محاولات جديدة للإجابة عن سبب عدم إنهيار الكون عقب التضخم الكبير.
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
حيثُ تكْمُنُ المُشكلةُ إلى حدٍّ ما في بوزونَات هِيغْزْ (2) الّتي تشكّلت أثناء فترة التضخُّم و الّتي تُعتبر المسؤولةَ عن اكتساب الجُّزيئات الأخرى كتلها الحالية ..
فقد أظهرَت دراساتٌ سابقة أنّ حقل طاقة هِيغْزْ ، في مرحلةٍ مبكرةٍ من حياةِ الكون ، رُبَّما اكتسبَ ما يكفي من التمَوُّجَات الكُمومِيّةِ (3) للتغلُّبِ على حَاجِزِ الطاقةِ الذي يتسببُ في انتقالِ الكونِ من حالةِ الفَراغِ القياسيّة إلى حالة الفراغِ ذو الطاقة السلبيّة، الأمْرُ الّذي يؤدي إلى انهيارَ الكون بسرعةٍ على نفسه.
من الجدير بالذِّكر أن حقل هيغز هو ما يعطي المواد كتلها ، حيث تسبح كل المواد في الكون ضمن حقل هيغز ومن خلال تفاعلها مع هذا الحقل تكتسب كتلها المعروفة ، و تتفاعل المواد المختلفة مع حقل هيغز بقوى مختلفة لذلك تكون بعض المواد أثقل ( تملك كتلة أكبر ) من غيرها .
لكنَّ هذا أمرٌ جنوني! كيف يمكنُ لنَظَريَّتَي هِيغْزْ و التَّضَخُّم الكونِي اللتان تبدوان مُنفَصِلَتين تماماً أن تتفِقا على تدمير كوننا؟
في ورقةٍ بحثيّةٍ جديدة نشرَتْها مجلّة Physical Review Letters تمكّنَ ماتي هِيرَانِنْ Matti Herranen من جامعة كوبِنهَاغِنْ ومؤلفون آخرون مشاركون في البحث من الاقترابِ خطوةً نحوَ حلِّ المشكلة وذلك عن طريق الحد من شِدّة الاقتِرانِ بين حقل هِيغْزْ و الجاذِبيّة، والتّي تشكِّل البارامترَ الغامضَ الأخيرَ في النموذجِ العياريّ (4).
حيث أن التفاعل بين حقل هيغز والقوى الثلاث الأخرى المعروفة في الكون ( الكهرومغناطيسية و القوى النووية الشديدة والضعيفة ) قد دُرِسَ سابقاً بينما لا يزال ارتباط حقل هيغز بالجاذبية غامضاً إلى حد ما .
كلّما كانَ اقترانُ حقلِ هِيغْزْ بالجاذبيّة أقوى كلما ازدادتِ التَّمَوُّجَاتُ ( التقلبات ) الكموميّةُ التي قدْ تؤدي في نهايةِ المطافِ إلى انتقالٍ كارثيٍّ للكونِ إلى حالةِ الفراغِ السلبيِّ الطاقةِ.
في الورقة البحثيّة الجديدة، يعتقدُ العلماء أنّ انهيارَ الكونِ بعدَ مرحلةِ التضخُّمِ كان سيحصُل فقط إذا كانت شدّة الاقترانِ أكبرَ منَ الواحدِ .
إنَّ مقارنَةَ هذه النتيجةِ مع الحدِّ الأدنى 0.1 الذي إستنتجه العلماءُ ذاتُهم السنةَ الماضية من خلال تحليلِ متطلباتِ الاستقرارِ أثناءَ التضخُّمِ الكونيِّ (و ليسَ بَعدَه) . بالإضافة إلى مقارنةِ ذلك بقيَمِ المجالِ بينَ 0.1 و 1 ، كل ذلك يحصُرُ شدّة الاقترانَ بما هو قريب من القيمة 1/6 المقدّرة تاريخياً .
تُستَخدمُ هذهِ القيمةُ 1/6 عادةً كقيمةٍ تقديريةٍ ، لأنها تتوافقُ مع اقترانٍ مساوٍ للصِّفر بين حقل هيغز والجاذبية، على الرغم من أن ذلك غير صحيح على الأرجح .
