قصة التغير المناخي كما ترويها ألسنة النحل
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
يـُـحتملُ أن يكون هذا التغير على المستوى التشريحي قد نشأ نتيجةً لكون النحلات ذوات اللسان الطويل تميل لأن تصبح آكلات انتقائية يصعب إرضاؤها، فهي تفضل تناول الرحيق من الأزهار العميقة دون غيرها. حيث تذكر الدراسة أن ندرة الغذاء ليست بالوقت الأمثل لتكون الحشرةُ صعبةَ الإرضاء. إن العثور على الأزهارِ عميقةِ الرحيق يستغرق وقتاً أطول، لذلك فإن النحلات ذوات اللسان الطويل سوف تمضي وقتاً أكثر في البحث، بينما تكون ذوات اللسان القصير أوفر حظاً وأسرع في إيجاد مبتغاها من الأزهار والوصول إليها.
يتطلب أكثر من 85% من النباتات المُزهِرة _ومن ضمنها العديد من المحاصيل_ وجود المُلَقِحات لإتمام تكاثرها، لذلك قد يؤدي انخفاض عمليات التلقيح التي يقوم بها النحل إلى إعادة صياغة وتغيير المناظر الطبيعية وتهديد المحاصيل المُثمرة. لهذا كان أثر التغير المناخي على مجتمعات النحل مدعاةً للقلق الشديد.
تعرضت البيئات الجبلية حول العالم لانخفاضٍ في عدد الأزهار كنتيجةٍ لارتفاع الحرارة وجفاف التربة إذ انخفض إنتاج الأزهار بنسبة 60% عمّا كان عليه عام 1970، لذلك، قررت مجموعةٌ من الباحثين دراسة مجتمعات النحل في ثلاث مناطق جبلية من سلسلة جبال روكي "Rocky Mountains". حيث قيست أطوال اللسان لـ 170 نحلة بوساطة فرجار دقيق قادر على قياس فارق الطول (إلى حدّ 3 ميلليمترات تقريباً) بين المُلقِحات ذوات اللسان الطويل وتلك ذوات اللسان القصير. يظهر لسان النحل تحت المجهر بشكل يشبه المِمسحة ويعمل مثل القشة الماصة، وله مقبض أنبوبي ونهاية مفلطحة مغطاة بالشعيرات (الشكل). يدخل النحل لسانه داخل الزهرة ويقوم بامتصاص الرحيق منها.
Image: bumblebee.org
أظهرت المقارنة بين نحلٍ تم التقاطه حديثاً ونحلٍ التقط سابقاَ وتم وتوثيقه في الأرشيف منذ 40 عام، أن ألسنة النحل أصبحت أقصر لدى النوعين السائدين في تلك المنطقة وهما Bombus balteatus وBombus sylvicola مما كانت عليه سابقاً.
طرح الباحثون سلسلةً من التفسيرات المحتملة؛ مثل التغير في حجم النحل أو التغير في نسبة الأزهار ذات الرحيق العميق وتحولها إلى سطحية الرحيق، إضافةً إلى تفسيراتٍ أخرى. لكن السبب الأكثر احتمالاً كان الانخفاض الإجمالي في عدد الأزهار.
ساعدت الألسنة الطويلة النحل في الماضي على التخصّص بالتغذي على أنواع الأزهار التي تمتلك رحيقاً لا يُمكن أن تطالَه الحشراتُ الأخرى قصيرةُ اللسان (أي الأزهار ذات التُوَيْج الأنبوبي corolla tube؛ أي التويج ذو البتلات الملتحمة التحاماً كُليّاً كما يظهر في الصورة) ، ولكن كان لامتلاك النحل لهذه الميّزة ثمنٌ لا بُدّ من دفعه؛ فاللسان الطويل يحتاج طاقةً إضافيةً لينمو كما أنّه قدّ يُشكّل عائقاً في التغذّي على الأزهار ذات التُوَيج الأنبوبي الأقلّ طولاً.
Image: HD. Wilson
تقول الباحثة المسؤولة عن الدراسة: "إذا كنت تملك لساناً قصيراً قد لا تكون قادراً على الوصول إلى كل الرحيق، ولكن جمعه ممكنٌ من أنواع مختلفةٍ من الأزهار" "وعلى مستوى المستعمرة لن تكون مَصدراً لهدر الطاقة لتنمية لسانٍ طويلٍ"
يقول باحث آخر مختص بعلم البيئة التطوري ويدرس التلقيح بواسطة الخفافيش في المناطق المدارية أن النتائج كانت ملفتة للنظر لأنها تظهر تطوراً غايةً في السرعة "إذا تم توثيق مثل هذا التغيير الكبير في فترة قصيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فمن يعلم ماذا يمكن أن يحدث في البيئات الأقل دراسةً!"
ولكن.. هل وقف الإنسان مكتوفَ الأيدي حيال تناقصِ أعداد النحل الطنّان؟
نظراً للأهمية الاقتصادية لهذا النوع من النحل، لم يجد الإنسان بداً من اتخاذ التدابير التي تحول دون تدهور أعدادِه ولذا فقد أصدرت أمانةُ حفظ النحل في بريطانيا تحدياً على المستوى الوطني للحفاظ على النشاط الصيفي للنحل الطَّنان في بريطانيا من خلال زراعة أنواع الأزهار التي يفضلها وبالتالي الحدُّ من تراجع أعداده (للاطلاع على تفاصيل أكثر تفضلوا بقراءة مقالنا السابق هنا)
وفي الختام يُمكننا أن نخلُصَ إلى أنّ هذه الدراسة تُظهر قدرةَ التطوّر على تزويد النحل بـِ"أدواتٍ" تُمكّنه من البقاء على قيد الحياة في ظلّ التغيّر المناخي ـ لو سلّمنا أنّ النحل يعيش في بيئة مستقرة وخالية من المبيدات الحشرية ـ بالإضافة إلى أنّها تقدّم لنا مثالاً آخرَ على كيفية عمل الانتخاب الطبيعي ودوره في توجيه تطوّر الكائنات الحيّة.
بالنتيجة: يمكن أن يكون لعدم التطابق بين المُلقِحات وغذائها النباتي عواقب وخيمة على التجمعات النباتية، ولكن من زاوية النحل الطنـّـان كان قادراً على التأقلم مع بيئته المتغيرة لتوفر الوقت الكافي والصفات المختلفة المطلوبة.
اقرأ المزيد عن النحل الطنان من هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا