احذر .... تسمم نادر يصعب كشفه يسبب فقد الإبصار والصلع
الكيمياء والصيدلة >>>> صيدلة
الثاليوم هو معدن يمكن امتصاصُه بواسطة الجلد وقد يؤدي إلى مشاكل عصبية؛ ذلك أنّه يحل محلّ عنصر البوتاسيوم - الشبيه به كيميائياً- فى عدد من العمليات الحيوية بالجسم، وتحديداً تلك الخاصة بالجهاز العصبي. يمكن أن يؤدي التسمم بالثاليوم إلى آلام عصبية وارتباك أو تخليط ذهني إلى جانب فقد القدرة على التحكم بالعضلات، كما أنّ هذا المعدن الثقيل قادرٌ على إحداث الوفاة بالجرعات العالية، طبقاً لتقرير حالة ذلك الشاب. غير أنّ الكشف عن عنصر الثاليوم ليس ضمنَ الاختبارات القياسية للعناصر الثقيلة فى الجسم، ولم يكن كذلك إلى أن عرفَ الأطباء أنّ الشابَ يعمل في مختبر كيميائي، فقرروا إجراء اختبار الثاليوم له. يقول دكتور إنشون ليو Liu Enchun طبيبُ الأمراضِ العينية بولاية ميسوري الأمريكيةِ، الذي عالج الشاب من مشاكل الرؤية التي أصابته وكان المؤلفَ الرئيسي لتقرير الحالةِ المنشور بتاريخ 24 أيلول لعام 2015 في دوريّة JAMA Ophthalmology: "لقد كان لدى المريض جميع العلامات المميّزة للتسمم بالثاليوم. هذه هى الحالة الأولى لتسمم الثاليوم التى أراها، وهي على حدّ علمي حالةٌ نادرةُ الحدوث".
بحسب ما جاء على لسان الدكتور ليو فقد راجع المريض قسم الطوارئ في البداية في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2014 بسبب ألم في المعدة وغثيان وإسهال، وقام العاملون بالرعاية الصحية إثرَ ذلك بحقنه وريدياً بالسوائل وشخّصوا حالته بالتهاب المعدة والأمعاء (ما يُعرف أيضاً ببرد المعدة)، ثم أرسلوه إلى منزله.
إنّ أعراضَ التهاب المعدةِ والأمعاءِ هي المرحلةُ الأولى من تسمم الثاليوم، وتحدُث في غضون الـ 8 إلى 12 ساعةً من التعرض له، وليس بوسعنا أن نلقي باللائمة على العاملين في قسم الطوارئ لتشخيصهُمُ الحالةَ بالتهاب المعدة والأمعاء، لأنّه كان التفسيرَ الطبيعيَّ للأعراض في تلك المرحلة.
عاد الرجل مرة أخرى فى كانون الثاني (يناير) 2015 إلى المستشفى بأعراض الإقياء والإسهال والتخليط الذهني confusion وفقدان الذاكرة المؤقت، طبقاً للتقرير. كذلك كان شعره يتساقط وظَهَر الطفح الجلدي على وجهه. فقام الأطباء بإجراء الفحوصات له واستبعدوا بنتيجتها إصابتَه بكلٍّ من مرض السفلس (الإفرنجي) والأمراض المنقولة بالقُرّاد.
تُعدّ أعراضُ التخليطِ الذهنيِّ وفقدانِ الذاكرةِ المؤقّت جزءاً من المرحلة الثانيةِ للتسمم بالثاليوم، كما يحدث تساقط الشعر والطفح الجلدي على الوجه في المرحلة الثالثة. ويجدر بالذِّكر أنّ أحدَ الأنزيمات المتضرّرة بواسطة الثاليوم مهمٌ للغاية في عملية النقل أو التوصيل العصبي (نقل الرسائل بين الخلايا العصبية)، لذلك غالباً ما يكون الجهاز العصبي هو المتضرر الأكبر. لم يخطر ببال اختصاصي الأعصاب أن يطلب فحصاً لمستوى الثاليوم إلا في اليوم العاشر من إقامة المريض في المستشفى، بعد أن عرف عن طبيعة عمله في مختبر الكيمياء.
يتسبّب التسمم بالثاليوم بجملةٍ من الأعراض التى تؤثر على العديد من الأعضاء والأجهزة فى الجسم، والتي من الصعب كشفُها وتبيُّنُ منشئِها الحقيقي عند قدوم المريض للمرة الأولى.
علاوةً على ذلك، تتضمّن تحاليلُ البول القياسية للمعادن الثقيلة تلك الاختبارات المَعنِيّة بالكشف فقط عن عناصر الزرنيخ والزئبق والرصاص، وربما كان هذا هو السبب أيضاً في تأخر التشخيص الصحيح للحالة.
عولِج المريضُ بواسطة صِبغٍ يُدعى "زُرْقة بْروسيا" Prussian blue، والذي تم تطويرُه بالأساس ليُستَخدَمَ في الدهانات والأحبار. يتميز ذلك الصِّبغُ بقدرته على التخلص من بعض المعادن بالارتباط بها لدى مرورِه ضمن السبيل الهضمي، مما يتيح التخلصَ من المعادن مع البراز. بعد أسبوع من العلاج بواسطة زُرقة بروسيا انخفضَ مستوى الثاليوم لدى المريض من 100 ميكروغرام لكل لتر إلى 25 ميكروغرام لكل لتر (علماً بأنّ الحدّ الآمن من الثاليوم هو 5 ميكروغرامات لكل لتر)، وذلك وفقاً لما ورد في تقرير الحالة.
(*1 ميكروغرام= جزء من مليون من الغرام).
معظم الأعراض تتحسّن عندما يتم طرح الثاليوم من الجسم، ولكن يتبقّى ضرر دائم فى الأعصاب. فى حالة ذلك الشاب كان الضرر الذى أصاب الأعصاب و الذى أدى إلى عمى الألوان ومن ثم فقدان تام للرؤية هو ما قاده إلى عيادة الطبيب "ليو" فى شباط من هذا العام، بعدما تم علاجه من تسمّم الثاليوم و تخريجه من المستشفى في المرة السابقة.
كانت المرة الأخيرة التى شاهد فيها الطبيب هذا الشاب فى شهر أيار من هذ العام. وفي الوقت الذي عاد شعره إلى النمو تدريجياً، ما زال يعاني من بعض الأذِيّة البصرية التي ربما كانت دائمةً، وذلك على الرغم من وصول معدل الثاليوم في دمه إلى الصفر بحسب التحليل الأخير.
يظل هناك تساؤلٌ يحتاج للإجابة: " كيف تعرض الشاب إلى الثاليوم فى مختبره؟". طبقاً لتقرير الحالة، لم يتضرّر طلابٌ أو عاملون آخرون في الكُلّية، وكانت علبةُ الثاليوم محكمةَ الغلق ولا يوجد أيُّ دليلٍ على العبث بها.
المصادر:
هنا
هنا