مراجعة كتاب (سحر الواقع): رحلة دوكنز بين الأسطورة، والعلم، وسحر الواقع
كتاب >>>> الكتب العلمية
"فيما يلي من هذا الكتاب، أريدُ أن أُبيّنَ لكَ أن العالَم الحقيقي، طِبقاً للفَهم العِلمي، يمتلكُ سحراً نابعاً من داخِله، هذا الذي أُسمّيهِ السّحرَ الشّاعِري: الجمالُ الملهِمُ الذي هو كُله سِحرٌ مُتزايدٌ نظراً لأنّه سِحرٌ حقيقيّ ونستطيعُ أن نفهمَ كيفيّة عمله. فبجانبِ الجمالِ والسّحرِ الحقيقيين للعالمِ الواقعي، فإن التّعاويذَ الخارِقة والخِدعَ المُؤدّاة في العروضِ تبدو رخيصةً وُمبتذلةً بالمقارنة معه".
ويتألّفُ هذا الكتابُ من إثنَي عشرَ فصلًا، يبدأ تحتَ عنوانِ "ما الواقع؟ ما السحر؟" ليوجِزَ العمليّات الإدراكيّة للحواس، و كيفَ ساعدَنا العِلمُ على إدراكِ ما لم نستطِع إدراكَهُ سابقًا، كالمجرّات البعيدة والبكتيريا متناهية الصّغر وموجات الراديو، وماهيّة الديناصورات، وصولًا إلى فوتونات الضوء و الحِمض النّووي "DNA".
ويستمرّ دوكنز خلالَ الرّبع الأوّل باستعراضِ الأساطيرِ التي تحدّثتْ عن نشأةِ الإنسانِ الأوّل، والمُرتَكِزة على جزيرة "تسمانيا" و "القبائل اليهودية" و"الشعوب الإسكندنافية"، ثمّ يُجيبُ الكاتبُ عن كيفيّة عملِ التّطوّر في تغيّر الأجيالِ، بطريقةٍ علميةٍ مُمتعة، ليختتمَ الحديثَ بتفصيلِ آليات التطورِ التي أدّت إلى هذا التنوّع الهائلِ في الأنواعِ الحيّة.
ويبدأ الرّبعُ الثاني مع فصلِ "مم تتكون الأشياء؟" لينتقل دوكنز لشرحِ ماهيّة المواد، بكافّة أشكالِها، ثم يستعرضُ أساطيرَ سُكّانِ أستراليا الأصليين عن تعاقبِ الليل والنهار، ويُتبعها بإجاباتٍ علميّةٍ توضّحُ تغيّرَ الفصولِ الأربعة، و حركةَ الأرضِ حولَ الشّمس، وطريقة عملِ السّاعة والتّقويم الزمني. فيما أفردَ الكاتبُ الفصلَ السّادسَ "ما الشمس" للحديثِ عن هذا النّجم الذي يعطينا الحياة، وأنواعِ النّجومِ ودورةِ حياتها.
وبالحديثِ عن "ملحمةِ جلجامش"، افتتحَ دوكينز الرّبعَ الثالثَ بعنوان "ما هو قوسُ قزح؟" منطلقًا من رؤيةِ "أوتنابشتيم" قوسَ قزح -المخلوق من الرّبة عشتار حسبَ الأسطورة- عندما خرجَ من القاربِ بعد الطّوفان العَظيم في "سومر"، قبلَ أن يشرحَ لنا عن الضّوء و آليّة تكوّنِ قوس قزح من قطرات الماء، وعن أطوالِ الضوءِ المَوجيّة، و فيما إذا كُنا قادرين على ملاحظتِها جميعها.
ثمّ يُحدّثنا دوكنز عن أساطيرِ الوجود، وكيفَ قلبَ العِلمُ المفاهيمَ الأسطوريّة بعدَ اكتشافِ نموذجِ الانفِجارِ العَظيم، و كيفَ انبثقَ الكَونُ إلى الوجودِ قبلَ 13 إلى 14 مليارِ عام.
و في الفصل التاسع يسألُ دوكنز "هل نحن بمفردنا؟" ليقدّمَ لنا عِدّة أسئلة حولَ هذا الموضوع، والتي لم يستطع أحد الإجابةَ عنها حتّى الآن، فيقول: "لا أحد يعرِف، و إذا أجبرتَني على طرحِ رأيي بطريقةٍ أو بأخرى، فلَعلّي أقولُ نعم! توجدُ حياةٌ، و من المُحتملِ وجُودها على ملايينِ الكواكب."
يبدأُ "ريتشارد دوكنز" الرّبع الأخير، بعنوان "ما الزلزال؟" حيثُ يقدّم لنا بالتناوب -كما درج في هذا الكتاب- أساطيرَ تكوينِ الزلازلِ عندَ الشّعوب، ثم يطرحُ الحقيقةَ العِلميّة الكامنةِ وراءَ تكوّنه. قبلَ أن ينتقلَ للحديثِ عن القَدرِ و الحظِّ، مُتسائلًا إن كانَ ثمّةَ هنالكَ قدرٌ و حظٌ في حياتِنا، أم أنّ الأمورَ مُجرّدُ مُصادفاتٍ قد تَتكرّرُ كثيرًا لأسبابٍ مُختلفةٍ وربّما متشابهة أحيانًا، و ما علاقةُ المرضِ والتّطورِ بحدوثِ أمورٍ سيّئة.
و يختتمُ دوكنز الكتابَ بالفصل الثاني عشر، والمعنون بـِ " ما المعجزة؟" مُستعرضًا بعضَ الأساطيرِ التي تتحدّثُ عن وجودِ معجزاتٍ، مُقتبسًا من الفيلسوف الاسكوتلندي، ديفيد هيوم قوله: "لا شهادةً كافيةً لوضعِ أساسٍ لمعجزةٍ ما، إلّا لو كانت تلكَ الشّهادةُ من نوعٍ يكونُ زَيـفُها أكثرَ إعجازًا من الحقيقةِ التي تَسعى لإرسائها". ويشرحُ دوكنز لنا هذه النقاط من منظوره الخاص.
يعدُّ هذا الكتابُ فرصةً جيّدةً لكلّ من يريدُ الإطّلاعَ على العلمِ بطريقةٍ مُبسّطةٍ، و يكتشفَ حقيقةَ أنّ المعجزاتَ والّسحرَ والأساطير، ما هي إلا أدواتٌ للتّسليةِ، وقصصٌ للمُتعةِ فقط. وفي هذا الكتاب يمكنكَ فعلًا أن تتمتّعَ بالعلمِ، بعد أن كشفَ لنا دوكينز زيفَ الأساطير، وبيّنَ لنا حقيقةَ العالمِ الذي نعيشُ فيه، حيثُ يَسعى العلمُ يوميًا ليبيّنَ لنا ما نجهلُهُ، و يَملأ الهُوّة المعرفيّة الكامنة في حياتنا، بتفاصيلَ ينبغي الإجابةَ عليها عاجلًا أم آجلًا.
معلومات الكتاب:
العنوان: سحر الواقع
المؤلف: ريتشارد دوكنز
ترجمة: عنان علي الشهاوي
طباعة: دار التنوير
تاريخ الطباعة: الطبعة الأولى 2013
الترقيم الدولي: 1-48-582-9953-978