الكشفُ عن تطوّر قيد الحدوث بين عصافير داروين
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
تعدُّ عصافير داروين مثالاً تقليدياً عن التشعّب التكيّفي (Adaptive radiation). فقد وصل السلف المشترك لهذه العصافير إلى جزر غالاباغوس قبل مليوني عامٍ مضت. وخلال تلك السنوات، تطوّرت هذه العصافير لتصل اليوم إلى 18 نوعاً معروفاً تختلف فيما بينها في حجم الجسم، شكل المنقار، وسلوكيات الغناء والتغذية.
سمحت الاختلافاتُ في حجمِ وشكلِ المنقار للأنواع المختلفةِ من هذه الطيور باستغلال أنماطٍ مختلفة من مصادر الغذاء كالحشرات، البذور، رحيق أزهار الصبّار، بالإضافة إلى دماء الطيور البحرية، وكلّ ذلك غدا ممكناً عبر الانتقاء الدارويني.
توصّل فريقٌ من الباحثين في جامعة أوبسالا السويدية وجامعة برينستون البريطانية إلى تحديد مورّثة تُفسّرُ الاختلافات في حجم المناقير بين الأنواع المختلفة من عصافير داروين.
ساهمت هذه المورّثة بحدوثِ تحوّلٍ سريعٍ في شكلِ حجمِ منقارِ عصفور الأرض متوسط الحجم (Geospiza fortis) بعد وقوع جفافٍ شديد. وكان الفريق ذاته قد كشف في دراسةٍ سابقة أنّ المورّثة (ALX1) هي المسؤولةُ عن التحكّم بشكل المنقار (مدبّب أو غير مدبّب)، واليوم تم تحديد المورّثة (HMGA2) التي تؤثّر في حجم المنقار.
لقد كان تشارلز داروين أوّل من وصف مبدأ اختلاف السِمات، والذي بات يُعرف اليوم باسم انزياح السِمات البيئية (Ecological character displacement)، وهذا يعني أنّ الأنواع التي تتنافس على موارد الغذاء ذاتها تميلُ إلى التباعدِ عن بعضها من أجل تقليل التنافس. هذه العملية التطوريّة قد برزت كآليةٍ هامة في المجتمعات البيئية المعقّدة.
واحدٌ من الأمثلة القليلة الواضحة على انزياح السِمات البيئية تم توثيقه سابقاً في عصافير داروين من قِبل بيتر وروزماري غرانت في جامعة برينستون، وهما مؤلفان شاركا في الدراسة الجديدة. عصفور الأرض المتوسط تباين بحجم منقاره عن عصفور الأرض الكبير (Geospiza magnirostis) في جزيرة Daphne Major، وذلك بعد حدوث جفافٍ شديدٍ بين عامي 2004-2005.
لقد لاحظَ بيتر وروزماري غرانت، اللذان عمِلا في جزر غالاباغوس لفترةٍ امتدت لأربعين عام، أنّ معدّل حجم منقارِ العصفورِ المتوسط قد أصبحَ أصغرَ أثناءَ حدوثِ ذلك الجفاف بسبب الوفيّات الكثيرة للعصافير ذات المنقار الكبير من هذا النوع لأنها لم تتمكّن من منافسة عصافير الأرض الكبيرة.
يقول العالمان: "لكننا أدركنا اليوم أن المورثة HMGA2 قد لعبت دوراً جوهرياً في هذه النقلة التطوّرية، وذلك الانتقاء الطبيعي الذي أثّر على هذه المورّثة أثناء حدوث ذلك الجفاف ويعتبر واحداً من أعلى المعدّلات حدوثاً الذي تم تسجيله في الطبيعة حتّى الآن".
عُرف سابقاً عن ارتباط المورّثة HMGA2 بالتنوّع في حجم الجسم لدى الكلاب والأحصنة، كما تعدّ واحدةً من المورّثات التي أظهرت ارتباطاً وثيقاً بتنوّع قامات البشر، وهي صفةٌ تؤثّر فيها مئات المورّثات. تملك مورّثة HMGA2 دوراً في بيولوجيا السرطان كونها تؤثّر في التحوّل الظِهاري المتوسطي (Epithelial-mesenchymal transition EMT) الضروري لتطوّر السرطان وانتشاره.
يقول المؤلّف الرئيسي للبحث البروفيسور لايف أندرسون: "تقوم المورّثة HMGA2 بتنظيم التعبير عن غيرها من المورّثات لكنّ آليةَ قيامها بالتحكّمِ في حجمِ منقارِ عصافيرِ داروين وقاماتِ البشر ما تزالُ غيرَ معروفةٍ". ويَختُم بقوله: " إنه لأمرٌ رائعٌ كيف لهذه المورّثة أن تظهرَ في العديدِ من الأنواع المختلفة كمورّثةٍ تؤثّر في النمو، بالإضافة إلى تأثيرها في الانقسام الشاذّ للخلايا السرطانيّة عند البشر. ومن الجليّ أننا نحتاج إلى مزيدٍ من الأبحاث لفهم وظيفة هذه المورّثة بشكلٍ دقيق".
المصادر:
هنا
البحث الأصلي: هنا