إيقاف التدخين لفترة طويلة قبل العملية وبعدها. إذا كان الطبيب قد أعطاك موعداً معيناً لإجراء عملية جراحية ما، فحاول أن تعقد العزم على إيقاف التدخين مباشرة، وذلك على أمل الامتناع عنه بشكل كامل وعدم العودة إليه نهائياً. وحين تقرر بأنك ستجري أي عملية جراحية فهذا يعني أنك مهتم بالفعل بصحتك، ولذلك فمن الأولى أن تعيد النظر بعاداتك الشخصية خلال هذه الفرصة وتفكر بالإقلاع نهائياً عن التدخين. وقد رأينا في ممارستنا الطبية الكثير من المرضى الذين تمكنوا من الإقلاع عن التدخين بشكل نهائي عند إجراء عملية جراحية بسيطة بمجرد أنهم اتخذوا هذا القرار ودون الحاجة لأي مساعدة خارجية.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا