العنوان: مادة ذكيّة قابلة لتغير شكلها مئات المرات!
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
في الحقيقة، ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تطوير مواد قادرة على استعادة شكلها السابق، فقد شهد هذا المجال عدّة محطات تُوّجت بعدة انجازات. الجيل الأول من هذه المواد كان قادراً على التحوّل إلى شكل جديد محدد مسبقاً عندما يتم تسخينه إلى درجة معينة من الحرارة. في الأجيال التالية تم استخدام محفزات أخرى غير الحرارة كالضوء أو الشحنات الكهربائية أو المجالات المغناطيسية، بحيث تستجيب المادة لهذه المحفزات بتغيير شكلها ومن ثم استعادة الشكل الأصلي عند غياب المحفزات. إلّا أن مبدأ العمل لم يتغيّر، فقد اعتمدت هذه الأجيال على خاصية مميزة للمواد تسمى المرونة "Elasticity"; وهي تعبير عن مدى قابلية المادة لاستعادة شكلها الأصلي. عندما يتم تبريد هذه المواد فإن الألياف المكوّنة لها تلتف متخذة شكلاً لولبياً، وحين يتم تسخينها تبدأ هذه الألياف بالاستقامة معطيةً شكلاً جديداً للمادة. وعندما يتم تبريدها مرة أخرى تتقلص الألياف مرة أخرى معطيةً الشكل الأصلي للمادة. وبهذه الطريقة تبدو المادة وكأنها تتذكّر شكلها الاصلي. غير أن هذه المواد المرنة بإمكانها أن تتذكر شكلين أو ثلاثة أشكال فقط.
في عام 2005 تم نشر ورقة في مجلة (Science) قدمت طريقة جديدة تتيح للمادة الاحتفاظ بذاكرة لمئات أو حتى آلاف الأشكال; حيث بالإضافة للتلاعب في خاصية المرونة، اقترحت الورقة طريقة لتغيير خاصية الطواعية (الليونة) "Plasticity": وهي تعبير عن مدى قدرة المادة على الخضوع لإعادة التشكل. يتساءل المهندس الكيميائي تاو تشيو (Tao Xie) وهو أحد المشاركين في البحث: " هل بإمكاننا دمج هذين السلوكين القادرين على تغيير الشكل ضمن مادة بوليمرية واحدة؟"
لتحقيق ذلك، بدء تاو تشيو وزملائه بالعمل على مادة مرنة وهي مادة بولميرية تدعى (PCL)*. ولإعطاء المادة خاصية الطواعية قاموا بإضافة مادة كيميائية تدعى (TBD)**. بهذه الطريقة، يُفترض أن يتقلّب شكل المادة ما بين الشكل الأصلي وشكل آخر عندما تتقلّب درجة الحرارة تحت وفوق درجة حرارة المرونة لمادة PCL. ولكن إذا ارتفعت درجة الحرارة لعتبة خاصية الطواعية، فإن مادة TBD ستبدأ بتشكيل روابط كيميائية بين سلاسل البوليمر مُعطية مادة جديدة. وفي حال قمنا بتشكيل المادة يدوياً لإعطائها شكل جديد قبل أن تبدأ تلك العملية الكيميائية، فسيتبدل الشكل الأصلي.
الحيلة التي قام بها "تاو شيه" وزملائه كانت تكمن في دمج مادتي PCL و TBD بحيث يكون الفرق بين درجة حرارة الليونة ودرجة حرارة الطواعية كبير بما فيه الكفاية، مما يتيح للمادة أن تُغيّر من شكلها على نحو جيّد. وإلا فإن العملية قد تتحول إلى تغيير عشوائي وفوضوي للأشكال.
وبعد عدة شهور من محاولة معايرة خليط المادتين تمكّن الفريق من الوصول إلى ما كان يصبو إليه. حيث كان الناتج مادة جديدة درجة حرارة مرونتها 70 درجة مئوية، بينما درجة حرارة طواعيتها 130 درجة مئوية. وهو فرق كافي لضمان عدم حدوث فوضى تغيير الأشكال. ولإثبات قدرة المادة على اتخاذ عدة اشكال، قام الفريق بتشكيل قطعة مربعة طولها 30 مليمتر من هذه المادة الجديدة لتعطي شكل ورقي (أوريجامي***) قادر على التحوّل ما بين شكلين باستخدام خاصية المرونة، بالإضافة إلى إمكانية التغيير إلى أشكال أخرى باستخدام خاصية الطواعية.
Image: Drs. Qian Zhao and Tao Xie
(الخطوات التي تمُر بها المادة الجديدة أثناء تحولها من شكلٍ إلى آخر)
لا يقتصر الانجاز هنا في جعل المادة تتقلّب ما بين عدة أشكال، بل في إمكانية تحفيز هذا التقلّب ما بين هذه الأشكال مئات المرّات بمجهود بسيط جداً. وهذا الأمر يعتبر ضرورياً في حال تم استخدام المادة في تطبيقات عملية.
يعمل الفريق حالياً على تطوير مادة تتميز بنفس الخاصية ولكن عند درجات حرارة أقلّ، فدرجة 70 و 130 تبدو عالية نسبياً مقارنة مع درجة حرارة الغرفة. يقول السيد تاو تشيو معلقاً: "التحدي الأكبر أمامنا الآن ليس تقنياً، بل في تخيلنا للتطبيقات المحتملة لهذا النوع من المواد". وفي نظر السيد "تشيو" فإن مجال الإلكترونيات قد يكون أحد أهم التطبيقات. فلكَ أن تتخيّل مثلاً إمكانية استخدام المادة لعمل صحيفة إلكترونية تتحوّل إلى بلاستيك عندما تمسكها بيديك نتيجة حرارة يديك، وتنطوي تلقائياً عندما تنتهي من القراءة. هذا قد يكون أحد تطبيقات عديدة محتملة للمادة الجديدة.
يؤكد المهندس الكيميائي تيموثي وايت (Timothy White) الذي يعمل في مختبر أبحاث سلاح الجو في قاعدة رايت باترسون للقوات الجوية بولاية أوهايو، إن هذه المواد الجديدة هي خطوة إلى الامام من أجل أنظمة برمجة الأشكال، حيث يقترح تطبيق هذه المواد لصناعة هوائي قابل لإعادة التشكيل .
* PCL: crosslinked poly(caprolactone).
** TBD: 1،5،7-triazabicyclo[4.4.0]dec-5-ene
*** الأوريغامي أو الأوريجامي : هو فن طي الورق "يابانية الأصل" لعمل مجموعة من الأشكال الورقية.
المصدر: هنا