الإسبرانتو .. لغةٌ سهلةٌ في متناول الجميع
التعليم واللغات >>>> اللغويات
إن كنت تعتقدُ أنّ هذا شيءٌ مستحيلٌ - أو على الأقلّ صعبُ المنال – فقد حان الوقتُ لتعيد النظرَ في رأيك بعد أن تقرأ مقالنا الآتي عن الإسبرانتو.
فما هي لغة الإسبرانتو ومن أين جاءت وما مستقبلها؟
الإسبرانتو Esperanto لغةٌ مصطنعةٌ اخترعَها طبيبُ العيون البولندي (لودفيج زامينهوف) عام 1887 لتكون لغةً عالميةً مساعِدةً يستخدمُها الناسُ لغةً ثانيةً بغرضِ التواصلِ مع الآخرين مهما تنوعت لغاتُهم وثقافاتُهم. وتعودُ جذورُ الفكرةِ إلى القرن التاسع عشر بعد أن فَقدت اللغةُ اللاتينية مكانتَها في المجتمعاتِ الأوربية أمام بروزِ النزعةِ القوميةِ التي أولت اللغاتِ المحليةَ الاهتمامَ على حسابِ اللاتينية.
كان (زامينهوف) يعتقدُ أن سببَ الخلافاتِ التي بدأت تظهرُ بين مجتمعاتِ أوربا الشرقيةِ هو تعددُ اللغاتِ وغيابُ لغةٍ تكون أساسًا للتفاهمِ بين تلك المجتمعات، فسعى لإيجادِ هذه اللغةِ المشتركةِ والمحايدةِ التي يمكن استخدامُها بصفتها لغةً ثانيةً جنبًا إلى جنب مع اللغةِ الأمِّ في أيِّ زمانٍ ومكان، فكانت لغة الإسبرانتو، التي يعني اسمُها الشخصَ الطَّموحَ أو المتأمِّل.
يتراوح عددُ متحدثي الإسبرانتو بين مليون ومليوني شخص حول العالم، لتكون بذلك أوسعَ اللغاتِ المصطنعة انتشارًا، ويعودُ انتشارُها إلى إمكانية تعلُّمِها بسهولةٍ وسرعة مقارنةً باللغاتِ الطبيعية، فجذورُ مفرداتِ الإسبرانتو مأخوذةٌ في الغالب من اللغاتِ الأوربية؛ إذ إن نحو 70% من المفرداتِ مأخوذة من اللغاتِ اللاتينية (الرومنسية) كالفرنسية والإيطالية والإسبانية، وقرابة 20% من المفردات اشتُقت من لغاتٍ تنتمي إلى الأُسَرِ الجرمانيةِ والسلافية (اللغات الجرمانية هي مجموعة من اللغات تضم لغات الدول الإسكندنافية بالإضافة إلى الألمانية والإنكليزية والهولندية والدنماركية، واللغات السلافية تضم لغات دول شرق أوربا). وهذا ما يجعلُ الإسبرانتو سهلةَ التعلمِ بالنسبةِ للأوربيين. ويضعُ كتابُ "أسسُ لغةِ الإسبرانتو" الذي نشرَه (زامينهوف) عام 1905 القواعدَ الأساسيةَ لبنيةِ اللغةِ المحدثةِ وصورتِها، فالنحو بسيطٌ جدًا ومنتظمٌ ومحددٌ بقواعدَ لا شذوذ فيها؛ فهناك نهاياتٌ محددةٌ تميزُ الاسمَ وأخرى للفعلِ أو للصفةِ...إلخ
لا تتصفُ الأسماءُ في لغة الإسبرانتو بجنسٍ محددٍ ودائمًا ينتهي الاسمُ المفردُ بالحرف o، أما الجمع فينتهي بالحرفين oj (يلفظ الحرف j كما في الألمانية والإيطالية؛ أي ياءً)، وفي حالةِ النصبِ (المفعول به) ينتهي الاسمُ المفردُ بالحرفين on والجمع بـojn.
مثال amiko صديق، amikoj أصدقاء
وفي حالةِ النصبِ تصبح amikon للمفرد وamikojn للجمع
وهناك أداةُ تعريفٍ وحيدةٍ في الإسبرانتو هي la ولا يوجدُ أداةُ تنكير، أما الصفاتُ فتنتهي دائمًا بالحرف a وتسبقُ الاسمَ كأغلبِ اللغاتِ الأوربية:
bona amiko صديق جيد
أما الأفعالُ في الإسبرانتو فهي منتظمةٌ ولا شاذَّ بينها، وتُصَرَّف جميعًا بسهولةٍ وبساطةٍ، إذ يأخذُ الفعلُ شكلًا واحدًا مع جميعِ الضمائرِ في كلِّ زمنٍ أو أسلوب، ولا يتأثرُ شكلُ الفعلِ سواء أكان الفاعلُ مفردًا أم جمعًا، مذكرًا أم مؤنثًا:
Image: www.syr-res.com
وفي لغةِ الإسبرانتو مجموعةٌ من السوابقِ واللواحق (10 سوابق و27 لاحقة) تُضافُ إلى جذرِ الكلمةِ لتوليدِ كلماتٍ ومفرداتٍ جديدةٍ أو كلماتٍ مركبةٍ تفيدُ معاني مختلفة، وللُغة الإسبرانتو أيضًا نظامٌ كتابيٌّ يعتمدُ على الأصواتِ الملفوظة، فكل ما يُلفظ يُكتب، ما يجعلُ التهجئة في هذه اللغة سهلةً وبسيطةً مقارنةً ببعض اللغات الطبيعية الأخرى.
كلُّ هذه السماتِ تجعلُ الإسبرانتو لغةً في متناولِ الجميع، فاليوم وبعدَ أكثرَ من مئةِ سنةٍ من اختراعِها، تستقطبُ الإسبرانتو الكثيرَ من المتطوعين والمتحمسين لتعلُّمِها ونشرِها كي تصبحَ لغةً عالميةً تساعدُ الناسَ من مختلفِ الثقافاتِ والمجتمعاتِ اللغوية على التواصل، وقد انتشرت انتشارًا واضحًا وفرضت نفسَها لغةً جديدةً بين لغاتِ العالم الحية، فباتت تدرَّس في عددٍ من جامعاتِ العالم، وطُبعت بها عشرات الآلاف من الكتبِ والترجماتِ من لغاتٍ مختلفة.
وبدأ المؤتمرُ العالميُّ للغةِ الإسبرانتو، الذي يعقدُ كلَّ سنةٍ في مدينةٍ مختلفة، يجتذبُ أكثرَ من ألفي مشارك، بل إنَّ مؤتمرَ وارسو عام 1987 شهد حضور ما يقارب 6000 مشارك. ومن بين متحدثي الإسبرانتو اليوم أُسرٌ تتخذها لغةً أولى، ما يتيحُ المجالَ لنشوءِ جيلٍ يكتسبُ الإسبرانتو اكتسابًا عفويًَّا وطبيعيًٍّا مثلَ أيّة لغةٍ أخرى، ومن هنا نرى أن ما بدأ فكرةً غريبةً ومجنونةً إلى حدٍّ ما أصبحَ اليومَ حقيقةً على أرضِ الواقع، وصارت الإسبرانتو وافدًا جديدًا في أسرةِ اللغاتِ الحيةِ بغضِّ النظرِ عن أصلِها وطريقةِ تشكلها.
المصادر:
1. Encyclopedia Britannica: Esperanto / book
2. Routledge Dictionary of Languages and Linguistics: Esperanto / book
3. هنا