الموتُ الأسود... ودورُه في الوقاية من الإيدز والتهاب الكبد
الطب >>>> مقالات طبية
يقولُ كينيث شيرمان Kenneth Sherman، MD، PhD إنَّه سيفحصُ عيناتٍ دمويةً من حوالي 3000 مريضٍ أغلبُهم من مرضى النَّاعور الذين كانوا قد أُصيبوا بالعدوى بين بدايةِ الثمانينياتِ ونهايةِ التسعينياتِ من القرنِ الماضي، لمراقبةِ إحدى الطفراتِ الوراثيةِ الواقيةِ من تطوّرِ المرض لدى المُصابينَ بفيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ، ودورِها في الوقايةِ من الأذى النّاتج عن الإصابةِ بالتهابِ الكبد C و غيرِه من الأمراضِ الكَبِدية.
يُركّزُ البحثُ على إمكانية تثبيطِ بروتين CCR5، الذي يُعدُّ المُستقبِلَ الرئيسيَّ للمنشِّطاتِ الكيميائيةِ على سطحِ بعضِ خلايا الجهازِ المناعيّ التي تُدعى الخلايا التائِيّة. وقد تبيّنَ وفقاً لتصريحاتِ د. شيرمان أنّ فيروسَ العَوز المناعيّ البشريّ يُسخِّرُ بروتينَ CCR5 كمستقبلٍ له، ويَجعلُه الوسيلةَ الأساسيةَ للارتباطِ بالخلايا التائيةِ ودخولِها، ومِن ثَمَّ قَتْلِها، وهذا ما يؤدّي في النّهايةِ لحدوثِ مرضِ الإيدز عندَ هؤلاءِ المرضى.
ولكنّ CCR5 ليس حِكراً على الخلايا التائية، إذ يُمكنُ أن نَجِدَه على سطحِ الخلايا الكبدية، وكذلك على سطحِ الخلايا النَّجميةِ الكبدية التي تؤدّي الدَّورَ الرئيسيَّ في تشكيلِ النَّسيجِ النَّدبي في الكبد، الذي قد يُؤدّي بدورِه إلى حدوثِ التَشَمُّعِ الكَبديّ.
تتركّزُ هذه الدراسةُ على كيفيةِ تأثيرِ تثبيطِ CCR5 على تطوّرِ الأذيّةِ الكّبديةِ أو حدوثِ التَّندُّب أو التَّشمُّعِ في الكبد، أو كليهما. كما أنَّ لدى شيرمان سؤالٌ إضافيٌّ يَوَدّ الإجابةَ عنه، وهو: "كيف يُؤثّرُ التدخّلُ في وظيفةِ CCR5 على الفيروساتِ المُرافِقةِ لفيروسِ العَوزِ المناعيّ البشريّ، كالتهاب الكبد C مثلاً؟" فمن المعروف أنَّ التهابَ الكبدِ C يُسبِّبُ أذيةً كبديةً، ولكنْ هل يؤدّي هذا المُستقبِل دوراً في حدوث تلك الأذية؟ لكونِهِ نوعياً لفيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ لا لفيروسِ التهابِ الكبدِ C.
لقد طُوِّرَت بعضُ الأدويةِ الحَاصِرةِ للمُستقبِل CCR5، وسيُجري شيرمان الدِّراساتِ المخبريةَ عليها ويختبرُها في الظروفِ السريرية. وسيُراجِعُ في هذه الدراسةِ دواءَين:
الأوّلُ: Cenicriviroc وهو دواءٌ تجريبيٌّ قيدُ الدِّراسةِ حالياً ليُصارَ إلى استخدامِه في علاجِ تشمُّعِ الكبد، أمّا الثاني فهو Maraviroc؛ المُوافَقُ عليه في علاجِ المُصابِينَ بفيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ.
يقولُ شيرمان إنَّ أحدَ أشكالِ المُستقبِل CCR5 النَّاتجِ عن الطَّفرةِ CCR5-delta 32 قد يكونُ واقياً للأشخاصِ الذين تعرَّضوا لعدوى فيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ دون التدرُّجِ السَّريعِ نحو الإصابةِ بمرضِ الإيدز. ويُعتَقَدُ أنَّ اصطفاءَ طفرةِ CCR5-delta 32 حدثَ بين الأوروبيين في القرنِ الرابعِ عشَرَ نتيجةً لوباءٍ كبيرٍ هو الموتُ الأسود، فانتشارُ فيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ ذي الآثارِ المُدمّرةِ في إفريقيا على وجهِ الخُصوص، لا يعني أنَّ المرضَ لم يكنْ خطيراً في أوروبا وأمريكا، إلّا أنَّ تطوّرَ الإصابة بالإيدز عند بعضَ المُصابينَ كان أبطأ.
أظهرتِ الأبحاثُ أنَّ الأوروبيين والأشخاصَ ذوي الأصلِ الأوروبيّ الذين اِصْطُفوا وراثياً عبر أجدادِهم خلالَ فترةِ الموتِ الأسودِ في أوروبا ممّن يحملونَ الطفرةَ CCR5-delta 32 ، كانوا مَحميّينَ أيضاً من الطّاعون؛ المرضِ الذي تسبّبَ بوفاةِ الكثيرينَ في القرنِ الرابعِ عشَرَ، أمّا من بقيَ على قيدِ الحياة، فقد نقلَ مورّثاتِه إلى أحفاده، ومن ضِمنها الطّفرةُ CCR5-delta 32، وبذلك ارتفعت عندَ الأوربيين نسبةُ هذه المورثةِ التي تُماثلُ في تأثيرها الأدويةَ الحاصرةَ لعمل CCR5.
يعتقدُ شيرمان أنَّ معاينَته لمرضى النَّاعور، والأهمُّ؛ أولئكَ المُصابينَ بفيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ، ستسمحُ بمقارنةِ التندّب والتليّف الكَبِدي بين المرضى حاملي الطفرةَ CCR5-delta 32 وأولئكَ الذين لا يحملونها.
تعتمدُ هذه الدراسةُ على دراسةٍ أُخرى تُسمّى "دراسةُ النَّاعورِ الحَشديةِ مُتعدّدةِ المراكزthe Multicenter Hemophilia Cohort Study". التي كانت قد بدأت في المراحلِ الباكرةِ لانتشارِ وباءِ فيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ، وتضمَّنت حينَها مرضى النَّاعور، المُصابِ أغلبُهُم بفيروسِ العَوزِ المناعيّ البشريّ والتهابِ الكبد نتيجةَ نقلِ الدّمِ الملوث، وقد جُمِعَت عيّناتٍ من آلافٍ من هؤلاء المرضى، ويقوم شيرمان وفريقُه حالياً بدراسةِ النتائجِ المُختلفةِ للإصاباتِ الكبديةِ لمعرفةِ إنْ كان لطفرةِ CCR5-delta 32 أيُّ دورٍ وقائيٍّ من الأذيةِ الكبديةِ عند هؤلاءِ المرضى.
يقول شيرمان: "إنْ استطعنَا خلالَ السنواتِ المُقبلةِ إثباتَ أنَّ حَصرَ CCR5 يحمي المرضى المُصابينَ بفيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ من أمراضِ الكبد، فعندها سنُغَيّرْ نموذجَ علاجِ فيروسِ العَوز المناعيّ البشريّ بالكامل، ونجعلْ حصارَ CCR5 جُزءاً من العلاجِ الروتيني لبعضِ أو معظمِ هؤلاء المرضى".
المصادر:
هنا
هنا