الهوت كوتور، عندما يغدو القماش أرستقراطياً
الفنون البصرية >>>> فن تصميم الأزياء
ماهو الهوت كوتور:
عبارةُ الهوت كوتور هي عبارةٌ فرنسيةٌ وتعني "الخياطة الراقية" فكلمةُ (Couture) تعني الخياطةَ والحياكةَ والتطريزَ، أمّا كلمةُ (Haute) فتعني راقٍ أو نبيل˛ وبالتالي ينطوي تركيبُ الكلمتين على معنى الإبداعِ الممتازِ في تشكيلِ الأثواب. فالأزياءُ التي تُعتبرُ هوت كوتور (أي مخاطةً برقيٍّ) تُصنعُ خصيصاً وفقَ مقاساتِ وتقاسيمِ جسمِ مرتديها فقط، حيث يتمُّ خياطتُها يدوياً وبعنايةٍ كاملةٍ ليبقى الثوبُ مناسباً وملائماً لكمالِ جسمِ كل زبونٍ على حِدىً.
لمحةٌ تاريخية:
قطعَ الهوت كوتور شوطاً طويلاً منذ أيامِ الملكِ لويسِ الرابعِ عشر الذي روّجَ للأزياءِ الفرنسيةِ من خلالِ الدُّمى. لكن فعلياً، يعودُ تاريخُ الهوت كوتور في فرنسا تحديداً إلى القرنِ الثامنِ عشر مع المصممةِ روز بارتين كَوزيرةٍ للأزياءِ واستمرَّ مع ليروي بعدَ أن أصبحَ نابليون امبراطوراً عام 1804. حيث عملت حينها كلٌ من النساءِ المشهوراتِ وأفرادِ العائلةِ الحاكمةِ على إبلاغِ مصمّميهم ما يودّوا أن تحتويه أثوابُهم من تصاميم. لاحقاً في القرنِ التاسعِ عشر، عمِلَ أبُ الهوت كوتيور الحديثِ الانكليزيِّ تشارلز وورث على وضعِ اسمِه على علامةٍ تجاريةٍ على الملابس. انتقلَ وورث بعدَها عام 1858 إلى باريس ليبدأ طرحَ مجموعاتِه من الأثوابِ بأفكارِه وتصميماتِه ليرى مدى رضا الزبائن. فشراءُ قطعةٍ من تصميمِ رووث كان يُعتبرُ حدثاً غريباً. بعدَ أن كانت تُعرَضُ على الدُمى بأمرٍ من الملك لويس الرابع عشر، لاقت أفكارُ رووث بعرضِ الأثوابِ على عارضاتٍ حقيقياتٍ نجاحاً باهراً خاصةً لدى الامبراطورةِ يوجين لينطلق بعدها المصمّمون على خُطاه في البحثِ عن كلِّ ماهوَ عصريٌّ.
Image: https://theparanoir.files.wordpress.com/2013/07/156373133f2fac6f146bbe4cfbb1dec3.jpg
نقابةُ الازياء:
في عام 1868 أسّسَ وورث وأبناؤه نقابةً لدُورِ تصميمِ الأزياء دُعيت Chambre Syndicale De La Haute Couture هدفُها الأساسيُّ الحفاظَ على أصالةِ التصميمِ ومنعِ تقليدِه. مرّت هذه المنظمةُ بكثيرٍ من التطورِ عبرَ السنينِ اللاحقةِ وغيرتِ اسمَها عدةَ مرّاتٍ لتواكبَ الموضةَ الفرنسيةَ وأسلوبَ الهوت كوتور الفرنسيِّ وتُعتبرُ واحدةً من النقاباتِ التي ساهمت بتشكيلِ مايسمّى بالاتحادِ الفرنسيِّ للألبسةِ الجاهزةِ عام 1973. يُعتبرُ الاتحادُ مسؤولاً عن جدولةِ مواعيدِ وأماكنِ عروضِ أسابيعِ الموضةِ الفرنسيةِ، بالإضافةِ لتعيين معاييرَ جودةِ صناعةِ الألبسةِ ومدى استحقاقِها للقبِ الهوت كوتيور.
تضعُ نقابةُ تصميمِ الأزياء والتي تُسمّى اختصاراً Chambre Syndicale De La Couture قواعداً لتصنيفِ دُورِ الأزياء. فيجب على المصممِ أن يُنتجَ 50 تصميماً جديدً ومبتكراً لكلٍّ من مجموعتي أزياءِ السهرةِ والملابسِ اليومية، بالإضافةِ لعرضِ مجموعتين في السنةِ الواحدة وتوظيفِ مالايقلُّ عن 20 عاملاً فنياً بدوامٍ كاملٍ في مشغلٍ أو ورشةٍ واحدةٍ على الأقل. نظراً لصرامةِ قوانين النقابة، فإنّ قليلاً من دورِ التصميمِ يمكنها استعمالَ علامةِ الهوت كوتيور الخاصة.
