كيف تؤثِّر مانعات التعرُّق ومزيلاتُ الرائحةِ على الميكروبات التي تستعمر جلدنا
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
وكان الهدفُ من هذهِ الأبحاثِ معرفةُ تأثيرِ مانعاتِ التعرُّقِ ومزيلاتِ الرَّائحةِ على الحياة الميكروبيةِ التي تعيشُ على أجسامنا، ومدى تأثيرِ عاداتِنا اليوميَّةِ على تلكَ الميكروبات، وتبيان إن كانَت هذهِ التأثيراتُ إيجابيةً أم سلبية.
يقولُ البروفسور Rob Dunn: ’’تستطيعُ آلاف البكتريا العيشَ على جلدِنا وخصوصاً في منقطَةِ الإبط. وقد اكتشفنا أنَّ مانِعاتِ التَّعرُّقِ ومزيلاتِ الرائحةِ هي من أهمِّ العوامِلِ التي تُحدِّدُ الأنواعَ التي ستحتلُّ هذهِ المنطقة‘‘.
وتضيفُ Julie Urban: ’’في العقودِ الأخيرةِ أصبحَ استخدامُ مانعاتِ التعرُّقِ ومزيلاتِ الرائحةِ جزءاً من الرُّوتينِ اليوميِّ لشريحةٍ واسعةٍ منَ الناس. لكنَّ تأثيرَ هذه الموادِ على وُجودِ أنواعٍ معيَّنَةٍ من الجراثيمِ (المفيدةِ أو المضرَّةِ) دونَ غيرها في منطقةِ الإْبطِ لا يزالُ أمراً مفتوحاً للدراسةِ والبحثِ‘‘.
ولمعرفة المزيدِ عن تأثيرِ هذهِ الموادِ على التنوُّعِ الميكروبيِّ على جلدِنا، قامَ الباحثونَ بتجنيدِ 17 مشارِكاً متطوِّعاً للبحث، منهم 3 رجالٍ و4 نساءٍ استخدَموا مانعاتِ التعرُّقِ والتي تُقلِّلُ من كميِّةِ العرق، و3 رجال وامرأتان استخدموا مزيلاتِ الرائحةِ والتي تحتوي بالعادةِ على مادة الإيثانول Ethanol أو مواداً أخرى تقتلُ وتكبَحُ الميكروبات المسبِّبةِ للرائحةِ على الجلد، و3 رجال وامرأتانِ لا يستخدمونَ أياً من هذهِ المواد. ومن ثُمَّ دخلوا جميعاً في اختبارٍ على مدى 8 أيامٍ؛ كان يجري خلالَها أخذُ مَسَحاتٍ من مِنطَقَةِ الإبْطِ بينَ الساعةِ 11 صباحاً و1 ظهراً.
في اليومِ الأوَّل، قام المشاركون في البحثِ باستخدامِ مانعاتِ التعرُّقِ ومزيلاتِ الرائحةِ كما اعتادوا من قبل. وفي الأيام ] 2 إلى 6 [ لم يستخدمِ المشاركونَ أيًّا من مزيلاتِ الرائحةِ أو مانعاتِ التعرُّقِ. أما في اليومين 7 و8 استخدمَ كلُّ المشاركين في البحث مانعات التعرق فقط!
ثمَّ قامَ الباحثونَ بزراعةِ المَسَحاتِ المأخوذةِ من المشاركين (على أوساطِ تنميةٍ خاصةٍ) وذلكَ لتحديد ِتوافُرِ الميكروباتِ لدى كلِّ مشتركٍ وكيفيةِ تأثُّرِ هذا التوافُرِ على مدى أيَّامِ البحث.
يقول Horvath مُعقِّبًا على نتائِجِ البحث: ’’في اليومِ الأولِ وجدنا أنَّ مُستخدِمِي مانعاتِ التعرُّقِ لديهم توافُرٌ أقلٌّ للميكروباتِ في منطقةِ الإبطِ مقارنةً بأولئكَ الذينَ لم يستخدموا مانعاتِ التعرُّق. أما مستخدمي مزيلاتِ الرائحةِ فقد كانَ توافُرُ الميكروباتِ لديهم أعلى من المعدلِ مقارنةً بمن لا يستخدمونها‘‘.
في اليومِ الثالِثِ بدأ يزداد النموُّ الميكروبي لدى أولئِكَ الذين استخدموا مانعاتِ التعرُّق. وفي اليوم السادسِ وصل النموُّ لحدٍّ متساوٍ تقريباً لدى جميع المشاركينَ في البحث.
ويضيف Horvath: ’’على أيَّةِ حالٍ – لاحظنا في اليومِ السادسِ والسابعِ أنَّ أعدادَ الجراثيمِ تنخفضُ لدى جميع المشاركين ما يُشيرُ إلى أنَّ هذهِ المُنتَجاتِ تؤثِّرُ بشكلٍ جليٍّ على النمو الميكروبيِّ على الجلد‘‘.
