هل يوجد جانب سيئ لكثرة الماء في الجسم؟
الطب >>>> مقالات طبية
لم يكن الملح دائمًا بهذا الرخص والتوفر، فقد عانى أسلافنا القدماء من أجل الحصول عليه، وقد تعلّم بعضهم استخراجَه من الأرض فعدّوه سلعة قيّمة استُخدمِت عملة.
ولكن؛ بعد الثورة الصناعية أصبح الملح رخيصًا ومتوفرًا بكثرة؛ مما أدى إلى سوء الاستهلاك.
يتكوّن الملح من ذرتين ترتبطان بعضهما مع بعض: ذرة الصوديوم Na وذرة الكلور Cl.
وعلى الرغم من أنّ ذرة الكلور هي المساهم الأكبر في الوزن الجزيئي للملح؛ لكننا عندما نتكلم عن الجانب الصحي للملح فإننا نعني بالتحديد الصوديوم، سواءً أكان قادمًا من ملح الطعام أم من مصادر أخرى.
ويُعدّ الصوديوم ضروريًّا للحفاظ على جسم صحي. وفي الواقع، يحوي جسم الإنسان الطبيعي قرابة 250 غرام من الصوديوم (ما يعادل 3 أو 4 مرشّات ملح المائدة) موزعة في الجسم، فهو العنصر المعدني الأساسي في بلازما الدم، ويؤدي دورًا أساسيًّا في الحفاظ على ضغط دم طبيعي ويدعم عمل الأعصاب والعضلات.
كذلك يتوفّر الصوديوم على نحو خاص في سوائل الجسم المتنوعة (الدم والعرق والدموع والسائل المنوي والبول) لينظم توازنها، ومن دون الصوديوم ستخسر هذه السوائل الماء؛ مما يؤدي إلى حدوث التجفاف وانخفاض ضغط الدم والموت. ومن حسن الحظ أنّ كميةً قليلة من الصوديوم تكفي لتفادي هذا السيناريو المخيف.
ولكن هناك سيناريو معاكس، فماذا لو زاد الصوديوم على الحد الطبيعي؟
في هذه الحالة سيحتفظ الجسم بالماء لتمييع الصوديوم والحفاظ على تراكيزه ثابتة في المجرى الدموي، وسيسبب هذا زيادة في حجم الدم ضمن الأوعية الدموية، ومن ثم زيادة العبء على القلب وضغط أكبر على الأوعية الدموية والكلية التي تواجه -هذه الأخيرة- صعوبة في التخلص منه.
ومع استمرار هذا الجهد والضغط، تصبح الأوعية أكثر قساوة مسببةً ارتفاع الضغط ونوبات قلبية وسكتات دماغية. إنّ هذا الأمر بحد ذاته يجعلنا نفكر ثانية قبل الإكثار من الملح.
ولكن هناك المزيد، فقد وجد الباحثون أنّ استهلاك كميات كبيرة من الملح والصوديوم مرتبطٌ بارتفاع خطورة الإصابة بسرطان المعدة، وقد يسبب أيضًا تخلخل العظام؛ إذ تزداد كمية الكالسيوم التي يخسرها الجسم بالبول مع زيادة كمية الصوديوم في الدم، وعند انخفاض تركيز الكالسيوم في الدم سيحتاج الجسم أن يأخذه من العظام مسببًا تخلخلها وهشاشتها.
لذلك؛ لا بُدّ من الحد من كمية الصوديوم المتناوَل لتصبح أقل من 2400 ميللي غرام؛ أي ما يقارب كمية من الملح في ملعقة شاي.
ولكن لا داعيَ للمبالغة، فهناك جانب آخر يغفل عنه معظم الناس وهو نقص صوديوم الدم.
سنأتي الآن إلى عنوان مقالنا؛ ما علاقة الماء المفرط بنقص الصوديوم؟
في الحقيقة إنّ أشيع مسببات نقص الصوديوم هي زيادة كميات سوائل الجسم.
تتراوح تراكيز الصوديوم الطبيعية في الدم بين 135 إلى 145 ميللي مكافئ/اللتر، ونقول إن هناك نقصًا في تركيز الصوديوم إذا انخفض إلى أقل من 135 ميللي مكافئ/اللتر وتدعى هذه الحالة نقص الصوديوم في الدم Hyponatremia.
علمًا أنه يجب الاهتمام بهذه المشكلة وتسليط الضوء عليها على نحو أكبر لأنها قد تكون مُهدِّدة للحياة أحيانًا.