أقمشةُ الهوت كوتور باهظةُ الثمن:
تكونُ أقمشةُ دورِ الأزياء فخمةً جداً وتتضمنُ أحدثَ الأقمشةِ الجديدةِ باهظةِ الثمنِ من حريرٍ وصوفٍ ناعمٍ وكشميرٍ وقطنٍ وكتانٍ وجلدِ الغزال وأنواعٍ أخرى من الجلودِ والفراء. ففي حالِ اشتهرت دارٌ للأزياءِ بتصميمٍ ولونِ قماشٍ معينٍ فإنه يُحفظُ حصرياً لتلك الدار. يقومُ مصممون من خارجِ الدارِ بتصميمِ أو استلهامِ الاكسسوارتِ كالقبعاتِ والزراكشِ والأزرارِ والأحزمةِ والمجوهراتِ والأحذيةِ وقطعٍ مبتكرةٍ، كلُّ ذلك لتكمّلَ ماتمَّ إبداعُه من أقمشةٍ وتصاميم.
يختلفُ سعرُ قطعةِ هوت كوتور حسبَ القطعةِ وحسبَ دارِ الهوت كوتور المُصمِّمة لها. فثمنُ قطعةٍ كبلوزةٍ بسيطةٍ يتراوحُ من 10،000 إلى 40،000 جينيه استرليني وغالباً أكثر من ذلك. فقد بلغَ سعرُ بزّةِ هوت كوتيور بتصميمِ دار شانيل إلى 20،000 جينيه استرليني عام 2002˛ وفي عام 2004 بلغَ سعرُ ثوبِ سهرةٍ 50،000 جينيه استرليني. سيصعبُ عليكَ فهمَ ارتفاعِ الثمنِ هذا إن لم تكن ثرياً، إلا أنّه يُعتَبَرُ ثمناً للخدمةِ وبراعةِ العمل، وأصالةِ التصميمِ الفريدِ من نوعِه وثمنِ أجودِ نوعيةٍ للموادِ الفخمة.
العلامات التجارية:
لأنّ التزويرَ منتشرٌ عالمياً، أصبحت العلاماتُ التجاريةُ مهمّة جدًا لدُورِ الهوت كوتور. يمكنُ قياسُ نجاحِ علامةٍ تجاريةٍ بمدى انتاجِها بطريقةٍ غيرِ قانونية. فقد عانت أسماءٌ تجاريةٌ كـَ شانيل وغوتشي وآرماني وفيرساتشي وبرادا من خسارةٍ في الأرباحِ بسببِ العطورِ والقمصانِ المزيفةِ أو بسببِ سلعٍ أخرى مهرّبةٍ تحملُ جميعُها اسمَها أو شعاراً يشبه شعارَها تقريباً.
Image: Making-of the CHANEL Fall-Winter 2014/15 Haute Couture Collection
ذبول الهوت كوتور:
خلالَ القرنِ المنصرمِ أُحصيَ عددُ دور تصميم الأزياء بـِ 18 داراً عام 2000. في حين كان عددُها 106 عام 1964 وحتى عام 1952 كان لايزالُ عددُها 60 صالوناً.
بحلولِ عام 1997، ثمانيةُ عشرَ صالوناً فيط كانت تنتجُ مجموعاتِ أزياءٍ عامةٍ كاملةٍ مرتين سنوياً. للأسف، بحلولِ كانون الثاني من عامِ 2002 عندما أعلنَ سان لوران اعتزالَه كان هناك 12 داراً للأزياء فقط.
وفي عام 2003 أوقفت دوناتيللا فيرساتشي عروضَها وفي عام 2004 أوقف أونغارو هو الآخرُ عروضَه أيضاً.
في أواخرِ تشرينَ الثاني من عام 2005 قرّرَ المصممُ الايطاليُّ جورجيو آرماني والبالغُ من العمرِ 70 عاماً إقامةَ عرضٍ في باريس ليبين قرارَه بـِ "عدم استعدادِه للاعتزالِ بعد" لكن بقيَ عددُ الدُّورِ المشاركةِ في أسبوعِ الموضةِ هذا قليلاً. يبقى حالُ ذبولِ دُورِ الهوت كوتير في تغيرٍ متواصلٍ لذلك كان من المستحيلِ الاحتفاظُ بسجلٍّ دقيقٍ عن هذه الصناعة.
على دورِ الأزياءِ صياغةَ طرقٍ جديدةٍ لكسبِ المال. فالمبالغُ الضخمةُ المصروفةُ على عرضٍ يدومُ لـ 40 دقيقة قد يكونُ أو لا يكونُ ناجحاً وهذا يعني أنه لايمكنُ لدورِ الموضةِ الاعتمادَ على الهوت كوتور كمصدرٍ للدخل.
ولتحقيقِ الأرباح، أصبحت دورُ التصميمِ بحاجةٍ ماسّةٍ لتحويلِ العلاماتِ التجاريةِ لإنتاجِ الألبسةِ الجاهزةِ وسلعِ الموضة بأسعارٍ واقعيةٍ أكثرَ موجّهةً للأكثريةِ أكثرَ من التسعيرِ الحصريِّ للأقلية. من المرجحِ أنّ الهوت كوتور هو عبارةٌ عن أداةٍ تسويقيةٍ كونَها شعارٌ معزّزٌ للعلامةِ التجاريةِ المرتبطةِ بها، الأمرُ الذي يعملُ على جذبِ انتباهِ خيالِ العامّةِ والذي سيساعدُ ما تبقّى من دورِ تصميمِ الأزياءِ بالبقاءِ على قيدِ الحياة في القرن 21.
المصادر:
هنا
هنا