كما أنَّ الباحثينَ قاموا بدراسةِ التسلسلِ الجينيِّ للعيِّناتِ المأخوذَةِ من اليومينِ الثالثِ والسادسِ، لمعرفةِ فيما إذا كانَ لمانعاتِ التعرُّقِ أيُّ تأثيرٍ على الميكروباتِ عبر الوقت من حيثُ التركيبِ والتنوُّع.
وكانت أنواع الميكروبات لدى المشاركين الذينَ لم يستخدموا مانعاتِ التعرُّقِ أو مزيلاتِ الروائحِ في البحثِ تتوزَّعُ بين 62% من جنس Corynebacteria، 21% كانت من أنواعٍ تعودُ للمكورات العنقودية Staphylococcaceae، وأنواع أخرى من البكتريا تشكِّلُ ما تبقَّى من الـ 10%.
تعتبر بكتريا Corynebacteria المسؤولةَ عن الروائِحِ التي تَصدُرُ عن الجسمِ، ولكنَّهُ يُعتَقَدُ، بنفسِ الوقتِ، أنَّها تساهِمُ في الدفاعِ ضد العوامِلِ المُمرِضَةِ. أما بالنسبةِ للبكتريا التي تعودُ لعائلةِ Staphylococcaceae فهي تَشمُلُ زمرةً واسعةً من الأنواعِ التي تَعيشُ على الجلدِ، وبينما يمكنُ لبعضها أن تشكِّلَ خطراً على صحة الإنسان (في حالِ انتقالها من سطحِ الجلدِ إلى داخلِ الجسم) إلَّا أنَّ مُعظمَها تُعدُّ مفيدة.
أما بالنسبةِ للمشاركينَ في الاختبارِ والَّذينَ كانوا يستخدمونَ مانعاتِ التعرُّقِ، فقد كانت نتاجهُم مختلفةً تماماً، فـ 60% من النبيت الميكروبيِّ لديهم كانَ يعودُ لعائلةِ Staphylococcaceae و14% كانت أنواعٌ من جنسِ Corynebacteria والـ 20% البقية كانت مما يتم تصنيفه تحت عنوان "أنواع أخرى" والتي تعني أنها زُمرةٌ من الميكروبات الانتهازيَّة.
يُعقِّبُ Horvath قائلاً: ’’استخدامُ مانعاتِ التعرُّقِ ومزيلات الرائحةِ يغيِّرُ تماماً من تركيبةِ النبيت الميكروبيِّ على الجلد. وليسَ لدينا بعدُ أيُّةُ فكرةٍ فيما إذا كانَ ذلك يؤثِّرُ على صِحَّةِ الجلدِ أم لا – فهل يُعتَبَرُ هذا التغيير مفيداً؟ نحن لا نعرف. فهذا السؤالُ هوَ ما نعملُ على استكشافِ جوابهِ‘‘.
بحثٌ آخرٌ - كانَ قد رَكَّزَ على اختلافِ الأنواع الميكروبيّةِ التي تعيشُ في منطقَةِ الإبط بين البشر وأنواعٍ أخرى من الثديياتِ كالشيمبانزي أو الغوريلا- أشارَ إلى أنَّ هذه الأنواع الميكروبيَّةِ تطوَّرَت مع تطوُّرِ الكائناتِ التي تعيشُ على جلدِها. ولكن الأنواع ال الموجودة لدى البشرِ تختلفُ بشكلٍ كبيرٍ (مع تنوُّعٍ أقلَ) معَ تلكَ الموجودةِ لدى الرئيسات القريبةِ الأخرى.
يضيف Horvath: ’’أحدُ النتائِجِ المثيرةِ هي أنَّ الرئيساتِ –غيرِ البشريَّةِ- الأخرى تكونُ مغطاةً بأنواعٍ ميكروبيَّةٍ ترتبطُ، بالنسبة لنا، بالتربةِ والغائطِ والتي نراها نحنُ على أنَّها "مقززة". وهذه الأنواع الميكروبيَّةُ التي تعيشُ على الرئيسياتِ -سوى البشر- تقدِّمُ فوائداً لم نفهمها بعد. ومع مرورِ الوقتِ والتقدُّمِ، فإننا نتوقَّعُ أنَّ الميكروبات التي تعيشُ على جلدِنا يجبُ أن تتطوَّرَ معنا. ولكن يبدو أنَّنا قد أثَّرنا على هذا المسارِ التطوري للميكروبات بعاداتنا اليوميةِ ابتداء من الاستحمامِ وانتهاءً بتغيير الرَّائحةِ أو الشكلِ الذي نظهرُ بِه!‘‘.
المصادر:
Julie Urban, Daniel J. Fergus, Amy M. Savage, Megan Ehlers, Holly L. Menninger, Robert R. Dunn, Julie E. Horvath. The effect of habitual and experimental antiperspirant and deodorant product use on the armpit microbiome. PeerJ, 2016; 4: e1605 DOI: 10.7717/peerj.1605
هنا