مناطيد عوضاً عن الطائرات: هل سنرى ذلك في المستقبل القريب؟
الهندسة والآليات >>>> المركبات والآليات
هل سنرى ذلك في المستقبل القريب؟
عندما يُردِّد أَحدٌ أمامنا كَلِمة مِنطاد سَيَخال إلينا مباشرةً شَكلُ مِنطاد الهواء الساخن ذو الألوان البرَّاقة والسَّلة المُزخرفة في أسفلهِ، إلا أن بعضنا وخاصةً متابعي أفلامِ حروب الاتحاد السوفيتي أو هواةَ ألعاب الفيديو ذات الطابَع الحربي الاستراتيجي سيُخيَّل لهم شكلٌ آخر للمنطاد. فهذا المنطاد ذو شكلٍ بيضويٍّ مُحدَّب يُشبه الغواصة البحرية وطائرةَ الركاب، لكن دون تلك الأجنحة الكبيرة.
مقالنا اليوم سيأخذُنا إلى المملكة المتحدة ليُطلِعنا على منطادٍ جديد، قد يكون يوماً ما بديلاً عن طائرات نقل الركاب والبضائع وبمواصفاتٍ مغايرة. تابعونا لنتعرف أكثر:
أتمَّ الباحثون من جامعة لينكولن في المملكة المتحدة دراسةً استمرَّت مدةَ ثلاثِ سنوات عن مناطيدِ الرُّكَّاب التي تُحلِّق في طبقة الستراتوسفير(1)، كجزءٍ من مشروعٍ هندسي مُتعدِّد الجنسيات يهدف إلى توفير شبكةِ نقلٍ جوي مُستدامةٍ في المستقبل.
وتُؤكِّد مجموعة الأكاديميين في فريق البحث الأوروبي من كلية الهندسة في جامعة لينكولن أن المناطيد ستُشكِّل الحلَّ الأخضر لنمو الطيران المستقبلي. ويهدف مشروع منطاد النقل الجوي المتقدِّم ذي الأجسامِ المُتعدِّدة "Multi body Advanced Airship for Transport MAAT" إلى جعلِ مناطيدِ الرُّكاب وسيلةً مستقبلية للنقل الجوي، وتُعتَبَر هذه الوسيلة آمنةً وفعَّالة ورخيصةً وصديقةً للبيئة.
Image: University of Lincoln
وكسائرِ المشاريع الهندسية، يعمل القائمون على وضع خُطةِ إعادةِ تقديم المناطيد كوسيلةٍ رخيصةٍ وفعَّالة، من حيث توفيرِ الطاقة والنَّقل الجماعي للأشخاص والبضائع، لتكون سبباً في إيجاد تعريفٍ جديد لمصطلح السماء الزرقاء، مع الحاجةِ لنظامِ نقلٍ متوسِّط المدى يتعامل بكفاءةٍ مع السُّرعة واستهلاكِ الوقود.
يسعى مشروع (MAAT) إلى تصميمِ ما يُشبه الطرَّاد البحري(2)، والذي سيكون قادراً على السَّفر في جميع أنحاء العالم في عدَّتِ مسارات، إضافةً إلى ذلك سيكون أيُّ منطادٍ يحملُ الرُّكاب أو البضائع قادراً على الرُّسوِّ على هذا الطرّاد أثناء وجوده في الجو.
يعتمد مصدرُ الطاقة الرئيسي لـ(MAAT) على ضوءِ الشمس، عن طريق مجموعةٍ من ألواحِ الطاقة الشمسية المُرَّكبة على السطحِ العُلوي للمنطاد، لتوفير الطاقة الكهربائية اللّازمة لعملِ المنطاد أثناء النهار، وتخزينِ الطاقة الفائضة لتسهيلِ عملِ المنطاد ليلاً.
وقد تركَّزت أبحاثُ فريق جامعة لنكولن على كيفية تقديمِ الاستخدام الأمثل للطاقة التي تولِّدها الخلايا الضوئية على المناطيد، وتمَّ نشر ورقة بحث تفصيلية للنتائجِ الأولية لمجموعة لينكولن في مجلة "هندسة الطيران والفضاء".
ولمزيد من المتابعة إليكم رابط المجلة:
هنا
وَصَفَت الورقة البحثية للنتائج الأولية مجموعة من المعلومات منها نُظم الطاقة المُركبَّة، وقدَّمت خياراتٍ تصميمية مُختَلِفة يمكن اعتمادها للمناطيد، وقامت بتسليط الضوء على القضية المُتَعلِقَة بآلية العمل النهارية والليلية وتأثيرها على نُظم تخزين الطاقة على متن المنطاد.
