الكائنات الدقيقة؛ حلولٌ علاجيةٌ فعالة للأمراض المستعصية- الجزء الأول
البيولوجيا والتطوّر >>>> الأحياء الدقيقة
بدأت المحاولات الأولى في دراسة الكائنات الدقيقة منذ حوالي 200 سنة، وخلالها استُخدِمَت المجاهر البدائية والأساليب البسيطة والتي تطوّرت مع الزّمن، إلى أن تمكّن العالم لويس باستور في منتصف القرن 19 من شرح الظواهر المختلفة كالتي كانت تجري في الهند والصين، حيث كان الناس هناك يضعون بودرة الجلد المصاب بالجدري على جلد الأشخاص الأصحّاء، وقد تمكّن لويس باستور من فهم أسباب عدم إصابة هؤلاء الأشخاص بالجدري فيما بعد، وأطلق على هذه العملية اسم التطعيم. ثم مع مرور الزمن تمّ تطوير عددٍ كبيرٍ من اللقاحات للوقاية من أنواعٍ مختلفةٍ من الأمراض.
في أيامنا هذه، لا يقتصر الاستخدام الطبّي للكائنات الدقيقة في مجال تصنيع اللقاحات فقط، بل يتمّ استخدامها في مجال صناعة الأدوية العلاجية أيضاً.
مصطلح الكائنات الدقيقة هو مصطلحٌ عام يضمّ العديد من الكائنات كالبكتيريا والفطريات والطلائعيات والنباتات المجهرية إضافة إلى العوالق. ولهذه الكائنات صفات تنوعية هامة من الناحية الفيزيائية والكيميائية والحيوية، فبعضها يحتوي على النواة بينما تغيب النواة عند الأنواع الأخرى، وبعض الانواع تحوى كلا أو أحد نوعي الحمضين DNA و RNA ، ويمكن لبعضها أن يتواجد في درجات حرارة أو حموضة مرتفعة، كما يمكنها ان تتكاثر جنسياً ولا جنسياً، هذا بالاضافة الى التنوع الكبير للمجمعات الاحيائية التي تعيش بها.
تُعتَبَر البكتيريا من الكائنات بدائية النواة (أوليات النواة) ولكنّها تحتوي على جدارٍ خلويٍّ نموذجيٍّ إضافةً إلى منطقةٍ نووية تحوي المادة الوراثية، بالإضافة إلى عددٍ قليلٍ جداً من العُضيات الخلوية.
ولدراسة البكتريا أهمية طبيّة لأسباب عديدة تتلخّص في: دورة حياتها القصيرة، وسهولة التلاعب بمادتها الوراثية. لقد تمّ استخدام إمكانية التلاعب الوراثي هذه لفهم ما يحدث داخل خلايا الكائنات الأكثر تعقيداً بعد الفهم الدقيق لعمل المورثات البكتيرية وعمل الأنزيمات وطريقة الاستقلاب.
في عام 2007 تمكّن العلماء من المركز البريطاني للأورام من استخدام البكتيريا من أجل تصميم كبسولات العلاج الكيميائي للسرطان. حالياً، تُعتَبَر هذه الكبسولات من أشهر طرق العلاج النوعي، حيث يتمّ بواسطتها القضاء فقط على الخلايا السرطانية، دون المسّ بخلايا الجسم الأخرى، على خلاف العلاجات الكيميائية العادية التي كانت تقضي على كافة الخلايا، بما فيها المُسرطنة والصحيحة. من الميزات الأخرى لهذه الكبسولات العلاجية أنّها لا تُسبب كبتَ عملِ الجهازِ المناعيِّ وتُحافظ على القِوى الدفاعية للجسم.
من البكتيريا الأكثر استخداماً للأغراض العلاجية هي الإشريكية القولونية Escherichia Coli، حيث تمّ التلاعب الوراثي في هذه البكتيريا بطريقتين؛ اعتمدت الأولى على إضافة مورثة تسمح للخلية البكتيرية بعبور غشاء الخلية البشرية، وهو شيء لم يكن ممكناً سابقاً، والثانية أضاف فيها العلماء مورثة للخلية البكتيرية تتحول من خلاله الى قنبلة موقوتة حيث يتم انسكاب محتوياتها داخل الخلية البشرية المصابة وعبور غشائها، ومن ضمن هذه المحتويات أنزيم منشّط لدواء خاص بالسرطان. تمّت تجربة هذه الطريقة على الفئران وكانت النتيجة جيدة جداً حيث تم القضاء على أكثر من 90% من الخلايا السرطانية دون التأثير على الخلايا السليمة.
كما أُجريت أبحاثٌ على نوعٍ آخرٍ من البكتيريا يقوم بإنتاج بروتين خاص يعمل على هدفٍ محددٍ وهو المستقبلات النوعية الموجودة في الخلايا الظهارية لكل من الصدر والبروستات والرئتين والرحم والبنكرياس، ويعمل هذا البروتين بطريقتين؛ إحداها تتضمّن في الاقتران بالنظائر المشعة من جهة وبالخلية المصابة من جهة أخرى ما يمكّن الاطباء من إيجاد آثار الخلايا السرطانية حتى ولو كانت صغيرة جدا. أمّا الطريقة الثانية فتتضمّن باقتران نفس البروتين بمواد دوائية مضادة للسرطان والتي يمكن أن ينقلها مباشرة إلى الخلايا السرطانية فقط لعلاجها بشكل مباشر.
النوع الثالث من البكتيريا التي أُجرِيَت عليها دراسات هامة هو Clostridium Novyi والذي يستهدف بدوره الخلايا الورمية في القولون. ميزة هذا النوع من البكتيريا قدرته على العيش في البيئة اللاهوائية أي داخل الخلية الورمية. تمّ استعمال دواء مع هذا النوع من البكتيريا، وهذا الدواء يدمر (دنا) الخلايا السرطانية، وكانت النتائج نوعية، حيث تمّ تدمير معظم الخلايا السرطانية المُعالَجة وبقيت جميع الخلايا الباقية سليمةً.
كان هذا الجزء الخاص باستخدام البكتيريا على وجه الخصوص... وفي الجزء الثاني سنتحدث عن استخدامات الفطريات والفيروسات في هذا المجال.
المصادر:
Investigations into the Current Usage of Microorganisms in Medicine, Worcester Polytechnic Institute, IQP Report, E Term 2011 – B Term, 2011
يمكنكم تحميل الملف من هنا هنا