هل النار مادةٌ صُلبة أم سائلة أم غازيَّة؟
الهندسة والآليات >>>> اسألوا مهندسي الباحثون السوريون
لتعرفوا الإجابة تابعوا معنا هذه المقال ...
قسَّم الفلاسفةُ العالمَ قديماً إلى أربعةِ أقسام: التراب والماءُ والهواء والنار، حيث اعتقد المُنجِّمون البابليون أن كلَّ برجٍ سماويٍّ ينتمي إلى أحدِ هذه الموادِّ الأربع، فمثلاً برجُ الأسدِ والحمل والقوس تنتمي لفئةِ النار لأنها كانت تبدو أكثرَ إشعاعاً في بعضِ أيام السنة خلافاً لباقي الأبراج.
ولكنِ اليومَ وجدنا في عصر العلم الحديث أن العالمَ يتكوَّن من أكثر من 118 عنصراً، وللأمانةِ العلمية فقد كان تقسيمُ القدماءِ منطقياً وفيه نوعٌ من الصِّحة، إذ أن العناصرَ التي اكتشفها العلم تنتمي بشكلٍ أو بآخرَ للتصنيفاتِ الأربعةِ التي أوردها الفلاسفةُ القدماء. حيث أننا اليومَ نقسِم العناصرَ حسب حالتِها الفيزيائية إلى صُلبةٍ أو سائلةٍ أو غازيَّة.
ولكنَ العجيبَ أن النارَ شيءٌ آخر، خليطٌ يجمعُ كلَّ هذه الحالاتِ الفيزيائية، فهي عبارةٌ عن تفاعلٍ كيميائيٍّ يحدُث بتواجدِ خليطٍ من الموادِّ الغازيَّة.
بشكلٍ مُبسَّط، النارُ عبارةٌ عن تفاعلٍ كيميائيٍّ بين خليطٍ من الموادِّ الغازيَّة الباعثةِ للضوء، تُطلِق الضوءَ عند تعرُّضِها للحرارة. ولكنَّ شُعلة الشمعةِ تختلف عن الشُّعلةِ الناتجةِ من حرقِ الخشب أو حتى شعلةِ احتراقِ غاز البروبان المنزلي. طبيعةُ النار تُحدِّدُها الموادُّ الداخلةُ في الاشتعال، فكلُّ نارٍ لها تركيبٌ كيميائيٌّ مُغايرٌ للنار الأٌخرى. النارُ تشبه بعضها من ناحيةِ أنَّ كلَّ اشتعالٍ يُطلِق الطاقةَ التي كانت مُختزَنَةً في موادِّ الاشتعال، بوجودِ الأكسجينِ والوقتِ الكافي لإتمام الاشتعال، وينتُج عن الاشتعالِ ثاني أكسيد الكربون وماء.
ما يُميِّز النار هو أنك لا تستطيعُ أن تُنتِج طاقةَ احتراقٍ عاليةٍ دونَ أن تزيدَ كميةَ المادَّةِ المُشتعلة، أي أنَّ مجموعَ الطاقةِ الداخلة تساوي تقريباً مجموعَ الطاقة الخارجة -عِلماً أنَّ الاحتراقَ ليس بالظروفِ المثالية وهنالك مُخلَّفاتٌ للاحتراق، لذا لم تتحوَّل كلُّ الموادِّ المُحترِقة لطاقة.
معظم الطاقة الناتجة عن الاشتعالِ تكونُ على شكلِ حرارة، فعند ارتفاعِ درجةِ حرارة خليطِ الموادِّ المكوِّنة للاحتراق، تبدأُ بتكوين شعلةِ احتراقٍ تمتدُّ يميناً وشمالاً تبعاً لتسلسلِ التفاعلِ الكيميائي داخلَ الخليط، فحينما ننظرُ بتمعُّنٍ للولاعة عند استخدامها نجدُ أنَّ اللهبَ لا يبدأُ بالظهورِ إلّا خارجَ جسمِ الولاعة، وذلك عندما تكتملُ عناصرُ الاحتراقِ اللازمةِ لبدء التفاعل الكيميائي: الغازُ والشرارةُ والأكسجين. ومن ثم تبدأ الشُّعلةُ بالانتشار تبعاً لقوة تدفُّقِ الغاز.
Image: colourbox.com
لقد سار العلمُ رحلةً طويلةً انطلاقاً من اعتقاداتِ الفلاسفةِ بأن المادةَ على أربعةِ أشكالٍ من بينها النار، ولكنَّ العجيب أنَّه حتى يومنا هذا لم تُفسَّر طبيعةُ النار وماهيتُها بشكلٍ دقيقٍ وعميق، فكلُّها استنتاجاتٌ ونظريَّاتٌ تُصيبُ وتُخطئ. إنَّ الأشياءَ المجهولةَ في هذا الكونِ تُشعلُ روحَ البحثِ والتدقيق لدى الباحثين والمهندسين، ويقوم العديدُ من الباحثين في فِرَقٍ مختلفة بعزلِ عملية الاحتراق عن المُحيط الخارجي للوصولِ إلى تفسيرٍ أوضحَ لكيمياءِ النار.
على الرغم من أنَّ الإنسان الأول قد تمكَّن من اكتشافِ النار التي كانت أروعَ اكتشافاتِ الإنسان و أكثرَها فائدة، من طهيِ الطعام للتدفئة مروراً بالحماية من المُفترسات وصولاً إلى عصرِنا الحالي، حيث أن كلَّ محرِّكاتِ الاحتراق الداخلي المستخدمةِ في السياراتِ والطائرات والسفن، وحتى محطاتِ توليدِ الطاقة الكهربائية تعتمدُ على كيمياءِ الاشتعال لتوليدِ الطاقة الحركية، واليومَ تقومُ الشركاتُ الصناعيةُ الكبرى بتوظيفِ علماءَ وباحثينَ ليدرسوا تفاعلَ النارِ داخلَ المحركات، أملاً في زيادة كفاءةِ الاحتراق وبالتالي تقليلِ الوَقودِ المصروفِ وزيادةِ كفاءةِ المحرِّكِ بشكلٍ عام.
شاهدوا معنا هذا الفيديو الذي يحتوي على تجربة علمية تأكد على أنه يوجد بعض خواص بلازما في اللهب هنا
شاركنا في رحلة المعرفة، ما هو التساؤل الذي طالما شغلَ تفكيرك دون أن تحصل على جوابٍ علميٍّ دقيق له؟ حان الوقت لتعرف الجواب.
المصدر:
هنا