وقد تمَّ تطويرُ المشروع بشكلٍ كبير منذ ذلك الحين وذلك مع تقديم طُرُقٍ مدروسة لحصادِ الطاقة وتوزيعها، والاستفادة من استخدام القسم المُخَّزن منها لتبسيط التوسُّع المستقبلي ومعالجةِ سلامةِ نظام عملِ المنطاد في ظلِّ الظُّروف الصعبة التي قد يتعرض لها.
وقال تيم سميث، كبيرُ الباحثين في كلية الهندسة بجامعة لنكولن: "في حين أن مفهوم ترتيب الطرَّادات الصغيرة المُغذية للمناطيد ليس مُبتكراً تماماً، إلا أن نطاق وارتفاع الطيران المتوقع من (MAAT) لم يسبِق له مثيل. ويستند التَّشغيل على منطادٍ كبيرِ الحجم يُحلِّق على ارتفاعاتٍ عالية تصلُ إلى حوالي 15 كم، وسرعاتٍ تصل إلى 200 كم/ساعة لفتراتٍ طويلةٍ فوق المسارات الأوروبية التي تملِك على طولها نُقاطَ تبادل، حيث تعمل مناطيدُ التغذية (VTOL) عن طريقِ المحطَّات الأرضية لتلتقي وتلتحمَ مع الطرَّاد الكبير من أجلِ تبادُل الرُّكاب والبضائع. حيث أن المفهوم الأساسي هو التحامُ عدة مناطيد مغذيةٍ مع الطرَّاد".
ويُتوقَّع أن يصل عددُ المسافرين في عام 2020 إلى 40 مليون مسافر، وأن تزيدَ كمية الشحَّن الجوي بنسبة 340 % خلال السنوات العشرين المقبلة. وسيُسبِّب ازدحامُ مطاراتِ المملكة المتحدة خلال الفترةِ نفسِها ضغطاً كبيراً على عملية الشَّحن ونقلِ البضائع لأسبابٍ اقتصاديةٍ وبيئية، وسيتعيَّن بالتالي وضعُ استثماراتٍ كبيرة في البنية التحتية لمطاراتٍ جديدة، أو النظرُ في أشكالِ نقلٍ بديلةٍ لتأمينِ الطَّلب على سوقِ الشَّحن الجوي.
سيُقدم (MAAT) تكاليفَ نقلٍ أرخصَ من أيِّ نظامِ نقلٍ آخر في وقتنا الحالي حيث أنَّه لا يتطلبُ تغذيةً بالوقود، وستُقلِّل عمليات الهبوط والإقلاع الصامتة الأثرَ السلبيَّ للطيران الجوي على البيئة، مما سيسمح بالسفر على مدار 24 ساعة داخلَ المُدن المزدحمة.
وأضاف تيم سميث: "إن تصميمَ مناطيدَ كهربائيةٍ سيتطلَّب الكثير، وهي غير مُصمَّمة لتحلَّ مكان الطائرات التقليدية أو أي وسيلةِ نقلٍ أخرى، لكن من المُتوقع أنها ستُشكِّل بديلاً كونها لا تتطلَّب استثماراتٍ كبيرةٍ في البنية التحتية، وبحُكم طبيعتها فإن أيَّ زيادةٍ في الكفاءة ستؤثِّر على الوزن وبالتالي على الحجم، والذي بدوره يُؤثرُ على السَّحب وهكذا. وإن التحدِّي الأكبر هو بإدارة كفاءةِ الأنظمة الكهربائية والوزن، وهذا التحدي سيكونُ مُستمر".
ربما ينقلُنا هذا المشروع إلى أُفقٍ جديد في مجال النقل والشحن الجوي، فمن الجليِّ مقدارُ ما سيكون لهذا المشروع من آثارٍ إيجابيةٍ في جعل كوكبنا أقلَّ تلوثاً وأكثرَ أماناً.
معلومات أضافية :
(1) الستراتوسفير: ستراتوسفير أو الغلاف الجوي الطبقي هو إحدى طبقات الجو العُليا التي تعلو طبقة التروبوسفير وتمتدُّ من ارتفاع 18 كيلومتر إلى نحو 50 كم فوق سطح البحر
(2) الطرَّاد (cruiser): هي سفينة حربية، حجمُها أصغر من حجم البارجة الحربية، استُخدمت قديماً كسفينة مساعِدة في الأساطيل من أجل مطاردةِ سفُن العدوّ، إلّا أنّ استخدامها قلّ بشكلٍ كبير في هذه الأيّام.
المصدر :
هنا