هل باتَ من الممكن إنتاج الحيوانات المنوية مخبرياً؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> التقانات الحيوية
هنا يبرز سؤالٌ هامّ؛ هل بات من الممكن إنتاج هذه الخلايا الجنسية في المختبر بهدف معالجة الحالات المستعصية من العقم؟ وهل ستكون مشابهة فعلاً للخلايا الطبيعية؟ ما هي نقطة البداية التي يمكن أن تبدأ منها عمليات الإنتاج المخبرية؟ يقدّم المقال التالي بعض الإجابات.
تمكّن فريقٌ بحثيٌ صينيٌ من الحصول - مخبرياً - على خلايا جنسيةٍ فاقدةٍ للذيل، تشبه إلى حدٍ كبيرٍ الحيواناتَ المنويةَ الناضجة، وذلك بعد تطوير وإكثار خلايا كانت قد أُخِذت من الفئران. ورغم أن هذه الخلايا غيرُ قادرةٍ على السباحةِ والحركة، إلا أنها تعتبرُ أفضل خلايا جنسيةٍ مخبريةٍ تم التوصّل إليها في أنبوب الاختبار، وهي تحقق ما يسمى بالمعايير الذهبية التي تم وضهعا عام 2014.
تمثّل هذه الخلايا المنوية ما يُسمّى بطلائع المني spermatids؛ وهي خلايا دائرية تكوّن عند نضجها الخلايا المنوية (النطاف) ذات الشكل المعروف. تم إكثار هذه الخلايا من خلايا جنينية جذعية، وأوضح القائمون على هذه الدراسة أنّ هذه الخلايا قادرةٌ على إخصاب بويضات الفئران، وذلك عند حقن هذه الخلايا حسب الطرق المستخدمة بالتلقيح الصناعي، لتعطي في النهاية، بعد تطوّر الأجنّة فئراناً تكون بدورها خصبةً.
إنّ طلائع المني هذه تعتبر الخلايا الجنسية الأولى التي يتمُّ إنتاجها في المختبر والتي تحقّق شروط المعايير الذهبية التي تمَّ تحديدها من قبل مجموعةٍ من باحثي الخصوبة والإنجاب عام 2014. وقد كان الهدف من هذه المعايير إضافةُ قوانينَ صارمةً جداً في هذا السباق العالمي الذي يهدف إلى تصنيع خلايا جنسيةٍ مخبرياً.
على خلاف العديد من الجهود الأخرى التي تم بذلها في هذا المجال، استطاعت هذه الخلايا أن تجتازَ الانقسام الخلوي الميوزي والذي يعتبر المرحلة الحاسمة التي تتحول فيها هذه الخلايا المخبرية إلى الخلايا الجنسية الصحيحة وراثياً؛ أي أنها تحمل نصف عدد كروموسومات الخلية العادية في جسم الفأر. لا يزال الباحثون القائمون على هذه الدراسة يكافحون لإثبات أنّهم استطاعوا أن يدفعوا هذه الخلايا لكي تُكمل جميع مراحل الانقسام الميوزي على نحوٍ صحيح، لتحمل كل منها في نهايته نصف عدد كروموسومات الخلية الأم. يقول أحد الباحثين: "نعتقد أن عملنا هو الأول الذي يقوم برصد واختبار جميع المتطلبات للوصول إلى انقسامٍ ميوزي ناجح".
وبالفعل، تُعدّ إنجازات هذه الورقةِ البحثيةِ رائعةً جداً، فهي الوحيدة حتى الآن التي تمكّنت من إحراز مثل هذا التقدم. لقد كانت هناك العديد من المحاولاتِ لإنتاج حيوانٍ منويٍ اصطناعي ابتداءً من مرحلة الخلايا الجنسية germ cells، ولكن لسوء الحظ فإنّ تلك الطرق لم تكن لِتساعد شريحةً واسعةً من الرجالِ لأنّ واحداً من أهمّ أسباب العقم هو النقص أو عدم وجود هذه الخلايا الجنسية أصلاً، ولهذا كان من البديهي البحث عن طريقةٍ يتم فيها إنتاج وتصنيع حيوانٍ منويٍ ابتداءً من نوعٍ آخرَ من الخلايا.
وبالفعل، نشرت العديد من المجموعات البحثية أدلةً تثبت فيها القدرة على إكثار خلايا جنسية ابتداءً من بعض أنواع الخلايا الجذعية، ولكنّ معظم هذه الدراسات فشلت في إظهار قدرة هذه الخلايا الجنسية على الاستمرار وانتاج نسائلَ خصبةٍ، أو في إثبات أنّ جميع مراحل الانقسام الميوزي قد حدثت بالفعل. هذه الأمور دفعت الباحثين إلى وضع تلك المعايير الذهبية التي سبقت الإشارةُ إليها.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّه كانت هناك العديدُ من المحاولاتِ والآمال الزائفةِ لتطوير نظامٍ متينٍ لإحداث الانقسام الاختزالي في المختبر، وربما نجح البعض في ذلك ولكنّهم عجزوا عن تكراره، ومن هنا تأتي أهمية البحث الصيني الأخير.
على الرغم من هذا النجاح غير المسبوق، فإنّ فريق البحث لم يصل إلى نهاية السباق بعد. لقد توصّل الباحثون إلى تصنيع الخلايا طلائع النطاف ابتداءً من خلايا جذعية مأخوذة من أجنة الفئران، وهذا أمرٌ متاحٌ وسهلٌ جداً في الدراسات التي تُجرى على الفئران مخبرياً، ولكن وفي المقابل لا يمكن تطبيق ذلك على ذكرٍ مصابٍ بالعقم، وبالتالي لا يمكن استخدام هذه التقنية الجديدة كعلاجٍ للعقم.
يبرز هنا سؤالٌ هامٌ آخر؛ هل يمكن إنتاج نفس الخلايا الشبيهةٍ بالحيوانات المنوية ابتداءً من خلايا جسدية عادية، كخلايا الجلد، أُخِذت من رجلٍ عقيم؟ في هذا السياق، قام فريقٌ بحثيٌّ ياباني بإنتاج خلايا فأر جنسية ابتداءً من خلايا جذعية مُحَفّزةُ؛ وهي نوع من الخلايا يمكن إنتاجه من خلايا البالغين، وتجري الدراسة حالياً على خلايا الإنسان.
في النهاية تتّضح العقباتُ الحقيقيةُ أمام هذا الإنجاز، والتي تتمثل بنقطتين، أولهما: قدرةُ الخلايا التي تحمل العدد المزدوج من الكروموسومات على إنجاز الانقسام الاختزالي بشكلٍ كاملٍ ودقيقٍ مخبرياً، والثاني أن يكون مصدر هذه الخلايا متاحاً عند الذكور البالغين والمصابين بالعقم.
ما زالت الآمال كبيرةً والسباق قائماً حتى الآن، وربما الوصول إلى النتيجة المرجوة بات أقرب مما نتوقع.
المصادر:
هنا
هنا
البحث الأصلي: هنا