بتضييق الاحتمالات الممكنة لشدّة اقترانِ هِيغز بالجاذبيةِ سيتمكّنُ الفيزيائيونَ عندَ تحليلِ البياناتِ التجريبيةِ مِن تحديدِ قيمةِ الاقترانِ بدقَّةٍ أكبَر. ومنَ المتوقَّع أن تُساعدَ بياناتُ إشعاعِ الخلفيةِ الكونيةِ المِيكرَويِّ و الأمواجُ الثَّقاليةُ (5) ، على سبيل المثال، في تحديدُ هذه القيمة بشكلٍ أكبر. و بالجّمْعِ بينَ قيمةِ الاقترانِ و بارامتراتٍ أُخرى ، يمكن لقوةُ اقترانِ هِيغز بالجاذبية أن تزوِّدنا بصورةٍ أكثرَ واقعيّة لكونٍ لا ينكفيءُ على نفسه.
يقول هيرنن " إنَّ مَزيجاً مِن البارامترات هوَ ما يحدِّد في الحقيقةِ حدوثَ مثلِ هذا الانتقال، بما فيها اقترانَ هِيغز بالجاذبية و مستوى طَاقةِ التضخمِ ، هذهِ البارامتراتُ ليست مقيّدة بشدة في القياسات الحالية ، ولذلكَ وفي الوقتِ الحاليّ فإنه من غيرِ الممكنِ الوصولُ إلى استنتاجٍ عن كونِ النموذجِ العياري في ورطةٍ نتيجةَ مشاكلٍ عدمٍ الاستقرار ، ولكن سيكون من المثير للاهتمام إذا أمكَنَ تقييدُ كلٍّ من اقتران هيغز بالجاذبية و مستوى التضخم أكثر في المستقبلِ عن طريقِ قياساتٍ مستقلة ، على سبيل المثالِ عن طريقِ مراقبة الأمواج الثّقاليّة البدائيّة الناتجة عن التضخُم "
بأخذِ كلِّ ذلكَ بعينِ الاعتبار يُمكِن للعُلماء ، بالاستفادةِ مِن هذهِ النتائج ، تَعديلُ نماذجِ التضخُّمِ من أجل وصف كون أكثر شبهاً بالكونِ الذي نعيشُ فيه.
(1)
التضخم الكوني : هو مرحلة زمنية قصيرة بعد الانفجار العظيم اشتد خلالها انتفاخ الكون وتضخم تضخماً كبيراً جداً، اقترح العلماء حدوثها لكي يتفادوا انكفاء الكون الناشئ على نفسه و بالتالي فناءَه، بحيث يُفترَض فيها حدوث تضخمٍ كوني غير عادي أبعدَ الأجزاءَ عن بعضِها البعض لفترة وجيزة تكفي للتغلب على قوة الجاذبية وتؤدي إلى نشأة الكون.
(2)
بوزون هيغز : جسيم أولى مسؤول عن وجود الكتل في الكون ويطلق عليه اسم جسيم الرب، تنبّأ به النموذج العياري، وقد تم الإعلان عن ملاحظة جسيم يشبه إلى حد كبير بوزون هيغز عام 2012 في مصادم الهادرونات الكبير في مختبر CERN . لمعلومات أكثر عن بوزون هيغز هنا
(3)
التموجات الكمومية : ظهور مؤقت للجسيمات من لاشيء ، كما هو مسموح في مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ ، وبالتالي هو تغير مؤقت في كمية الطاقة في نقطة من الفراغ .
(4)
النموذج العياري : يفسر النموذج العياري كيف تتفاعل اللبنات الأساسية للمادة ، يحوي النموذج على ثلاث قوى أساسية من أصل أربع ( القوية ، الضعيفة ، الكهرومغناطيسية)، كل التجارب الفيزيائية التي جرت عند شروط الطاقة العالية منذ منتصف القرن العشرين توافقت مع النموذج العياري، لكن حتى الآن لا يمكن اعتباره كنموذج شامل لعدم إحتوائه على الجاذبية أو المادة والطاقة المظلمتين...
المصدر: هنا