وتتنوع أعراضها بحسب شدة النقص؛ إذ تشمل مرضى غير عرضيين أو أعراضهم خفيفة كالتعب والدوخة والصداع والغثيان والإقياء، في حين توجد حالات شديدة يعاني فيها المرضى الأعراض والعلامات الدالة على النوبة العصبية والوذمة الدماغية (انتشار الماء ضمن خلايا الدماغ) التي تؤدي إلى الغيبوبة والموت.
وهناك عديدٌ من الأمراض وسلوكيات الحياة التي قد تسبب نقص الصوديوم، فتناول بعض الأدوية كالمدرّات ومسكنات الألم ومضادات الاكتئاب يتضارب مع تأثيرات الهرمونات الطبيعية ومع عمل الكلية التي تبقي تركيز الصوديوم ضمن الحدود الطبيعية، كذلك قد تسبب بعض أمراض القلب والكلية والكبد احتباسَ السوائل في الجسم؛ مما يخفض تركيز الصوديوم.
إضافةً إلى ذلك، يؤدي الإسهال والإقياء المزمن والشديد إلى التجفاف وخسارة الجسم للشوارد كالصوديوم وزيادة إفراز الهرمون المضاد للإبالة (ADH). وكما ذكرنا قد يُغرِق شرب كميات مفرطة من الماء الكلى مسببًا عدم قدرتها على طرح هذه الكميات الكبيرة.
ويكون بعض الأفراد معرّضين أكثر من غيرهم لنقص الصوديوم، فمع تقدُّم العمر تزداد العوامل المسببة لنقص الصوديوم كتناول أدوية معينة أو الإصابة بأمراض تؤثّر في مستويات الصوديوم بالدم، كذلك يكون الأشخاص ذو الوزن القليل الذين يشربون كميات كبيرة من المياه في أثناء ممارستهم النشاطات البدنية القاسية -كالماراثونات ورياضات الركض مسافاتٍ طويلة- معرّضين لهذه الحالة أكثر من غيرهم.
وتتعرض الإناث قبل سن اليأس لخطر الإصابة بالوذمة الدماغية المرتبطة بنقص الصوديوم الناجمة غالبًا عن التأثيرات السلبية للهرمونات الجنسية الأنثوية في قدرة الجسم على إحلاله توازن معدل الصوديوم ضمن سوائل البدن.
ومن أجل الوقاية، يُنصَح بوضع خطة للتروية تتضمن مشروبات تحتوي على شوارد في حال كان التمرين قاسيًا ويستمر أكثر من ساعة، إضافةً إلى تسجيل الوزن قبل التمرين وبعده لمراقبة استهلاك السوائل.
ويجب عليك أن تكون على علم بأعراض نقص الصوديوم وعلاماته، ويجب تثقيف الرياضيين بخطورة فرط السوائل وتشجيع الإماهة المعتدلة لتجنب هذه الحالة.
ويمكنك أيضًا وضعُ خطة للتعامل مع الحالات الطارئة الشديدة من نقص الصوديوم، مع ضرورة التنبيه لاختلاف احتمال الإصابة من فرد إلى آخر تبعًا لعدّة عوامل؛ مثل معدل التعرّق ونسبة الصوديوم المطروحة معه، إضافة إلى عوامل بيئية أخرى.
ومن أهم طرائق التعامل مع الحالة عدم التزويد بالسوائل؛ إذ يكفي أن يُعالَج المرضى ذوو الأعراض الخفيفة عن طريق الحد من شرب السوائل ومراقبة تراكيز الصوديوم حتى عودتها إلى المستويات الطبيعية، وقد نعطي محلولًا ملحيًّا مفرط التوتر عن طريق الفم أو طعامًا مالحًا كرقائق البطاطا والمخلل.
أما المرضى ذوي الخطورة العالية، فيجب إعطاء 3% من محلول ملحي عالي التوتر بسرعة فائقة لتجنب الوذمة الدماغية المميتة، ويُنصَح أيضًا بإعطاء الأوكسجين لأن الوذمة الدماغية قد تسبب نقص تأكسج.
وأخيرًا؛ ننصح بطلب المشورة الطبية لأي شخص يطوّر علامات نقص الصوديوم وأعراضه كالتشوش والنوبات العصبية وفقد الوعي.
وفي حال التعرض لنوبة نقص صوديوم فيجب مراقبة الرياضيين وقياس تراكيز الصوديوم قبل العودة إلى النشاط الكامل ويجب أن تكون العودة تابعة لبروتوكول تمرين متدرج.
المصادر:
1-هنا
2-هنا
3-هنا
4-هنا
5-هنا