الكهرباء في ابتكار جديد لتنقية المياه
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
يُعتبَر الكربون المُنشَّط المادّة المازّة* الأكثر استخداماً لإزالة الملوِّثات العضويّة من المياه رغم سيّئاتها العديدة كبطء امتصاصها للملوثات، والحاجة لاستهلاك طاقةٍ كبيرةٍ لإعادة تجديد الكربون المنشَّط المُستخدَم، إضافةً إلى عدم قدرتها على إزالة جميع أنواع الملوثات المجهريّة المنحلّة بالماء، لذلك لا تستطيع محطّات معالجة المياه الشائعة تفكيك الجزيئات الّتي تتضمّن المبيدات الحشرية والعشبية، أو المواد الدوائيّة كالمضادات الحيوية، فتتواجد الأصبغة والمركّبات البتروكيميائيّة في مياه الصرف الصحي حتى بعد أن تغادر محطّات المعالجة الأكثر تطوّراً.
وُجِدت حديثاً طريقةٌ فعّالةٌ للقيام بهذه المهمّة وذلك باستخدام تيّارٍ كهربائيٍّ لإزالة الملوثات العضوية السامّة من مياه الصرف الصحّي، بإمكانها تفكيك كلّ هذه المركبات الخطرة بفعاليّة، ومفتاحُ نجاحِها هو ابتكار جذور هيدروكسيل، تُعرف بجذور OH، وهي جزيئاتٌ شديدة التفاعل فترات حياتها قصيرةٌ جداً، كما أنّها مؤكسِداتٌ قويّة ولها عدّة خصائص، فهي لا تنتقي نوعاً محدّداً من الملوّثات، بل تتفاعل مع جميع الملوّثات العضويّة مهما كان نوعها.
لا تدمِّر جذور الهيدركسيل جميع المركّبات العضوية كلّها مرّةً واحدة، فهي تحتاج زمناً معيّناً، فمثلاً: في عمليّة تفكيك جزيء البنزين، تضمّ أوّلُ خطوةٍ نشوء جزيء الفينول، وفي الخطوة اللاحقة، تُفكِّك جذور الهيدروكسيل الفينول إلى أحماضٍ كربوكسيلية قصيرة السلسلة، وفي الخطوة الأخيرة تتأكسد كُلّيّاً إلى ثاني أوكسيد الكربون، فتكون بمثابة عمليّة الاحتراق لكنّها تتمّ بواسطة جذر الهيدروكسيل وينتج عنها الماء و CO2 وربّما بعض الجزيئات غير العضويّة.
Image: sources
لإنتاج جذور الهيدروكسيل الضروريّة، تُستخدَم طريقة الحلمهة (التحلّل بالماء) وذلك بوضع قطبٍ موجب (مصعد) وآخر سالب (مهبط) في خزّان الماء ثمّ تشغيل الدارة فيظهر الهيدروجين على القطب الموجب والأوكسجين على القطب السالب. إنّ الأقطاب المُستعمَلة مصنوعة من مادة الألماس المَشوْبة بالبور(BDD) وهي مادّةٌ نصف ناقلة غير معدنيّة قادرة على توليد جذور الهيدروكسيل ولكن بكميّةٍ غير كافية، لذلك تأتي عمليّة كهروكيميائيّة تُسمّى عمليّة فينتون Fenton لتعمل مع مهبط الانتشار الهوائي* الّذي يقوم بدوره كمحفِّزٍ بفعاليّة ، ويزيد معدّل التفاعل الكيميائي.
يولّد المهبط أوّلاً بيروكسيد الهيدروجين، الّذي يتفكّك بالخطوة الثانية إلى الماء وجذر الهيدروكسيل OH ، وبذلك يتولّد المزيد من الجزيئات شديدة التفاعل المطلوبة، وتنتشر جذور الهيروكسيل ليس فقط بالقرب من القطب السالب وإنّما في كامل خزان الماء لتقوم بعملها.
إنّ هذه العمليّة سريعة وفعّالة، ويمكن استخدام الأقطاب الموجبة والسالبة نظريّاً لأكثر من نصف قرن، لكنّ المشكلة الوحيدة هي أنّ القطب السالب الحديدي يتفاعل مع بعض الحموض في المحلول مُشكِّلاً معقّدات مستقرّة جداً لا تقوى جذور OH على تفكيكها، فتتوقّف العمليّة هنا، والحل لهذه المشكلة هو استخدام الأشعة فوق البنفسجيّة أو الأشعّة الشمسيّة ليتمّ نزع الكربوكسيل ضوئيّاً، وبذلك ينخفض المحتوى العضوي في المحلول إلى الصفر، فقط بضخ المياه عبر مُجمِّعٍ شمسيّ وستكون أشعّة الشمس كفيلةً بتحويل آخر الملوّثات المتواجدة إلى معادنَ غير مؤذية.
يُسمّى هذا النموذج بمفاعل photoelectro-Fenton ويبدو وكأنه مجموعة من خلايا الوقود*، التي تتجمّع فيها الأقطاب الموجبة والسالبة مضافاً إليها أنبوب تجميع شمسيّ، وتحوِّلُ مياه الصرف الصحي الملوّثة بالمركّبات العضوية إلى مياه نظيفة بفعاليّة وفي وقتٍ قصير.
Image: sources
مفاعل photoelectro-Fenton
سُمِّيَ الكيميائي صاحب هذا الاختراع بالموهبة الخضراء لعام 2015، فإذا كنت باحثاً ولديك أفكار لجعل العالم أكثر اخضراراً بإمكانك المشاركة بالمنافسة www.greentalents.de لربّما تكون أنت الموهبة الخضراء القادمة!!
--------------------------------------
هامش:
المواد المازّة: مواد تُستخدَم للقيام بعمليّة الامتزاز وهي عمليّة التصاق ذرّات أو جزيئات الملوِّثات على سطح المادة المازّة.
مهبط الانتشار الهوائي: هي أقطابٌ لها اقتران مع سطح صلب، سائل، وغازي، وهي محفِّزات كهربائيّة ناقلة تدعم التفاعل الكهروكيميائي بين السائل والطور الغازي، تُستخدَم في خلايا الوقود، حيث يتفاعل الأوكسجين والهيدروجين عند هذه الأقطاب لتكوين الماء، عند تحويل طاقة الرابطة الكيميائية إلى طاقة كهربائية.
خلايا الوقود Fuel Cells: هي خلايا تُنتِج الكهرباء بتفاعل كهربائي كيميائي باستخدام الهيدروجين والأوكسجين.
المصادر:
هنا
هنا