طرق علاجية جديدة للسرطان باستخدام جزيئات الـ miRNA
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
في نفس هذه السياق تشير الدراسات إلى أن حوالي 30% من مورثاتنا خاضعة لتنظيم miRNA. وأن جزيئة واحدة منها قادرة على تعديل عمل مئات الجينات في مرحلة مابعد النسخ. وهذا ما فتح الباب أمام تغييرٍ جذريٍ في المفاهيم المتعلقة بتنظيم عمل المورثات.
لاحظ الباحثون توضع أكثر من نصف المورثات المسؤولة عن الــــ miRNA ضمن مناطق الجينوم المرتبطة بالسرطان أو المناطق الهشة fragile sites. وأن هذه الجزيئات تقوم بدورين متضادين ضمن الخلية الحية، فقد تلعب هذه الجزيئات من جهة دور الكابحات السرطانية وأن فقدان هذه الجزيئات لوظيفتها بسبب أي خلل في الجينات المسؤولة عن هذه المجموعة، سوف يؤدي إلى تحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية ومن الأمثلة على هذا النمط من جزيئات miRNA الكابحة لتشكل الأورام السرطانية جزيئات الــ let-7 و miR-29 . ومن جهة أخرى، قد تلعب جزيئات مثل miR-155 و miR-21 الدور المسبب للسرطان عن طريق استهدافها وإتلافها لجزيئات الــــ mRNA المشفرة للبروتينات الكابحة لتشكل الورم السرطاني مثل الجينات المسؤولة عن الموت المبرمج للخلايا Programmed cell death والمعروفة اختصاراً بـ(PDCD4). حيث أظهرت الدراسات الحديثة مؤخراً أن جزيئات الـــ (miRNA (miR-21 and 29a) تساهمان في تفعيل مستقبلات لبروتينات المناعة الفطرية المعروفة بــ Toll-like receptor TLR وهذا يخلق استجابة داعمة للإلتهاب والتنكس العصبي وتطور الورم . ويعزز دور الــــ miRNA المسرطنة كوسيط فعال في العمليات الالتهابية وتحكمها بمكونات المناعة الذاتية.
لقد دفعت جميع المعلومات السابقة الباحثين للنظر باحتمالة تأثير هذه الجزيئات الصغيرة على مناعة الجسم بشكل عام، وفهم ألية نشوء الأمراض السرطانية وطرق علاجها بشكل خاص. ومن خلال العديد من الدراسات البحثية التي اجريت على الأجسام الحية لاحظ العلماء انه من الضرورة بمكان استخدام جزيئات الــــ miRNA الكابحة للورم في استهداف وابطال عمل نظيراتها المسرطنة ليكون هذا الإجراء إحدى الطرق العلاجية الجديدة للسرطان.
من أهم الأسباب التي دفعت العلماء لاتباع هذا النوع من العلاج هو ملاحظة الإختلاف الكبير للتعبير الجنيني المسؤول عن جزيئات الميكرو في الخلايا السرطانية مقارنة بالخلايا السليمة، وبالتالي فإن العمل على تغيير التعبير الجيني لهذه الجزيئات في الخلايا المستهدفة قد يعطي إمكانية كبيرة للتحكم بتطور المرض. ومن أهم ميزات هذا العلاج هو القدرة العالية لهذه الجزيئات للتحكم بعمل أكبر عدد من الجينات ولكنها بنفس الوقت قد يؤدي إلى تفعيل مورثات غير مرغوبة والحصول على نتائج غير متوقعة. ومن ناحية أخرى فأن فاعلية مثل هذه الجزيئات مرتبطة بعوامل متعدد تختلف هذه العوامل باختلاف النسيج المستهدف وايضأ من شخص لآخر. وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات التي تواجه هذا النوع من العلاج فإن فكرة العلاج المعتمد على الــ miRNA تعتبر فكرة خلاقة ينظر لها العلماء بنظرة من التفاؤل.
حالياً يركّز الباحثون في دراستهم للميكرو رنا على الجوانب التالية:
1- أنظمةإدخال الـmiRNA إلى الخلايا المستهدفة :
حيث يعمل بعض الباحثين على تصميم نموذج مثالي لنقل الــ miRNA يعتمد في مبدؤه على ربط الميكرو رنا بحويصلة دهنية (ليبوزوم) قادرة على نقل المادة الوراثية إلى المكان المطلوب في الجسم و من ثمّ إدخالها إلى داخل الخلية الهدف. لكن إلى الآن لم يتمالحصول على نتائج مجدية إذ تبيّن أنّ استخدام جزيئات الليبوزوم يمكن أن يسبب استجابة التهابية للجسم تجاهها.
