التعديل الجيني يعيد الحياة إلى مجال زراعة الأعضاء| أملٌ جديدٌ لنقل الأعضاء من الخنزير إلى الإنسان
البيولوجيا والتطوّر >>>> التقانات الحيوية
يُحضِر أحد المساعدين الرئة ل "لارس بردورف" وزملائِه الجراحين؛ الذين يقومون بإجراء العملية على صدر البابون المفتوح. يبدأ الفريق العملية المثابِرة في توصيل الرئة الى القصبة الهوائية للبابون وتخييط الأوعية الدموية والشرايين.
هذه العملية التي كلفت 50 ألفَ دولار وأُجريت في خمسِ ساعات ليست الا نقطة بياناتٍ واحدة ضمن تجربة أطول وأشمل بكثير. عملية تتضمن استخدام العديد من المخابر وعقود من البحث في مجال علم المناعة وهندسة الجينات لإنتاج مصدر سليم وثابت لنقل الأعضاء الى الإنسان. إذا تحمَّل جهاز مناعة البابون هذه الرئة الُمبدلة، ستكون هذه إشارةً قوية الى أنَّ الفريق ماضٍ على الطريق الصحيح.
يترأس روبن بيرسون مختبر ميريلااند، وقد أجرى أكثر من خمسينَ عملية نقل أعضاء بين خنازير وحيوانات من الرئيسيات. وقد قام بدراسة خلطاتٍ مختلفةٍ من التعديلات الجينية في الخنزير والأدوية المثبطة للمناعة في الرئيسيات، ومع كلِّ تلك المحاولات لم يحصل الفريق على حيوانٍ ناجٍ لأكثرَ من بضعةِ أيام. حيث أنَّ تعقيدات الجهاز المناعي وإمكانية الإصابة بالتهاب فيروسي من الخنزير هائلة، وذلك قاد الكثير من الشركات لترك هذا المجال في أوائل ال٢٠٠٠.
ولكن اليوم، وبفضل التقدم الكبير في تطوير أدوية تثبيط المناعة والتطور في تقنيات تعديل الجنيات مثل CRISPR/Cas9. ستعود هذه التجارب الى الحياة مرَّة أخرى، فهذه التقنيات تسمح للعلماء بتعديل جينات الخنزير، التي تتسبب بالرفض أو الالتهاب. ويتوقع بعض الباحثين في السنين القادمة القريبة دراساتٍ سريرية على الإنسان، وذلك في الأعضاء الصلبة كالكلية المأخوذة من خنزير مُعدَّل وراثياً.
على سبيل المثال، فإنَّ شركة تقانة حيوية في سلفر سبرنج في ميريلاند أنفقت مِئة مليونِ دولار في السنة الفائتة لتسريع عملية إنشاء خنازير مُعدَّلة وراثياً لنقل الرئات. سابقة استثمار صناعية في تاريخ الشركة منذ أكثر من عشر سنوات. تقول الشركة أنَّها تريد لهذه الرئات ان تدخل التجارب السريرية قبل نهاية عام ٢٠٢٠. آخرون يعتقدون أنَّ الإطار الزمني غير واقعي، على الأقل بسبب المنظمين الذين لا يتساهلون بجوانب الأمان والخطورة بخصوص أعضاء الخنازير التي قد تنقل أمراضاً للانسان المُثبَّط مناعياً.
ولكن، ما الذي حدث قبل ذلك؟ وكيف توصَّل العلماء والجرَّاحون إلى مرحلة زرع أعضاء ونقلها من الخنزير الى الرئيسيات ورُبَّما -مستقبلاً- إلى البشر أيضاً؟
- تاريخ طويل من المحاولات:
لقد حاول الجراحون زرع كلى الشمبانزي والبابون في الإنسان منذ عام ١٩٦٠، وقد حصلوا على نجاحٍ ضئيل؛ فقد توفي المرضى بعد أشهر قليلة، غالباً بسبب مهاجمة جهاز المناعة ورفضِه للعضو المزروع. برغم ذلك فقد استمرت عملية زرع الأعضاء، غالباً بسبب الأمل الكبير المنوط بهذه العمليات، حيث من الممكن - يقول مؤيدون- أن تساعد هذه الزراعة على حفظ حياة عشرات الآلاف من الناس حول العالم الذين يموتون كل سنة بينما ينتظرون الحصول على مُتبرعٍ بشريٍّ مناسب.
ولكن اتضح ان نظام المناعة أكثر تعقيداً من المتوقع، وحيوانات البابون التي زُرعت فيها الرئة لم تنجُ لأكثر من أسابيع قليلة حتى عندما تمكن الباحثون من تثبيط الجهاز المناعي بالادوية. إنَّ نقل الأعضاء من الخنازير يُشكِّل قلقاً كبيراً خاصة للمنظمين، يتمثَّلُ في خطورة الإصابة الفيروسية حتى لو أُبقيت الخنازير عقيمة بشكلٍ تام. حيث يحوي التكوين الجيني للخنزير العديد من الفيروسات الإرتجاعية (Retroviruses) النائمة.
عندما ظهرت تفاصيل أكثرُ دقة عن ظاهرة رفض الأعضاء المزروعة من غير الإنسان في عامِ 1990، كان مجالُ زرعِ الأعضاءِ كان جاهزاً للاستماع. وفي عام ١٩٩٣، اكتشف الجراح ديفد كوبر من جامعة بيتسبرغ في بنسلفينيا أنَّ معظم تفاعلات المناعة كانت موجهة ضد مولد ضد (antigen) واحد من الخنزير، وهو جزئ سكر يسمى الفا ١،٣ جالكتوز α-1،3-galactose أو اختصاراً α-gal، وهو ضروري لإنتاج السكر.
