الخلايا السرطانيَّة تحملُ مفاتيحَ تدميرها
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
تُبشِّرُنا آخرُ الدراساتِ أنَّ العلماء قد حققوا اكتشافاً ثورياً في فهمِ وتحديدِ التعقيد الجينيِّ للأورامِ واستغلالِ ذلك لصالحِ الجهازِ المناعيِّ، حتى ولو كان الورمُ في مرحلةٍ متأخرةٍ... فكيف تمَّ ذلك؟
جاءت الفكرةُ من خلالِ مراقبةِ نموِّ خلايا الأورامِ وتَطَورِها، إذ تتنوعُ فيها الأخطاءُ الوراثيةُ وتبدو كعلاماتٍ فارقة واضحةٍ على سطحِ هذه الخلايا، كما تظهرُ طفراتٌ فريدةٌ في أجزاءٍ مختلفةٍ من الورمِ، والأهم من ذلك، أنّه اعتماداً على تحليلِ بياناتِ مئاتٍ من المرضى من دراساتٍ سابقةٍ، وُجِدَ أنَّ تلك العلاماتِ المسمّاة "المستضدات"، التي كانت قد تشكلت نتيجةَ طفراتٍ مُبَكِّرةٍ، تظهرُ على جميعِ خلايا الورمِ، وليس على مجموعةٍ فرعيةٍ من هذه الخلايا الورميِّة فحسب!
في الخطوة التالية قامَ الباحثونَ في المختبرِ بعزلِ خلايا مناعيَّةً تخصصيةً تسمى الخلايا التائية T.cells من عيناتٍ أُخِذت من مريضين مصابَين بسرطانِ الرئةِ، يمكن للخلايا التائية أن تتعرفَ على هذه (المستضدات) الموجودةِ على سطحِ كلِ الخلايا السرطانيَّة، وعلى الرغمِ من أنّ لهذه الخلايا في الحالة الطبيعيِّة القدرةَ على التخلُّصِ من كلِّ الخلايا السرطانيِّة، إلا أنَّ الخلايا الورميةَ تُوقِف عملِ هذه الخلايا المناعيَّة القوية.
يمهِّدُ هذا البحثُ الطريقَ للعلاجِ عن طريقِ تنشيطِ وتفعيلِ هذه الخلايا التائية (T.cells)، لاستهدافِ جميعِ خلايا الورمِ في وقتٍ واحدٍ، معتمدةً على الاختلاف الجينيّ لهذه الخلايا الورمية بالنسبةِ لخلايا الجسم، ويمكن للعلماءِ مستقبلاً استغلالُ ذلك لتطويرِ لقاحٍ علاجي، يُنشّطُ الخلايا التائيةَ، أو يؤدي إلى إنتاجِ سلالاتٍ جديدةٍ منها تكونُ قادرةً على التعرف على المستضدات الموجودةِ على جميع أسطحِ الخلايا السرطانيةِ.
ويشرحُ الدكتور Sergio Quezada أحدُ المشاركين في البحثِ، دورَ الجهازِ المناعيِّ في جسمِ الإنسانِ ويصفُهُ بدورِ الشرطةِ التي تحاولُ اعتقالَ وتوقيفَ المجرمِ المتمثل بالسرطانِ والأورامِ المختلفةِ جينياً عن خلايا الجسمِ، التي يعتبرُها الجهازُ المناعيُّ عصابةً من السفاحين المتورطين في جرائمَ متعددةٍ، و بدلاً من مطاردةِ المجرمين بلا هدفٍ محددٍ وفي أحياءٍ مختلفةٍ، أصبحَ بإمكاننا تزويدُ هذه الشرطةِ بالمعلوماتِ التي تحتاجُها للوصولِ إلى المسؤولِ الحقيقي عن هذه الجريمةِ المُنظَّمةِ والتخلُّصِ منهُ جذريٍّاً، وهذا يعني علمياً التعرفَ على نقطةِ الضعفِ في ورمِ المريضِ لكي يتمَّ القضاءُ عليه.
إنَّ التعقيدَ الجينيَّ للأورام، الذي يُرفَعُ كأعلامَ واضحةٍ من المستضدات، يزدادُ عندما يبدأُ السرطانُ بتطويرِ وتشكيلِ الفروعِ، ومن الأساسياتِ التي تجبُ ملاحظتُها أنَّ الأخطاءَ المبكرةَ، يمكن أن توجدَ في كل الخلايا الورميةِ التي تشكلُ جسمَ الورمِ الأصليِّ، بينما تتشكلُ الطفراتُ لاحقاً في بعضِ أنواعِ الخلايا الورميةِ وليس كلَّها، وهذه الفروع تحديداً هي التي تسمحُ للمرضِ أن يتكيَّفَ ويصبحَ مقاوِماً للأدوية.
ويقول المشارك في البحث البروفيسور Charles Suanton، إنَّ المثيرَ حقاً، هو أنَّ زيادةَ معدلِ الطفراتِ في الأورام المعقدةِ، يجبُ أن يكونَ دليلاً على زيادةِ فُرصِ الجهازِ المناعيَّ في رصدِ هذهِ الخلايا وتعقُبِها وهذا ما لا يحدثُ في الحالةِ العامة، أما الآن فقد أصبح بمقدورنا إعطاءُ الأولويةِ لتلك المستضداتِ الموجودةِ على سطحِ جميعِ الخلايا السرطانيِّة، فهي تُمثِّلُ نقطة الضعفِ التي يُمكنُ من خلالِها القضاءُ على أنواعِ السرطاناتِ المعقدةِ.
هذا ما يفتح الطريقَ للتعاملِ معَ كلِّ مريضٍ كحالةٍ خاصةٍ، ودراسةِ الورمِ الخاصِ به للتعرفِ على المستضداتِ المختلفةِ، ثم تحديدِ أفضلِ طريقةٍ لتطبيقِ العلاجِ المناعيِّ وإعطاءِ الأولويةِ للمستضدِ الموجودِ على أغشيةِ جميع الخلايا الورمية، يلي ذلكَ تحديدُ الخلايا المناعيةَ التائيةَ المناسبةَ التي يُمكنها التعرفُ على هذه المستضدات.
يعتبرُ هذا الانجازُ بحدَّ ذاتهِ أمراً رائعاً، فبناءً على ذلكَ سيكون لكل مريضٍ دواءٌ مصممٌ لهُ خصيصاً، ويتمتعُ بتأثيرٍ مطلقٍ، ويضيفُ الدكتور Quezada إنَّهُ ومنذُ سنواتٍ عدةٍ هناكَ محاولاتٌ لدراسةِ كيفية تنظيمِ استجابةِ الجهازِ المناعيِّ للسرطان، دونَ فهمٍ واضحٍ لما تميِّزُهُ خلايا الجهاز المناعيِّ على سطح الخلايا السرطانيِّة، وبناءً على هذهِ المعطياتِ الجديدةِ، سوف يكونُ بمقدورنا أن نُعَلِّمَ الجهاز المناعي كيفية استهدافِ ومهاجمةِ الأورام.
وفي النهاية كلنا أملٌ أن تتحوَّلَ هذه الأبحاثُ إلى واقعٍ حقيقي، يصبحُ فيه السرطانُ مرضاً يمكنُ علاجهُ ويصبح الشفاءُ منه أمراً عادياً...
المصادر:
هنا
البحث الأصلي: هنا