في دراسة أخرى نجح باحثون من كلية الطب في جامعة كاليفورنيا (سان دييغو) باستهداف الخلايا اللمفاوية التائية بخلايا لمفاوية بائية معدّلة وراثيا تستطيع تخليق و تسليم أجزاء الـ miRNA إلى داخل الأنسجة. حيث أجروا تجاربهم على الفئران و حصلوا على نتائج مبشّرة يمكن اعتبارها الخطوة الأولى لاستخدام الــ miRNA المعدّل وراثيا لأغراض علاجية.
من الناحية التطبيقية يمكن استخدام الـ miRNA في العلاج البديل بإدخالها إلى داخل الأنسجة ، و ذلك من أجل تعويض المستويات الطبيعية للخلايا الدفاعية (اللمفاوية التائية) و التي انخفضت أو تخرّبت بسبب أمراض المناعة الذاتية او الالتهابات. كما يمكن استخدام هذه التقنية في تثبيط بعض أنواع الـ miRNA من أجل زيادة نسبة البروتينات العلاجية.
يُعدّ هذا النوع من التجارب جديدا و قيد التطوير و التحسين، و لا يوجد حتى الآن طريقة عملية مثالية لإيصال الميكرو رنا بشكل آمن و اقتصادي.
2- تطوير علاج للسرطان يعتمد على تثبيط الـ miRNA:
يمكن تثبيط الـ miRNA بطُرُق مختلفة، إحداها تعتمد على سلسة قصيرة من القواعد الوراثية oligonucleotides تحمل تسلسل وراثي يكون قادراً على الإرتباط مع الـ miRNA المُسرطِنة،
وبالتالي تصبح جزيئات الميكرو رنا غير قادرة على الارتباط بالــ mRNA الرسول للجين المستهدف ويكون قادراً عن التعبير عن نفسه وإنتاج البروتينات اللازمة لمنع تطور الورم السرطاني.
3- تطوير علاج للسرطان يعتمد على أنواع معيّنة من الميكرو رنا المسؤولة عن إسكات المورثات السرطانية:
حيث تمكّن فريق الباحثين بقيادة الدكتور ريكي ليونغ (Ricky Y.K. Leung) في معهد جامعة كليفورنيا للأورام بإيجاد نوع جديد الــ miRNA المعروف باسم (hsa-miR-765) و الذي يتمّ تنشيطه بشكل خاص بواسطة العقاقير المضادة للأستروجين (فولفيسترانت - fulvestrant). لوحظ أنّ هذا النوع من الـ miRNA يقوم بكبح تعبير مورّثة (HMGA1) المُسَرطِنة و المرتبطة بتطوّر سرطان البروستات و نموّه.
قام الباحثون بدراسة عيّنات مستنبتة و محضّرة من خُزَع ورم البروستات مأخوذة من مرضى تمّ إعطاؤهم جرعة من فولفيسترانت قبل استئصال غدة البروستات ب 28 يوم ، فلاحظوا ارتفاعاً في مستويات الميكرو رنا (hsa-miR-765) و كبحاً شبه تاماً لمورثة ال (HMGA1) في عيّنات الورم. هذا يشير إلى أنّ الفولفيسترانت الذي تناوله المرضى أدّى إلى زيادة نسبة الـ miRNA و الذي بدوره أدّى إلى كبح تعبير مورثة (HMGA1) المرتبطة بالسرطان. بكلام آخر فإنّ الـ (hsa-miR-765) يقوم بإسكات المورثة السرطانية.
ألقت نتائج هذا البحث ضوءاً على التأثير الملموس لمضادات الاستروجين (فولفيسترانت) و الذي يكمُن في زيادة تنظيم الـ (hsa-miR-765) الكابح لمورّثة (HMGA1) و بروتينها.
بالتالي تساهم هذه النتائج في تشكيل رؤى جديدة على تأثير الأدوية المضادة للأستروجين، حيث من المحتمل أن يكون لها دور في إبطاء تطوّر سرطان البروستات الأولي أو حتى إيقافه. كما تشير النتائج إلى ضرورة تطويرعلاج جديد قائم على كلٍّ من الـ miRNA و مضادات الاستروجين و الذي سيتمتّع بسميّة و تأثيرات جانبية أقل في المستقبل.
في الختام يمكننا القول أنّه رغم اختلاف الأساليب و الاستراتيجيات المتّبعة في الأبحاث إلّا أنّ الباحثين يتّفقون في أنّ فهم خصائص الـ miRNA سيساعد في وضع استراتيجية جديدة لعلاج السرطان.
المصادر:
هنا
هنا
البحث الأصلي: هنا