هذا الاكتشاف والتطورات الأخرى في طب زراعة الاعضاء جعل المشكلة قابلة للحل من قِبَل الشركات الدوائية. في عام ١٩٩٦، بدأت شركة نوفارتس في بيسل، سويسرا الاستثمار بقوة في بحثِ زراعة الأعضاء. نوفارتس خططت مبدئياً لإنفاق أكثر من بليون دولار على زراعة الأعضاء، متضمناً البحث العلمي والتخطيط للبنية التحتية المُحتاجة لنمو الدراسات المرتبطة لإيجاد إمكانية نجاح العملية في الإنسان.
في الوقت الحالي، بدأت بعض فِرَق الباحثين والشركات الجديدة بمتابعة زراعة أنسجة الخنزير. في ابريل، وافق المُنظِّمون الصينيون على استخدام قرنية خنزير والذي نُزِعت منه الخلايا بشكلٍ كامل. أيضاً على الأفق القريب، جزر إنتاج الانسولين من الخنزير قد تستخدم للبشر المصابين بمرض السكري.
أول جزر بنكرياس جاهزة ستأتي من شركة ليفنج سل تكنلوجيز، شركة تقانة حيوية مؤسسة في اوكلاند بنيوزلند. والتي طورت عملية ل كبسلة خلايا جزر البنكرياس في غشاء جيلاتيني بحجم قطر الندى، الذي يحميهم من هجمات جهاز المناعة. المنتج يدعى ديابيسل، وهو حالياً في الطور النهائي من الدراسات السريرية في عدة دول، المرضى قد نجوا لأكثر من تسع سنوات حتى الآن بدون أي دليل على الالتهاب أو رفض جهاز المناعة لهذه الكبسولات.
*الصورة أدناه تُلخِّص أهم ما توصل إليه العلماء في الاستفادة من أعضاء الخنزير:
Image: Nature
في عام ٢٠٠٣، أنتج مؤسس ريفي فيكور ديفد ايراس وزملاؤه اول خنزير مستنسخ معدل وراثياً تم فيه حذف α-gal. الشركة منذ ذلك الوقت تقوم بتجارب بتبديل مُولِّدات الضد لبروتينات أخرى قد تُحفز الجهاز المناعي أو تسبب تجلط الدم البشري.
هذه التغييرات والتطورات قد أطالت فترة البقاء للعضو المزروع في البابون، في إحدى الدراسات السريرية، أخذ الجراح محمد محي الدين وزملاؤه في معهد الرئة والقلب والدم في في ميريلاند قلباً من خنزيرٍ معدلٍ وراثياً، والذي احتوى مورثتين من الانسان تحمي من التجلط وتم تخييط هذا القلب داخل بطن البابون، القلب لم يأخذ مكان قلب البابون لكن الحيوان عاش مع العضو المزروع لسنتين ونصف.
يقول محي الدين أنَّ المجموعة تحاول الآن "زراعة مساعدة بتبديل قلب البابون بقلب خنزير". ومن الجدير بالذكر أنَّ أطول زراعة مُساعِدة للحياة نُشرت في شهر حزيران؛ عندما أعلنت مجموعة كوبر أنَّ زراعة كلية من خنزير ريفي في كور مع ست جينات معدلة ساعدت البابون للعيش ل ١٣٦ يوم.
إذاً فالحل الأساسي يكمُن في تعديل جينات الخنزير أولاً، بدلاً من تثبيط مناعة المُستقبِل للعضو المزروع. ولذلك فإنَّ الكثير متحمسون لدقة أدوات تعديل الجينات مثل CRISPR/Cas9 والذي يمكنه بدقة قطع نسختين من الجين أوعدة جينات مباشرة ومن مرة واحدة من جنين الخنزير. أول اخراج للجين α-ga يخنزير أخذ ثلاث سنوات كاملة- يقول جوزيف تيكوتور- جراح زراعة أعضاء في جامعة انديانا في انديانا بولييس. الآن يمكننا أنتاج خنزير من الصفر في مئة وخمسينَ يوماً. وبالفعل فقد تمكَّن فريقه من فريقه استخدام تقنية كرسبر لإخراج مورثتَين من الخنزير في وقت واحد. بدأ الباحثون الآن بزراعة الأعضاء المعدلة ب تقنية كرسبر في حيوان الماكيكس، وقد عاش أحدهم لأكثر من ثلاثة أشهر.
مع القائمة الطويلة لمعطيات العقبات المعروفة، " المفاجأة تكمن في أنَّ المشاكل التي تظهر على مدى الطريق للباحثين قد تكون مُحبِطة. فبعد نصف ساعة من العملية في الجامعة في ميرلاند، أفاق البابون مع رئة الخنزير في قفصٍ مرتدٍ سترة تُراقِب علاماتِه الحيوية. الرئة تعمل بشكلٍ جيدٍ خلال الليل وكانت قابلة لنقل الأكسجين للحيوان، وعندما تدفق الدم خلال الرئة الأخرى أصبحت مسدودة جزئياً. ولكن في اليوم التالي أصبح الحيوان مريضاً للغاية وصار من اللازم قتله!
كان ذلك غير متوقع، يقول بيرسون؛ إنَّ التعديلات الجينية في الرئة عملت بشكل جيد مع جهاز المناعة في البابون، لكنَّ فحص تشريح الجثة أثبت وجود تراكم سوائل في الرئة وبالتالي تطوَّرت جلطات عديدة في العضو. مثل كثيرٍ من جوانب زراعة الأعضاء يقول بيرسون، هذه المشكلة التي مازلنا نتعلم عنها.
المصدر: هنا