تلافيف القشرة الدماغية وانثناءاتها عند الحيوانات يفسرها علماء الأعصاب والفيزياء
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
فنحن جميعاً نعلم أنَّ أدمغة الثدييات سواء الدماغ البشري أو دماغ الفيلة أو الحيتان مغلفة بقشرة ذات طيات وانثناءات معقدة وقد اجتهد العلماء دائماً لتفسير حدوث هذا الشيء عند بعض الحيوانات وغيابه عند بعضها.
لقد أظهرت دراسة جديدة أن درجة الانثناءات هذه تتبع إلى علاقة رياضية بسيطة تدعى "قانون التحجيم" الذي يفسر أيضاً تجعُّد وتغضن هذه الطبقة.
حيث تشير هذه الدراسة إلى أنَّ أشكالاً لا تعد ولا تحصى من أدمغة الثدييات لا تنشأ من العمليات التنموية والجنينية الدقيقة التي تختلف من نوع إلى نوع، بل تنشأ من نفس العملية الفيزيائية البسيطة.
يقول Georg Striedter عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا University of California أنه من النادر في علم الأحياء أن تجد علاقة رياضية مناسبة ومطابقة تماماً لجميع البيانات ومع ذلك فإنه ما يزال يناقش فكرة أن (قانون التحجيم) هذا يصور نموذجاً للانثناءات بين الأدمغة تامة التطور في حين لا يفسر كيف تتشكل هذه الانثناءات.
من المعروف أن وظيفة الانثناءات أو التلافيف في أدمغة الثدييات هي (زيادة المساحة الإجمالية) لقشرة الدماغ والطبقة الخارجية للمادة الرمادية حيث تكمن الخلايا العصبية.
لكن ليس جميع الثدييات تمتلك قشور دماغ منثنية، فعلى سبيل المثال: أدمغة الفئران والجرذان ذات سطح أملس وهي عديمة التلافيف، مع أنها قد تتمتع بالذكاء، بالمقابل فإنَّ الحيتان والكلاب والقطط ذات أدمغة منثنية السطح وذات تلافيف.
فعلى مدى عقود من الزمن بذل العلماء قصارى جهدهم في ربط كمية التلافيف والانثناءات في أدمغة الانواع ببعض خصائصها المميزة؛ على سبيل المثال، على الرغم من أن الحيوانات ذات العقول الصغيرة تميل إلى أن تمتلك قشرة دماغ ملساء إلا أنه لا توجد علاقة واضحة بين كمية الانثناءات وكتلة الدماغ (تقاس كمية الانثناءات من نسبة المساحة الإجمالية للقشرة على السطح الخارجي الظاهر من الدماغ) وبالمثل، لا توجد علاقة واضحة بين كمية الانثناءات وعدد من الخلايا العصبية، أو المساحة الإجمالية للقشرة، أو سماكة القشرة.
أما الآن كلا العالمين Suzana Herculano-Houzel و Bruno Mota عالمي الأعصاب والفيزياء بالترتيب في الجامعة الاتحادية في ريو دي جانيرو في البرازيل Rio de Janeiro in Brazil وجدا علاقة رياضية للتلافيف والانثناءات في أدمغة الثدييات يبدو أنها ستكون علاقة عالمية، وذلك باستخدام بيانات 62 نوعاً مختلفاً، حيث قاما بحساب مساحة القشرة مضروبة بـ الجذر التربيعي لسماكتها مقابل المنطقة الظاهرة للدماغ.
وقد وثق الباحثون على موقع Science أن إسقاطات جميع النقاط على منحنى بياني أخذت منحى واحداً سواءً عند الأنواع عديمة التلافيف أو ذات التلافيف، كما أظهر المنحني أن مجموع المساحة الكلية والسماكة يتزايد مع مساحة المنطقة الخارجية المكشوفة مرفوعاً إلى قوة 1.25، كما أن منطقة المحيط تنمو مع نصف قطر الدائرة المرفوعة للقوة 2.
قد يبدو هذا معقداً، إلا أن هذه العلاقة نفسها تمثل لفافات الورق المغضنة حيث قامت الباحثة Herculano-Houzel بجمع شرائح ورقية ذات أحجام وسماكة مختلفة وفردتها على طاولة الطعام وقاست مساحة السطح وشرحت العلاقة بأن الورقة المثنية أو المحدبة موضوعة بهيئة تقلل من فعاليتها، لذلك يفترض ببساطة أن طيات وثنيات قشرة الدماغ أيضاً تتوضع بشكل يجعل طاقتها الميكانيكية بحدودها الدنيا. لكن Striedter (مشارك في تدوين الدراسة في موقع Science) يناقش فكرة أن التشبيه بين كدسات الورق وقشرة الدماغ غير دقيق تماماً حيث أن الورق يتعرض لقوى خارجية تطبقها اليدين! في حين أن القوى التي تتعرض لها قشرة الدماغ من المفروض أنها داخلية المنشأ ولم يتوصل العلماء بعد إلى تحديد كيف تنشأ هذه القوى الداخلية وحدوث التلافيف والانثناءات، على سبيل المثال تقترح بعض الدراسات أن الطبقة الخارجية للقشرة تنمو أسرع من الطبقة الداخلية مما يزيد كمية الانثناءات.
ومع ذلك فإن Herculano-Houzel ترى الأمر بشكل مختلف، ففي كل مرحلة من مراحل النمو تخضع القشرة المتنامية إلى قوى خارجية مطبقة من الجمجمة كما تقول، ومع نمو القشرة في حيز ضيق لابد له أن يجعل القشرة تتجعد،وبالتالي فإنه في كل مرحلة من مراحل النمو يطبق (قانون التحجيم)، وهذا الاعتقاد لابد من التحقق من صحته وفي حال نجاحه عندها ليست هناك حاجة لآلية أخرى تشرح لنا لغز هذه الإنثناءات وتشكل التلافيف.
المصدر: هنا